كما هي أوراق الشجر ، تذبل و تتساقط عند إكتمال دورة حياتية ، أو تتعرض لمؤثرات خارجية ، تضعف و تنقطع الصلة بينها و بين الجسد الأساس ، و المغذي الرئيس ، فتحترق و تتشوه و ما تلبث أن تسقط و تتطاير و تتهشم ..
كذلك هي العلاقة بين الواحد منا و مبادئه و من من يمثلها .. العلاقة بيننا و بين رسول الله ، محمد عليه الصلاة و السلام ، وهو من هو ، النبي الخاتم ، هي أيضاً تتعرض لمؤثرات ، و إختزال إحترامه بطقس و إحتفال سنوي ، أو بترديد أجوف للصلاة و السلام عليه و الإختلاف بشأن إقران الصلاة و السلام عليه و آله أو صحبه و التابعين و تابعي التابعين .. و ما إلى ذلك من هرطقات و سذاجات ، أرهقت أذهاننا ، و أصابت أعيننا بعمى جزئي ، جعلته قاصراً عن الإحاطة بقدر الرسول العظيم ، و مقامه الرفيع المكين .. وحب الله ، و حب رسول الله ، هو أعلى درجات الإخلاص و الإنتماء ، و لا يختلف إثنان أننا نحن العرب ، خير من وضع تعريفات ، و نظم القصائد و المعلقات في معاني الحب ، نحن أهل البلاغة و اللغة و التعبير ، بل إن العرب يفاخرون بأن لغتهم تحتوي على أسماء و تعبيرات ذات عمق فلسفي ، و تحتمل العديد من التفاسير و الأوجه .. الحب ليس فقط شعاراً يرفع ، و لاهو وصف لشعور ، بل هو أداء و تطبيق عملي في جهاد و معاناة و تضحية ..
و عل البعد عن حب الرسول عليه الصلاة و السلام ، و بالتالي تساقط القيم المرتبطة بهذا الحب ، و الأداء المقرون بهذا الحب و التوقير ، و الإجلال ، أسقط معه بالتالي ، و بشكل تلقائي ، قيماً أخرى ، باتت مستغربة و مستهجنة ، و ربما نحتاج إلى صفحات لنعددها ، التسامح ، و الشرف ، و الإباء و الكرامة ، و القتال في سبيل المعتقد و الدفاع عن الحق و الحقوق، و تفضيل المبادئ و الإيمان على المال و المناصب و التجارة و المتع ، كلها مبادئ و ومفاهيم ، تساقطت يوم أن رضينا أن يكون رسول الله ، وهو الرمز لكل مكارم الأخلاق ، و المتمم لها ، و هو الرمز الخالد لمعاني الثورة على الجور و الباطل ، و الصبر على المبدأ ، رضينا أن نختزل الدفاع عنه ، حين يستفزنا أعداؤه عليه الصلاة و السلام بكلمات أو رسومات ، تؤذينا فيه ، فتكون ردود أفعالنا من جنس و طبيعة المؤذي ذاته ، إرهاب و سفك دماء و تهديد و شتائم و تشويه .. علماً بأنه عليه الصلاة و السلام ، أوذي و قيل فيه ما قيل و نعت بأوصاف و أفتري عليه .. ولم يهبط لا هو ، ولا من اقتدى به من السابقين السابقين ، الصحابة الأوائل ، لم يهبطوا إلى مستويات المهاجمين ، و لم يردوا بذات الأسلوب .. بل تساموا و ترفعوا ، بما يليق بحضرة الرسول ، و عظمة الإسلام .. و تركوهم كما أمرهم الله ، لله تعالى يوم يقوم الحساب .. {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} الأحزاب:57 -
تراجعت فينا القيم ، و الإخلاص و تقدير الرسول ، عليه الصلاة و السلام ، يوم فرحنا ، و إفتخرنا ، و كتبنا و ألفنا الكتب ، فرحاً و زهواً ، بأن وضع إسمه عليه الصلاة و السلام ضمن أسماء أعظم عشر شخصيات أو مائة شخصية أو أي رقم من الشخصيات العظيمة ، مقروناً بفلاسفة ، و مخترعين و قادة تاريخيين .. و نفرح عندما يوضع مقتبس من قول له عليه الصلاة و السلام على باب مكتبة أو برلمان أو محكمة أجنبية ، و كأن الرسول الأعظم هو أساساً في محل مقارنة ، أو تقييم من شخص أو أشخاص