الاجواء في غزة كادت ان تذكرنا في الاجواء التي كانت سائدة عشية العدوان عام ٢٠١٤.
حيث وخلال اسبوع واحد فقط تم اطلاق حوالي ستة عشر صاروخا من غزة تجاه اسرائيل و قصفت اسرائيل ايضا خلال هذه الفترة عشرات المواقع ،احد هذه الغارات ادى الى استشهاد اثنين من كتائب القسام.
منذ ليلة الجمعة لم يطلق اي صاروخ باتجاه المستوطنات او المدن الاسرائيلية المجاورة ، و كأن الرسائل المتبادلة بين الاطراف المختلفة قد وصلت الى مكانها الصحيح.
رغم كل هذا التوتر الذي ساد ، الا ان الرغبة لدى الاطراف الرئيسية المختلفة غير معنية في الدخول في مواجهة ، على الاقل في الوقت الراهن ، وذلك للعديد من الاسباب.
السبب الاول و الرئيسي هو انه لا يوجد رغبة لدى الفصائل الفلسطينية الرئيسية ، خاصة حماس و الجهاد الاسلامي ، اللذان يملكان الامكانيات العسكرية التي تستطيع ان تؤذي الاسرائيليين ، ليس لديهم رغبة ، على الاقل في الوقت الحالي، وفي الظروف الراهنة للدخول في مواجهة مع اسرائيل.
حماس خلال الفترة السابقة لم تطلق اي من الصواريخ ، و أمتصت الموقف عندما استشهد اثنين من كتائب القسام في القصف الاسرائيلي قبل اسبوع، وقبل ذلك امتصت على مضض استشهاد اثنى عشر عنصرا وقائدا من القسام و سرايا القدس نتيجة تدمير نفق الجهاد لادراكهم ان الظرف غير مناسب الان و من الافضل التحلي بالصبر و كظم الغيض.
الجهاد الاسلامي ايضا امتصت ضربة النفق رغم التخوفات و التهديدات و حالة الاستنفار القصوى اسرائيليا و لم ترد، على الاقل حتى الان. وكذلك عندما استشهد اثنان من سرايا القدس عندما كانوا يستقلون دراجه نارية ، وكان هناك اعتقاد بأن الاستشهاد ناتج عن استهداف اسرائيلي لهم، سارعت الجهاد و اوضحت الامر بأن الاستشهاد لم يكن ناتجا عن قصف اسرائيلي. ان لم تخني الذاكرة هذا لم يحدث في تاريخ الصراع مع اسرائيل لان الرد الفلسطيني المعتاد او التقليدي سواء كانت اسرائيل مسؤولة ام لا فأن اسرائيل تتحمل المسؤولية.
اعلان الجهاد بأن الاستشهاد كان نتيجة خلل و ليس قصف هو ناتج عن حرصهم على عدم الزام انفسهم في رد على عملية الاغتيال يؤدي الى تصعيد الموقف و الذي قد يتطور الى مواجهه شاملة.
السبب الثاني هو ان الفصائل الفلسطينية، سيما حماس و الجهاد، يدركون جيدا ان المعركة الان هي على القدس، و الاولية الان هي لدعم الحراك المتعلق بالقدس و اسقاط قرار ترامب، وان اي مواجهة عسكرية مع اسرائيل في غزة تخدم الطرف الاخر و تضر بقضية القدس.
القناعة هي ان مواجهة عسكرية في غزة ستحرف الانظار عن القدس و لن نستفيد منها كفلسطينيين عدا عن الثمن الباهض الذي ستدفعه غزة وهي التي ما زالت جراحها تنزف نتيجة الحصار و الدمار و الظروف الاقتصادية التي تزداد صعوبة.
هذا يعني ان هناك نضوج ووعي لدى الفصائل الفلسطينيية، و انهم يتصرفون بعيدا عن العواطف، و بمسؤولية وطنية عالية و يتخذون قراراتهم بكل حرص على عدم الانجرار للاستفزازت هنا و هناك.
اما السبب الثالث وهو يتعلق بالجانب الاسرائيلي. اسرائيل في تقديري هي ايضا غير معنية في المواجهة في الوقت الحالي، حيث اذا ارادت مواجهة فهي تريد ان تختار الوقت المناسب و ليس الوقت الذي يفرض عليها.
الاسرائيليون اولا يريدون استكمال مشروعهم على حدود غزة في بناء العوائق تحت الارضية التي تهدف الى ايجاد حلول للانفاق الهجومية التي تعتبر السلاح الفلسطيني الاستراتيجي في اي مواجهة قادمة. الاولوية لدى الاسرائيلي هي ابطال مفعول هذا السلاح قبل الدخول في اي مواجهة مستقبلية.
اما الاعتبار الثاني لدى الاسرائيليين هو انه ليس لديهم هدف استراتيجي يمكن تحقيقة في اي حرب قادمة في غزة، و اي هدف جدي يحتاج الى احتلال كامل للقطاع ، وحتى الان لا يوجد اي اسرائيلي عسكري او سياسي او حتى مجرد مواطن عادي يفكر او يشجع على عودة الاحتلال الاسرائيلي لغزة حتى وان كان بشكل مؤقت.
التقدير الاسرائيلي ان حماس، التي تعتبرها اسرائيل هي التي تمسك بالحالة الامنية في غزة قد غضت الطرف عن بعض الفصائل و المجموعات. لكن عندما كان هناك شعور او تقدير ان الحبل قد تم شده الى اخر حد وان الامر قد يؤدي الى استدراج عدوان اسرائيلي تم اتخاذ الاجراءات و الخطوات اللازمة مما يفسر حالة الهدوء النسبي في كل ما يتعلق باطلاق الصواريخ خلال الثمانية و الربعين ساعة الماضية، هذا لايعني ان لا تنجح احدى المجموعات غير الملتزمة بالقرار الجماعي في اطلاق صاروخ هنا او هناك كما حدث في الماضي.
اما حول الحراك الجماهيري في غزة فأن الجميع متفق على انه يجب ان يستمر من اجل نصرة القدس و المقدسات.
dr.sufianz@gmail.com