اعتبر رئيس حركة “النهضة” التونسية، راشد الغنوشي، أنه لا توجد قضية توحد الأمة مثل القدس وفلسطين، وأن هذه القضية تجدد “الربيع العربي” بعدما “كان يعيش حالة خمول وتآكل وتحارب أهلي بسبب المؤامرات”.
وفجر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/ كانون أول الجاري، غضبا عربيا وإسلاميا وقلقا دوليا بإعلانه اعتراف بلاده رسميا بالقدس (بشطريها الشرقي والغربي) عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال.
وقال الغنوشي، في مقابلة مع الأناضول: “بالتأكيد قضية فلسطين هي قضية مباركة توحد الأمة، وتدعو الأمة إلى أن تترفع عن الخلافات الصغيرة والتافهة والمحدودة”.
وأردف: “الصراع بين الدول الإسلامية، والصراع بين الطوائف وبين الأحزاب يمحي أمام القضية الفلسطينية، فعندما يخرج النهر الفلسطيني تغيب سواقي الخلافات الصغيرة”.
وأعرب الغنوشي عن تفاؤله بحجم رد الفعل الشعبي تجاه قرار ترامب بقوله: “نرى بحر جماهير يتحرك في الشارع لا ندري هذا ما هي طائفته وآخر ما هو حزبه وثالث ما هو جنسه، فالناس يتحركون على وقع النغم الفلسطيني، الذي يحرك الأمة كما لا يحركها أي نغم آخر”.
وتابع: “قد لا توجد قضية أخرى في الأمة قادرة على تفجير الطاقات وإيقاظ النائمين واستفزاز مشاعر الناس مثل قضية القدس وفلسطين، فالتونسيون لا يُجمعون على شيء مثلما يُجمعون على قضية فلسطين، والقدس قلب القضية”.
وشدّد على أهمية قضية فلسطين: “نعتبر أن فلسطين كلها قدس، والقدس كلها فلسطين، والقدس كلها أمة إسلامية”
** تجديد للربيع العربي
واعتبر رئيس حركة “النهضة” أن “قضية القدس جددت الربيع العربي، الذي كان يعيش حالة خمول وتآكل وتحارب أهلي بسبب المؤامرات، وجاء السيد ترامب ليذكي النيران في الربيع العربي ويحييه”.
وقال الغنوشي إن “ما حصل على امتداد الأمة الإسلامية العربية من ردود أفعال هو إحياء للربيع العربي”.
وأوضح: “التحركات أعادت الربيع العربي، فحركة شعوب ضد الظلم وحركة شعوب تطالب بالعدل والحرية والتنمية في مسالك راقية، بعيدة عن العنف والإرهاب، هذا هو جوهر الربيع العربي، الذي حركه السيد ترامب من خلال قضية القدس″.
** قمة إسطنبول
وبدعوة من تركيا، استضافت مدينة إسطنبول التركية، الأربعاء الماضي، قمة طارئة لـ”منظمة التعاون الإسلامي”، أعلنت رفضها لقرار ترامب، ودعت دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
وأشاد الغنوشي بجهود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لعقد هذه القمة، بقوله: “القيادة التركية تمكنت في وقت سريع من جمع هذا الشتات من الرؤساء والملوك ومن يمثلهم مقابل عجز جامعة الدول العربية عن فعل ذلك”.
واعتبر أن قمة إسطنبول كانت ذات رمزية قوية: “فالعاصمة الإسلامية إسطنبول نجحت في ما عجزت عنه الجامعة العربية، فتحية للرئيس أوردوغان على مبادرته”.
وشدد على أن القمة “أثبتت أنه لا تزال هناك أمة إسلامية، ولا يزال الإسلام قادر على جمعها، رغم كل الاختلافات”.
كما أثبتت القمة أن “فلسطين والقدس ما تزال تحتل مكانة في هذه الأمة، فضلا عن رمزية إسطنبول كعاصمة تاريخية للمسلمين، بحيث يجتمع فيها المسلمون للدفاع عن قضية مقدسة، فهي مسرى النبي عليه الصلاة والسلام ومعراجه.. وكل هذا أمر إيجابي”.