أو لجان تقرر ، أو في محل مقارنة و مقاربة من شخصيات أخرى .. هو نبي ، وهم ليسوا بأنبياء و هذه تكفي ، و المجال الوحيد و الأوحد ، للمقارنة و المقاربة و الإقران لشخصه عليه السلام ، هو فقط و كما أمرنا الله تعالى ، مع الأنبياء و المرسلين ، نؤمن بهم جميعاً و لا نفرق بين أحد منهم .. فلا تقل لي أينشتاين و لا سقراط و لا سارتر ، ولا أرسطو و لا قبلهم و لا بعدهم .. وهذا ليس إنتقاصاً من قيمتهم و من قيمة علومهم و إفادتهم للبشرية ، و لكنه تنزيهاً و توقيراً للنبي محمــد ، و لأنبياء الله و رسله عليهم جميعاً الصلاة و السلام .. و الفرح و الإعتقاد بأن هذا تكريم ، هو في الحقيقة إنعكاس لمدى التقزم و التـأزم في علاقتنا برسول الله ، و بسنته و رسالته أصلاً .. و عدم إعطائه عليه السلام حقه من التبجيل و الإحترام .. و لو كنا جاهدنا لفهم رسالة الله لنا عبره و عبر الأنبياء و المرسلين ، ما كنا قبلنا و لا رضينا بأن يقارن بغيره من البشر ..
لم نوف رسول الله حقه يوم رضينا و قبلنا أن نترك بعض المخابيل و الدروايش ، يتغنون بجمال وصفه و لون عينيه و تموج شعره و نعومة ملمسه و روعة رائحته و عطره .. ضربنا بعرض الحائط قيم الإحترام و التوقير لرسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام يوم تركنا هوام الملتحين ، يطالبون شباب الأمة بالتركيز على تقليد الرسول بإطلاق لحاهم على شاكلة لحية رسول الله ، و نسينا أن أحداً من صحابته ، و لا حتى أبناء بنته ، حاولوا أن يتشبهوا به بشكل و مظهر لحاهم ، أو شواربهم أو حتى ملبسهم .. و إنما نشبهوا بأخلاقه و معتقده و ثباته و صيامه و قيامه و جهاده و إجتهاده في البحث عن المعرفة و السعي للمحبة و إفشاء السلام ، و التثاقف و التعرف على الآخرين و بناء مجد بإسم الله ، و حكم يرضي الله ، و يحترم الناس و يحمي معتقداتهم و أموالهم ..
لم نوف رسول الله حقه من الإحترام و التبجيل ، حينما سمحنا و تركنا البعض يسوقون عقولنا و يصوغون شرائعنا بأحاديث و روايات مضعفة ، و مهترئة و تراث مشكوك فيه ، و يضعون سياجاً حوله يسمونه علم الحديث و السند و عنعنات كثير منها ناقص و إسرائيلي لا تزال بصمات الأحبار و الأشرار عليه .. فإنطلقوا يحدثوننا عن شهوانية الرسول ، و قدراته و حبه للنساء ، و عن قوة شكيمته العسكرية و " غزواته " و تقطيعه للرقاب و الأدي و الأوصال .. و عن الجواري و ملك اليمين و الغلمان و العبيد .. شوهنا صورة نبي الله بأيدينا و لم نحترمه حين تركنا بعض الغوغاء يتبجحون بالتوقيع بإسم الله ، و الوكالة عن الله و رسوله ، بالتكفير و منح المغفرة و الحكم بجهنم ، و عذاب قبر و فصص الف ليلة و ليلة و يمزجون الأساطير الفارسية و الهندية و الفرعونية و الآشورية ليخرجوا علينا بروايات و قصص و حكايات .. وسط كل هذا الصخب ، كان من الطبيعي ، أن نرى في معاوية محاسن ، و نبرر ملك اليمين ، و نتفهم إحتلال فلسطين ، بل و نقتنع بعدم قدسية القدس و أنها أورشليم ، و أن الصحابة عاديين ، بل و منهم منافقين ، و أن اليهود أصحاب حق ، و الأقصى ليس هو الأقصى .. بل و ندافع عن " الرأي " بأن القرآن نزل على سبعة أحرف ، و نصوصه ربما تغير منها أو جرى تنقيحها و نعتبر أن هذا حرية رأي و فكر ،{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} - التوبة:24.