المصالحة: النزول عن موجة التفاؤل إلى أرض الواقع...صادق الشافعي

السبت 02 ديسمبر 2017 04:29 م / بتوقيت القدس +2GMT



نعم الأغلبية الكبرى منا ركبت موجة التفاؤل عندما بدأت لقاءات المصالحة.
وراء ذلك، كان التوق الى الوحدة الوطنية والإيمان بها كشرط لازم لدحر الاحتلال، وكان التطلع الى المصالحة للخروج من ظلام الانقسام البغيض وويلاته القائمة، والمستقبلية.
اجتماع القاهرة الأخير في 21/22 تشرين الثاني الماضي وخروجه بنتائج تخلو من الحلول والتحديد ولا تتعدى الصياغات العامة، ثم التراشق الإعلامي والتلاوم وتحميل كل طرف مسؤولية إعاقة مسار المصالحة للطرف الثاني، ثم بدايات التراشق باتهامات التبعية، او الاستجابة لضغوطات أطراف أُخرى، كل ذلك أعاد الكثيرين الى ارض الواقع.
هذا لا يلغي التفاؤل بنجاح المصالحة، لكنه يسلط الأضواء ويفتح العقول على عدد من القضايا والعناوين، منها: 
1- ان الغالبية الكبرى لم تكن تقدر بدرجة مقبولة، عمق الانقسام ومدى انتشاره ودرجة تغلغله. 
لقد بنى الانقسام لنفسه نظاما اداريا وبنى معه جهازا اداريا متضخما. وكانا جديدين تماما، ويخدمان برنامج وسياسات تنظيم بعينه. وقد استقرا واكتسبا دينامية وأقاما شبكة مصالح ومنافع وعلاقات تم تكريسها والتعايش معها والاستفادة منها لعشر سنوات، ولدرجة اصبح من الصعوبة بمكان الفكاك منها او التنازل عنها.
يستوي في ذلك، التنظيم المعني والأجهزة، والأفراد أيضا.
هذا العنوان يطرح أسئلة تفصيلية مثل: 
سؤال الجهاز الإداري في القطاع، الذي تم بناؤه بعد العام 2007 وتضخيمه (42000 موظف) وانحكم بناؤه لمنطق ودوافع كسب المحازبين والأنصار والسيطرة.
هل يمكن القبول باستمرار هذا الواقع؟ وهل تسمح إمكانات الحكومة بالصرف على هذا العدد؟ وهل يجوز تجاهل الموظفين القدماء؟
لكن في المقابل، هل يمكن نزع المحتوى الإنساني والحياتي لهذا الموضوع وان يكون التعاطي معه بمنطق القرارات الإدارية المتضاربة وخلفها الحسابات التنظيمية، وبالقفز فوق الأبعاد الإنسانية والحياتية لآلاف الموظفين وكراماتهم؟ 
سؤال أجهزة الأمن في القطاع وعددها (17000 منتسب)، لا ينفصل عن سؤال الموظفين بشكل عام، رغم تميزها بحساسية مهماتها وارتباطها الاكثر مباشرة مع الحكومة وقدرتها على السيطرة، وبوجوب ترابطها حتى الاندغام مع أجهزة الأمن في الضفة. 
وهناك اسئلة شبيهة حول الأراضي الحكومية الموزعة، وحول القضاء والتشريع وغيرها. لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا لم يتم انعقاد اللجنة الخاصة المكلفة التعاطي مع مشكلة الموظفين؟ ولماذا لم تباشر أعمالها؟ وهل تم تشكيلها أصلا؟ 
2- ان الذهاب الى مناقشة العناوين الوطنية العامة مثل منظمة التحرير، والحكومة والانتخابات و..... غير واقعي، قبل الاطمئنان ان هذه العناوين الأكثر مباشرة وإلحاحا قد أخذت مسارها الجاد المستقر، وتتقدم بشكل حقيقي والتزام جاد.
اول هذه العناوين المقصودة ومفتاحها هو تمكين الحكومة بشكل جدي وحقيقي مع ما يرتبط بالتمكين مباشرة ويستوجبه من عناوين فرعية معروفة، وما يرتبط به ايضا، من ضرورات ملحّة تتعلق مباشرة باحتياجات الناس ( الكهرباء والماء والعلاج و... ).
