من أجل تحصين المشروع الوطني الفلسطيني ..محمد ياغي

الجمعة 22 ديسمبر 2017 10:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT



حتى اللحظة لا توجد ردود عربية أو إسلامية فاعلة على قرار الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. 
قرارات التنديد التي خرجت عن القمة الإسلامية أو تلك التي خرجت عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب سمعناها في السابق ألف مرة ولا جديد فيها.
لا يوجد مثلاً قرار بعدم مقابلة مبعوثي ترامب من الدول العربية والإسلامية. لا يوجد قرار لوقف صفقات السلاح معها. لا يوجد قرار بوقف التنسيق الأمني أو التبادل التجاري معها. لا يوجد تهديد بإلغاء قواعدها العسكرية واستبدالها بأخرى فرنسية أو صينية مثلاً. 
ما يدعو للعجب أن يكون قرار أكثر من خمسين دولة إسلامية هو مطالبة مجلس الأمن بالانتصار لفلسطين بينما هي تشكل ثلث عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويمكنها لو أرادت أن تفرض على ترامب التراجع عن قرارها لو أعلنت بأنها ستقطع علاقاتها بأميركا إن لم تغير موقفها من القدس.
بعض القرارات أو التصريحات الشعبوية الصادرة عن دول ومسؤولين لا تستهدف الضغط على أميركا ولكن تهدف الى الحصول على تأييد شعبي لهذا الزعيم أو ذاك مثل قرار تحويل القنصلية التركية في القدس الى سفارة لفلسطين. شكراً بالطبع لتركيا، لكن هذا ليس قرارا ضاغطاً على أميركا. القرار الذي يؤثر في أميركا هو إجلاء القوات الجوية الأميركية من قاعدة إنجيرليك التركية. 
في مقال نشره روبرت ساتلوف رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن زيارة له برفقة وفد من خمسين باحثاً وداعماً للمعهد لإحدى الدول العربية قال فيه إن موضوع القدس ذُكر بكلمتين فقط من قبل أعلى سلطة في ذلك البلد، حيث قال عندما تم سؤاله عن قرار ترامب: هو مخيب للآمال، ثم قام بتغيير موضوع الحديث. ساتلوف قال لو لم نسأل عن قرار ترامب، لما تطرق له المسؤول العربي. 
بيت القصيد أن الفلسطينيين وحدهم مرة أخرى، وهذا يفرض عليهم التفكير بشكل إستراتيجي في حماية قضيتهم من الضياع في فترة تبدو فيه زعامات العالم العربي إما مشغولة بصراعات من صناعة أيديها أو تحاول الحصول على شرعية دولية لتعويض غياب الشرعية الشعبية لها. وخلال ذلك بالطبع يمكن التضحية بالقضية الفلسطينية من أجل الحصول على دعم أميركا وإسرائيل. 
أي تفكير إستراتيجي بالشأن الفلسطيني يجب أن ينطلق من قاعدة أن عملية السلام التي ولدت في مدريد العام 1992 ودشنت باتفاق أوسلو العام 1994 قد ماتت بفشل مفاوضات كامب ديفيد العام 2000. 
إذا لم تتوفر هذه القناعة، ستكون قرارات القيادة الفلسطينية غير معبرة عن حقيقة الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون الآن. القول إن أميركا لم تعد وسيطاً أو راعياً لعملية السلام، هو كلام جميل، لكنه لا يقدم ولا يؤخر كثيراً لأن عملية السلام جثة هامدة منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد قبل سبعة عشر عاماً. 
ما يجري منذ العام 2000 هو قرارات من جانب قوة الاحتلال تستهدف حسم الصراع من خلال تهويد القدس وتكثيف الاستيطان وتحويل مناطق السلطة الى معازل مقطعة الأوصال تعتمد في بقائها على إرادة الاحتلال. 
كل ما جناه الفلسطينيون طيلة الأعوام الماضية هو أكاذيب من نوع ابنوا مؤسسات دولتكم حتى تحصلوا عليها، لكن الهدف الحقيقي كان ترك الاحتلال يفعل ما يريد في الأرض الفلسطينية بينما هم منشغلون في إثبات جدارتهم بالدولة، وكلما تنازلوا قالوا لهم "لا يكفي"، "أنتم ما زلتم تحرضون على الإرهاب"!
لا حلول للقضية الفلسطينية دون تصعيد الأزمة مع إسرائيل ونقلها لها، لكن هذا التصعيد وأياً كان اتجاهه يتطلب تحصين البيت الداخلي الفلسطيني حتى يتوحد الجميع لمواجهة المشاريع التي تستهدف وجودهم، وحتى يتمكنوا من نقل الحالة الفلسطينية من الدفاع الى الهجوم. 
