كان أكثر من طبيعيًا أنْ تُهلّل إسرائيل للمظاهرات التي عمّت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، فقد وصلت هذه الدولة المارقة إلى قناعةٍ تامّةٍ بأنّ هذه الدولة باتت قوى إقليميّة عظمى في المنطقة، ولن تجدي معها الحلول العسكريّة أوْ العقوبات الاقتصاديّة التي تفرضها عليها الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وبالتالي فإنّ الملاذ الأخير لصنّاع القرار في كلٍّ من واشنطن وتل أبيب وفي عواصم عربيّة ربمّا، العمل على إسقاط نظام الحكم في طهران، على أمل أنْ يعلو لسُدّة الحكم القائد الإيرانيّ الذي يُعيد “أمجاد” نظام الشاه، والذي كان من أكثر الحلفاء للدولة العبريّة ولأمريكا، وينتهج سياسةً مؤيّدةً للغرب الإمبرياليّ وللصهيونيّة المُعادية لكلّ ما هو عربيّ أوْ إسلاميّ، أوْ الاثنين معًا.
وكشفت القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، نقلًا عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكيّة، أن لقاءً سريًا عقد قبل حوالي أسبوعين في البيت الأبيض حيث اتفقت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على برنامج عملٍ استراتيجيٍّ مشترك بهدف ما أسموه كبح النشاطات الإيرانيّة في المنطقة.
د. تسفي بارئيل، المُستشرق الذي يعمل مُحلّلاً لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس) العبريّة، رأى أنّ حكّام طهران باتوا يخشون من المظاهرات، مُعتبرًا أنّها باتت عدوى قاتلة في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يُرعبهم بحيث يخشون من انتقال هذه العدوى الخبيثة إليهم كما حدث في الدول العربيّة مثل مصر، تونس، اليمن وسوريّة.
مع ذلك، لفت المُستشرق الإسرائيليّ إلى أنّ المظاهرات في إيران هي من الأمور العاديّة، مُشدّدًا على أنّها جرت وتجري قبل التوقيع على الاتفاق النوويّ بين إيران والدول العظمى وبعد ذلك، ولكنّه في الوقت عينه تساءل بخبثٍ: هل ستنتقل المظاهرات إلى مدنٍ أخرى؟ وهل ستصل إلى العاصمة طهران؟ في هذه الحالة، تابع، سيضطر النظام الحاكم في طهران إلى استخدام القوّة لقمع الاحتجاجات، وسيستخدم المخابرات والجيش للسيطرة على الوضع، لافتًا إلى أنّه لن يسمح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه في العام 2009 عندما جرت المظاهرات، التي برأيه، ما زالت تُعاني منها الجمهوريّة الإسلاميّة حتى يومنا هذا.
وزعم د. بارئيل أنّه في الماضي غير البعيد تمكّنت السلطات من استيعاب المظاهرات عن طريق زيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل وأيضًا بواسطة قمعها عن طريق القوّة، ولكن هذه المرّة، أضاف، يظهر واضحًا وجليًا أنّ الاحتجاجات أعمق بكثير عن سابقاتها، وأنّ الحديث يدور عن مشاكل عويصة جدًا ومُزمنة كثيرًا، مثل البطالة التي ما زالت نسبتها 12 بالمائة، ارتفاع الأسعار، تخفيض الدعم الحكوميّ، رفع الضرائب والفساد في المؤسسة الحاكمة. بالإضافة إلى ذلك، ادّعى المُستشرق الإسرائيليّ أنّ التدّخل الإيرانيّ في كلٍّ من سوريّة واليمن، وأيضًا عدم وجود أفق اقتصاديّ على الرغم من رفع العقوبات الاقتصاديّة عن الجمهوريّة الإسلاميّة بعد الاتفاق النوويّ، هذه العوامل مجتمعةٍ، جزم، تدفع الشعب في إيران إلى الاحتجاج على الظروف المعيشيّة الصعبة التي تُعاني منها البلاد، على حدّ زعمه.
ولفت المُستشرق الإسرائيليّ في سياق “تحليله” إلى أنّ النجاحات العسكريّة والسياسيّة الإيرانيّة حوّلوا هذه الدولة إلى دولةٍ عظمى ولكن بحجمٍ متوسطٍ، وكانت هذه النجاحات لصالح نظام الحكم، بحيث باتت إيران قوّة عسكريّة وسياسيّة مؤثرةً جدًا في الشرق الأوسط، ولكن، برأيه، فإنّ هذه النجاحات ليست كافية، بل على العكس، الشعب يرى أنّها جاءت على حساب رفاهيته ومستوى معيشته، وهو الذي يدفع الضرائب لتمويل الحملات الإيرانيّة العسكريّة والسياسيّة في المنطقة، على حدّ تعبيره.
وشدّدّ على أنّ النجاحات العسكريّة لا يُمكنها بأيّ حالٍ من الأحوال التغطية على الفشل العميق في السياسة الداخليّة، ولكن في إيران، أضاف، يتذكّرون جيّدًا كيف أنّ سياسة الشاه الخارجيّة كانت إحدى الركائز الأساسيّة التي أدّت إلى نجاح الثورة الإسلاميّة في العام 1979.
وعلى الرغم ممّا ساقه في المقال الذي نشره اليوم الأحد، فقد أقّر أنّه من المُبكّر جدًا التعويل على سقوط نظام الحكم القويّ في إيران، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنّ السلطات لم تلجأ حتى اللحظة إلى استخدام العنف لقمع المظاهرات والاحتجاجات، مُشدّدًا على أنّ عدد المتظاهرين في كلّ مدينةٍ ومدينةٍ قليل، بحيث سيتمكّن النظام من استيعاب هذه الاحتجاجات دون اللجوء إلى استخدام القوّة العسكريّة، على حدّ قوله.