3- يتم التعاطي مع موضوع سلاح المقاومة بطريقة التقديس والتحريم، بما يدفع البعض الى الشك ان هناك من يريد، بشكل عفوي او مخطط، وضعه في وجه المصالحة ونقيضاً لها حتى لو قاد الى إفشالها. بينما الواقع يؤكد انه لم يخرج اي تصريح مسؤول من اي جهة يقول بتصفية سلاح المقاومة او سحبه او اي شيء من هذا القبيل. على العكس هناك اتفاق جماعي على عدم المساس به طالما هناك احتلال وطالما لم تقم الدولة الفلسطينية. 
ثم ان هناك إجماعاً وطنياً عاماً على رفض مطالب دولة الاحتلال ومعها الإدارة الأميركية بتصفية هذا السلاح، ورفض تدخلهما في هذا الأمر لجهة المبدأ.
ما هو مطلوب، الاتفاق عليه في موضوع السلاح، فلسطينياً، ينحصر تحت عنوانين:
الأول هو الاتفاق على تحريم استعماله في الأوضاع والشؤون الداخلية تحريماً تاماً.
 والثاني، ان يخضع استعماله للقرار الوطني الجماعي. 
وهذان أمران طبيعيان، لا يحتملان التقديس ولا التحريم.
 يؤكد هذا الفهم تصريحات وأقوال عدد من المسؤولين، منها: 
* الرئيس أبو مازن دعا الى « سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد «. لم يطرح ذلك، كما فهم، كشرط بداية، وإنما كخلاصة لكل مسار المصالحة.  
* يحيى السنوار، قائد حركة حماس في قطاع غزة «سلاحنا بالتأكيد يجب ان يكون تحت مظلة وطنية جامعة يشارك فيها الكل الفلسطيني وهي مظلة منظمة التحرير».
* ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مؤتمر صحافي يوم 7- 11 « نتحدث عن سلاح الفصائل المعترف بها فلسطينياً .... المفهوم الإسرائيلي لنزع السلاح غير مقبول وغير واقعي وغير قابل للتطبيق .... بالمفهوم الفلسطيني يجب ضبط السلاح ويجب تحييده تماماً عن اي تأثير في جوانب الحياة السياسية. قرار الحرب والسلم يجب ان يكون قراراً وطنياً تتخذه القيادة بما يحقق الفكرة العامة عن وجود سلطة واحدة وسلاح واحد.» 
ويمكن ان نضيف الى هذه الأقوال ان موضوع السلاح لم يطرح كبند على جدول الأعمال في لقاءي المصالحة اللذين حصلا، بما يفهم منه وجود توافق تلقائي على تأجيل هذا العنوان للآخر.
* يقابل ما تقدم، تصريحات خليل الحية، نائب رئيس حركة حماس في غزة الاثنين الماضي:
- «قضيتان لا يمكن التنازل فيهما مهما كلف الامر؛ هما سلاح المقاومة والموظفون العموميون» (الذين عينتهم «حماس» بعد انقلاب 2007). واعتبر قضية الموظفين في موقع لاحق «خطاً أحمر لا نقبل تجاوزه باي حال من الأحوال». 
وقال «هذا السلاح ( المقاومة) لا يقبل القسمة ولا النقاش». 
ما يمكن ملاحظته على تصريحات «الحية» انها جاءت قصووية تتعامل بمنطق الخطوط الحمر ورفض النقاش حول عنوانين أساسيين من عناوين المصالحة من جهة، وكأنها ترد على مواقف، لم يعلن عنها او يتبناها احد، اللهم الا اذا كانت لديه معلومات لم يتم الإعلان عنها. 
وربما، انه اراد إعلان مواقف حاسمة لحركته تجاه قضيتين محددتين وهامتين، وبما يمكن ان يفهم ويؤشر الى نهج للتعاطي مع العناوين الأُخرى. 
يبقى الأمل معقوداً على التدخل الإيجابي المحمود للشقيقة مصر ووفدها المتواجد على ارض فلسطين متنقلاً بين غزة ورام لله، ان يتجاوز الحال السلبي القائم، وان يضع آليات عمل واضحة محددة تلزم الجميع لتجاوز العقبات والخلافات تعيد قطار المصالحة الى مساره الصحيح.