إلا أن الغنوشي قلل من النتائج المباشرة للقمة قائلا: “لا يُنتظر من القمة أن تخرج بأكثر مما يتوفر عليه المشاركون فيها من إرادات وعزائم، فمحصلة القمة هي محصلة الإرادات الواهنة في العالم الإسلامي والقدرات المحدودة على البذل والتضحية”.
واعتبر أن “مخرجات (نتائج) القمة، بحسب ما ظهر منها حتى الآن، ليست بذات بال غير الجانب المعنوي”.
ولكن، وبالنظر إلى واقع العالمين الإسلامي والعربي، رأى الغنوشي أن “مجرد الاجتماع من أجل القدس وفلسطين هو أمر إيجابي، وتقديم الدعم للقضية الفلسطينية وللدولة الفلسطينية والدعوة إلى الاعتراف بها هو أمر إيجابي، ولكننا نتطلع إلى ما هو أكبر، وأن تفهم القيادة الامريكية أن هناك قضية حقيقية لا يمكن للأمة الإسلامية (مليار ونصف المليار مسلم) أن تتنازل عنها”.
** جهل أمريكي بالمنطقة
وبشأن تقييمه لإدارة ترامب بعد إعلانها القدس عاصمة لإسرئايل، والمباشرة بنقل السفارة الأأمريكية إليها، قال الغنوشي إن “القيادة الامريكية أظهرت مرة أخرى عدم فهمها للمنطقة، فقضية القدس من المحركات الكبرى للتاريخ”.
ومضى قائلا إن “الإدارة الأمريكية حركت الفاعل التاريخي، فيمكن أن يكون السيد ترامب قد أهدى الأمة الإسلامية شيئا كبيرا بتحريكه لهذا الفاعل التاريخي (قضية القدس وفلسطين) الذي ظن أنه مات، ولكن تبين أنه حاضرا”.
وشدد على أن “القدس لها مكانة عظيمة في الأمة، إعلانها عاصمة للكيان الصهيوني هو تعبير عن عدم فهم للتاريخ، وعدم فهم لعمق هذه القضية، ومن الناحية الشكلية ما حدث هو إهداء من لا يملكك لمن لا يستحق”.
واستطرد: “السيد ترمب لا يملك القدس حتى يهديها لإسرائيل، والكيان الصهيوني لا يستحق هذه الهدية، لأنه تقوم عليها (القدس) أمة من مليار ونصف، فضلا عن المسيحيين بما لهم من مقدسات في القدس″.
وأضاف أن “القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وعاصمة للمسلمين، وفضاء للحرية الدينية للجميع، ولكن تحت سيادة الأمة الإسلامية، ممثلة في الدولة الفلسطينية”.
** رسالة للداخل الفلسطيني
وخلال الشهرين الماضيين أجرت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مصالحة وطنية أنهت انقساما جغرفيا وسياسيا بين قطاع غزة والضفة الغربية منذ صيف 2007.
وحول انعكاسات القرار الأمريكي على الداخل الفلسطيني، قال رئيس حركة “النهضة: “الشعب الفلسطيني الآن موحد، ومطلوب مزيد من توحده وراء منظمة التحرر (الفلسطينية)، وتجاوز كل الخلافات البسيطة”
وشدد الغنوشي على أن “كل خلاف بسيط أمام القدس التي تنهب، والقدس التي تختطف من بين أيدي المسلمين.. كل الخلافات الطائفية والفلسطينية والحزبية هي خلافات تافهة أمام قضية القدس الكبرى”.
** إشادة بالموقف الأوروبي
وفي مواجهة الخطوة الأمريكية غير المسبوقة “تحرك العالم ضد قرار ترامب، ففضلا عن تحرك الأمة الإسلامية، كجسم واحد من أقصى إفريقيا إلى اقصى آسيا وإندونيسيا والأقليات المسلمة، فقد ساندهم أحرار العالم”، وفق رئيس حركة “النهضة” التونسية.
وتابع: “تقديرنا للموقف الأوروربي كبير في رفض قرار ترامب، ولذلك ظهرت ضحالة العمق التاريخي للقيادة الأمريكية الراهنة التي تسبب قرارها بشأن القدس في عزل أمريكا”.
وختم الغنوشي بأن “أمريكا تعيش عزلة عن حلفائها في المنطقة العربية، الذين يعيشون حالة كآبة وعزلة وهم منبوذين، ولم يرفع أحد صوته في العالم العربي مؤيدا لقرار ترامب”.
(الأناضول)