هنالك ثلاث خطوات يمكن التفكير بها: 
الخطوة الأولى هي ضم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لمنظمة التحرير الفلسطينية وإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة بنقل كل ما له علاقة بالعمل السياسي في السلطة لها. 
ضم "حماس" و"الجهاد" يعني أن الفلسطينيين يرسلون رسالة واحدة للعالم أنهم موحدون في مواجهة ما يحاك ضدهم من مشاريع تستهدف الاستيلاء على أرضهم.  
ويعني أيضاً أن هنالك إمكانية للاتفاق على إستراتيجية واحدة لمواجهة الاحتلال.
نقل العمل السياسي للمنظمة يعني تحويل السلطة الى إدارة للخدمات فقط وأن أجهزة الأمن نشاطها محصور فقط في القبض على المجرمين المدنيين، وأن لا علاقة لها بعد اليوم بتنفيذ اتفاقيات سياسية لم تحترمها إسرائيل ولا مستقبل لها بعد القرار الأميركي الأخير.  
نقل العمل السياسي للمنظمة يشجع الفلسطينيين أينما وجدوا الى العودة للانخراط بقضيتهم بعد أن تم تهميشهم على مدار عقدين من الزمان لقناعة تبين أنها لم تكن في محلها، وهي أن الدولة على مرمى حجر. الدولة على كامل الأرض التي تحتلها إسرائيل منذ العام ١٩٦٧، على مسافة آلاف الأميال وتحتاج الى أكثر من مفاوضات أو قرارات دولية غير ملزمة لاحتلال من أجل تحقيقها.
الخطوة الثانية مرتبطة بالأولى. الانتخابات في ظل الاحتلال مجرد تشتيت للجهود وحرف للأنظار عن القضية الأهم وهي وجود الاحتلال. 
المجلس التشريعي يجب أن يكون جزءاً من المجلس الوطني الفلسطيني. بهذا المعنى، المجلس الوطني هو الممثل لكل الفلسطينيين أينما كانوا وهو من يصدر التشريعات وينتخب قادته في اللجنة التنفيذية وفي رئاسة منظمة التحرير. 
الخطوة الأولى مع الثانية تعني أن القيادة الفلسطينية تسحب نفسها من اتفاقات أوسلو وتعيد القضية للشعب الفلسطيني ليقرر في قضيته ما يشاء. 
يجب التحرر من وهم إمكانية بناء ديمقراطية على الطريقة الغربية في ظل وجود الاحتلال. الديمقراطية هي نظام سياسي لدولة مستقلة. تحت الاحتلال، النظام السياسي الفلسطيني غير مستقل وغير قادر على بسط تشريعات يلغيها جندي إسرائيلي على حاجز عسكري. 
الخطوة الثالثة وهي في تقديري لا تقل أهمية عن الأولى والثانية، لها علاقة برئاسة منظمة التحرير. حالياً، الرئيس عباس هو رئيس منظمة التحرير، ومن الضروري ان يكون هناك نائب له. 
في هذا السياق أعتقد بأن تعيين المجلس الوطني الفلسطيني للأسير مروان البرغوثي نائباً لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، اي نائباً للرئيس عباس، هو خطوة ضرورية لتحصين المشروع الوطني الفلسطيني ورافعة سياسية كبيرة له.
خطوة كهذه ستجعل القضية الفلسطينية في الإعلام العالمي كلما مر "سائح" سياسي الى الأراضي الفلسطينية يسعى للاجتماع بمسؤولين فلسطينيين لأنهم ببساطة أو هكذا يفترض، سيقولون له توجه الى الرئيس في سجن هداريم.
نحن بحاجة الي مانديلا فلسطيني، ومروان تتوفر فيه خصال مانديلا: هو يؤمن بالسلام العادل مع الإسرائيليين، وهو يؤمن بأن المرحلة الحالية هي مرحلة تحرر وطني، وهو فوق ذلك يحظى بثقة الفلسطينيين وفصائل العمل الوطني والإسلامي. 
خطوة كهذه تسلط الأضواء أيضاً على واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وتؤكد للعالم أن الفلسطينيين يقفون خلف أسراهم وهم من تطالب إسرائيل وأميركا ترامب معها بوقف مخصصاتهم وتجريمهم لأنهم تجرؤوا على مقاومة الاحتلال. 
هذه المقترحات ليست برنامجاً سياسياً لمواجهة الاحتلال، ولكنها مقترحات لبناء مؤسسات تنظيمية فاعلة يمكن الاعتماد عليها لوضع هذا البرنامج وقيادة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.