تعزل أمريكا نفسها باصطفافها مع إسرائيل، وتخسر في سمعتها ونفوذها، فوقفت ببجاحة في مجلس الأمن في كفة والعالم كله بكفة أخرى، علينا إدراك أن إعلان ترامب أضر إسرائيل أكثر مما نفعها، ونحن أمام فرصة لكشف وإساءة وجه إسرائيل، وطالما الشارع الفلسطيني يتحرك وهناك أمل ان تكبر كرة الثلج التي ستدهس المشروع الصهيوني. لا شك أن أي تحرك من أجل القدس يعتبر خطوة إيجابية يعتز بها ويشكر من يبادر إليها ويجب أن تبقى القدس حاضرة في الأروقة المختلفة، ولكن الاشكالية ان نعتمد على سلوك واحد فقط في الانتصار للقدس ونكتفي بالمؤتمرات والجمعيات وتحريكها على مستوى ثقيل، خصوصا أن الاحتلال واللوبي الصهيوني يؤثر كثيرا على هذه المؤسسات ويحرف دوما أي قرار ان لم يعطله ابتداء بالفيتو الأمريكي.
ومن الملاحظ أنه حتى اللحظة لم تكن ردود الفعل العربية والإسلامية على مستوى الحدث، ولم تعبر على حجم الخطورة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والقدس المحتلة بشكل خاص، وكنا نتمنى أن تكون هناك قرارات أكبر وأعمق للضغط على أمريكا، مثل سحب السفراء وقطع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني، أو تشديد اللهجة مع الولايات ودعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح وعلى الأقل كسر الحصار عن غزة، وحتى بدعم السلطة الفلسطينية للمطالبة بإيجاد راعي آخر غير الولايات المتحدة أمام أي عملية سلام مقبلة، وحقيقة إن الاكتفاء بالتحرك بين الأروقة الدولية ليس له أي جدوى، بل سيحجّم القضية الفلسطينية ويهمّشها، ويميت ثورة الشعوب وانتفاضاتهم، فالاحتلال يستغل هذه الثغرات بالتسويف والمماطلة، وامريكا تعيق أي قرار ذات جدوى.
حقيقة يجب قطع العلاقات بالكامل مع الاحتلال، ووقف عملية التسوية بعدما اطلق ترامب عليها رصاصة الرحمة، وعلينا إعادة صياغة الاستراتيجية العربية من خيار السلام الوحيد للوصول لتعدد الخيارات ومنها المواجهة ودعم المقاومين، فدور المقاومة شعبية والمسلحة كإحدى الخيارات العربية الرسمية لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية والأمريكية مهم جدا، فتجربة الفلسطينيين والعرب عموما مع قرارات مجلس الأمن مخيبة للآمال، وقد مررنا بتجارب صعبة ومريرة لم يتم فيها إنصاف الشعب الفلسطيني وإعطاءه حقوقه المشروعة، فأمريكا دائما تستخدم حق النقض "الفيتو" في وجه قرارات مجلس الأمن، وبدوره يقوم الاحتلال بتفريغ أي قرار من مضمونه.