فور وصوله الى مطار شرم الشيخ للمشاركة في «منتدى شباب العالم»، بدعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تلقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي من بيروت مكالمة هاتفية، انبأته باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
للفور اجرى اتصالاً برئيس الحمهورية ميشال عون وجهات سياسية ومراجع روحية ابرزها مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في سبيل التهدئة، وتفادي اي مشكلة يمكن ان تنجم عن استقالة الحريري.
فاجأت رئيس الجمهورية الذي لم يكن على علم بها، سوى ما قاله له الرئيس الحريري انه سيعقد مؤتمراً صحافياً. فوجىء بها اقرب الناس الى رئيس الحكومة كالوزير نهاد المشنوق الذي اخبرني على الهاتف انه فوجىء بها ايضاً».
لم تخلّف استقالة الحريري على رئيس المجلس وقع الصدمة فقط، بل اظهر خشيته مما يمكن ان يليها.
عندما ألّف حكومته الثانية، قال الحريري انها حكومة ربط نزاع مع حزب الله. في مرحلة لاحقة من الانسجام مع رئيس الجمهورية في الحكم، وخصوصاً في الشهرين المنصرمين، كشف انه متفق معه على السياسة الخارجية، ومع حزب الله على وضع خلافاتهما جانباً وحماية الاستقرار اللبناني. الآن، من الرياض، بات يريد «قطع اليد» التي تمتد الى «الامة»، وقال في حزب الله نعوتاً واوصافاً لم يقلها عنه في الاشهر الـ11 المنقضية في عمر حكومته.
من شرم الشيخ، بعدما قرّر قطع زيارته والعودة الى بيروت في الساعات المقبلة، طالباً استعجال اجتماعه بالرئيس المصري من الموعد المقرّر الاربعاء، استقبله السيسي امس في حضور رئيس مجلس الامة علي عبدالعال ووزير الخارجية المصري سامح شكري ومدير المخابرات العامة، الى سفير لبنان في القاهرة انطوان عزام.
في اللقاء الذي استمر 45 دقيقة بدأ الرئيس المصري مستمعاً، داعياً الى التهدئة والمحافظة على الاستقرار في الداخل اللبناني. حمّل برّي رسائل ثلاثاً الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: ان لا يرد في خطابه في المساء على الحريري، ان لا يستفز حزب الله اسرائيل بغية عدم اعطائها اي ذريعة، ان لا يستفز الشارع السنّي في لبنان.
بحسب السيسي، تبعاً لمعلومات في حوزة مديرية المخابرات العامة، لا ادلة على محاولة اغتيال كان سيتعرض لها رئيس الحكومة اللبنانية، الا انه يأمل في جلاء الاسباب التي تبقيه في السعودية، وان لا يكون بقاؤه هناك سبباً للذريعة هذه. على انه اضاف: «اخشى ان يكون في الاقامة الجبرية».
طلب منه رئيس البرلمان اللبناني المساهمة في ردّ اي تداعيات محتملة تنتج عن الاستقالة، فكرّر الرئيس المصري تمسك بلاده باستقرار لبنان وسيادته وامنه الداخلي، مع تأكيدها انها مدركة مخاوف ما نجم عن الاستقالة، وستعمل على تبديد اية اجواء سلبية. وبعد المقابلة اكتفى برّي بالقول: «لقائي مع الرئيس السيسي، رغم كل الصعوبات، يفتح باباً كبيراً على الانفراج. آمل من اهلنا في لبنان تهدئة النفوس، ومن الاعلام التحلي بالمسؤولية الوطنية والمهنية«.
مذ تلقى السبت نبأ استقالة الحريري، لم يخفِ رئيس المجلس قلقه من حصولها غير المتوقع ومن تداعياتها المخفية، واجرى مراجعة للمخاوف والتأثيرات المحتملة:
اولها، قوله «لا اعرف ايهما اقل كلفة. حوار سعودي ــــ ايراني ام ما يجري الآن في المنطقة وصولاً الى لبنان».
ثانيها، «لم يكن حتى السبت ما يشي بأن رئيس الحكومة يريد الاستقالة. خابرني بعد زيارته الاولى للرياض قبل اكثر من اسبوع وقال لي: اريد ان اطمئنك الى الجو هنا. جيد وماشي الحال، وهناك حرص على الاستقرار. سألته من اين يتلفن فأجاب: من الرياض. سألته عن سبب كلام ثامر السبهان وتصعيده فأجاب: هذا من باب تسجيل المواقف. تسكتون نسكت. ثم قال: القرار هنا مصدره ولي العهد. تبعاً لذلك اطمأننت. الا انني لم اتوقع استقالته. ترأس مجلس الوزراء بعد عودته وقال الكلام نفسه عن زيارته الرياض. ثم ترأس الجمعة اللجنة الوزارية لقانون الانتخاب واعاد الكلام ذاته. لم يكن ثمة ما يوحي باستقالته. في جلسة اللجنة الوزراية راح يهدئهم ويلملم الخلاف بين جبران باسيل وعلي حسن خليل، وبين جبران باسيل ونهاد المشنوق حرصاً على تماسك الحكومة. لو كان يريد الاستقالة لتذرع بهذه الخلافات ــــ وهي المناسبة الملائمة ــــ وفعل. عندما يختلف الزوج مع امرأته يتحجج بالحصيرة».
ثالثها، «في ايام السوريين في لبنان حتى، لم يحصل امر كهذا. لم تسقط حكومة من الخارج، ولم يطلب السوريون ذلك. لا من دمشق ولا من سواها».
رابعها، «من حديثي مع رئيس الجمهورية فهمت انه لن يقبل الاستقالة الآن، وسينتظر عودة الرئيس الحريري للاطلاع منه على مبررات ما فعل. لم يكن على علم بهذه الخطوة. امامنا مرحلة تصريف اعمال. استقالة الحكومة خربت الوضع تماماً. كنا في صدد تلزيم استخراج النفط ومباشرة استخراجه. اتصل الرئيس الحريري بالافرقاء جميعاً واخبرهم بذلك، بعدما وافقت الهيئة الناظمة بالاجماع على التلزيم. كان من المقرّر ان تجتمع الحكومة الاسبوع المقبل لاتخاذ قرار بذلك. الآن جُمّد كل شيء وعدنا الى الوراء».
خامسها، «ما حدث يبعث القلق في نفسي من ان لغة الطائفية ستسود الآن، ويا للاسف. هذا محزن. اخشى ان ما وراء استقالة الحكومة اخطر من الاستقالة نفسها، وان ثمة ما هو ابعد منها. سارعت اسرائيل الى التحدّث عنها، وهذا دليل على انها تريد استغلالها والاستفادة منها، وتالياً افتعال عدم الاستقرار في الداخل اللبناني».