العرب من اللامبالاة إلى التراجع وأخيراً إلى التحالف مع إسرائيل.. سليم ماضي

الخميس 02 نوفمبر 2017 02:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
العرب من اللامبالاة إلى التراجع وأخيراً إلى التحالف مع إسرائيل.. سليم ماضي



يمر المجتمع الفلسطيني خاصة والأمة العربية عامة بحالة من التراجع وعدم اللامبالاة بشأن القضية الأم والأهم ألا وهي القضية الفلسطينية التي كانت على مدار السنين عامل تجميع وتوعية للأمة العربية تذكرهم بعروبتهم وقوميتهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، فهي ليس مشكلة الفلسطينيين فحسب بل قضية العرب أجمعين.وربما تعود أسباب ضجر الحكومات والشعوب العربية من القضية الفلسطينية الى عدة عوامل مجتمعة، هذه العوامل جعلت الحكومات العربية تنأى بنفسها وبشعوبها من الاكتراث بالقضية الفلسطينية، لربما إطالة أمد الصراع والخلل الحاصل في موازين القوى تسبب بالشعور باليأسوأننا غير قادرين على مقارعة إسرائيل، واليأس بدوره أدى الى توارث اللامبالاة وعدم الوعي عبر الأجيال، كذلك هناك عوامل أخرى أهمها:

 أولاً- إن المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من الحصار والدمار الذي لحق به خلال انتفاضتين وثلاثة حروب متتالية قد انهكت قواه وأصبح يبحث عن تحقيق حاجاته الفسيولوجية، كما أن حالة الانقسام والتعصب الحزبي على حساب الكل الوطني، وحالة الاستغلال والفساد والغناء الفاحش الذي تميز به القادة والكوادر الحزبية على حساب الفقراء الذين أعياهم الفقر وقتل مستقبلهم وآمالهم في الحياة كلها عوامل أصابت المجتمع بالإحباط واللامبالاة.

ثانياً- إن المجتمعات والشعوب العربية التي انطلقت فيها الثورات أصبحت أسيرة همومها وقضاياها الداخلية، كما أصيبت بحالة من الاحباط نتيجة فشل هذه الثورات وصدموا من أداء أحزاب الاسلام السياسي الذين بنا آمالهم عليهم طوال العقود الأخيرة.

ثالثاً- إن المجتمعات والحكومات الخليجية أصبحت ترى في إسرائيل حليفاً قوياً أمام خطر السلاح النووي الإيراني الذي يداهمها، والتدخل الايراني في الشأن العربي بل الاختراق الايراني إلى قلب الخليج العربي بوجود الحوثيين في اليمن على التخوم الجنوبية للمملكة السعودية، وهذا ما صرح به الإعلامي السعودي أحمد العرفج في مقابلة على قناة روتانا الفضائية قائلاً "بأن إسرائيل لم تعد كما السابق وأنه لابد من الاعتراف بوجودها والتطبيع معها وأن قطع الاتصالات معها غير مجدٍ، وأن عدو السعودية الآن إيران وليست إسرائيل والقضية الفلسطينية لم تعد أولوية العرب" يعمل الإعلام السعودي على تهيئة الرأي العام داخل السعودية للتطبيع مع إسرائيل والقفز عن القضية الفلسطينية دون حل الصراع وترك الفلسطينيون وحدهم يقرروا مصيرهم.

بعد قرابة السبعين عام من الحديث عن الأمن القومي العربي وسبل الدفاع عنهمن خطره الوحيد "إسرائيل" إذ بِنا نكتشف بأن "إسرائيل" تنتقل من موقع العدو الى موقع الحليف والصديق، ففي كل حقبة تاريخية كان هناك أعداء للأمة العربية، سابقاً تم محاربة القومية العربية باسم الإسلام (الإسلام في وجه العروبة)، أما الآن فيتم حرف البوصلة وتضليل الأمة العربية بصراعات طائفية لا تنتهي؛ وذلك بشكل أو بآخر يعتم على ما تقترفه إسرائيل من تهويد واستيطان لا يتوقف للضفة الغربية والقدس، إن استنزاف مقدرات الأمة العربية عن طريق إشعال فتيل صراعات مذهبية وطائفية وحرف البوصلة تجاه إيران والزيارات والمفاوضات السرية لإسرائيل والسخاء اللامحدود لترامب بأموال ذو أرقام فلكية يعجز علم الحساب عن وصفها !!كل ذلك يَصْب في مصلحة إسرائيل وحدها ويضعف ويهمش للقضية الفلسطينية عن طريق القفز عليها وترحيلها فيما بعد بهدف التفرغ للوحش للإيراني !!

واقعياً تشكل إيران خطر على ممالك الفساد العابثون بمقدرات الأمة الذين يتجاهلون الخطر الحقيقي "إسرائيل"، إنها سياسة ذوي المصالح الخاصة الذين يغمضون أعينهم ويحرفون البوصلة من أجلالحفاظ فقط على عروشهم وكروشهم ..إن الدول التي لا ترى في إيران عدواً لا زالت تتعاطف مع القضية الفلسطينية بالمقابل الدول التي تأخذ من إيران عدو أصبحت تتغزل وترى في إسرائيل حليف وصديق يعتمد عليه في مواجهة الوحش الإيراني !!

للأسف إن حالة اللامبالاة وعدم الاهتمام لم تعد تقتصر على المواطن بحسب بل أيضاً امتدت للنخب الثقافية والمؤسسات البحثية والعلمية المتخصصة بالشأن الإسرائيلي، على سبيل المثال مركز مدار "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية" الذي انطلق لهدف الإطلال وتوفير المعرفة أمام المواطن وصناع القرار على تفاصيل المشهد الإسرائيلي من أجل مساعدتهم في كيفية التعامل مع التطورات والمستجدات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي كي يتم تطوير الاستراتيجية السياسية كي تلائم الواقع الجديد، إلا أنه في الواقع نجد هناك لا مبالاة وضعف تأثير الإصدارات البحثية سواء لمركز مدار أو غيره من المراكز البحثية على صناع القرار ...

ان حالة الاحباط واللامبالاة جعلت موقف رئيس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، الذي نثمنه ونأمل أن يكون بداية الصحوة بعد السبات الطويل، جعلته موقف بطولي ومميز رغم أنه أقل ما يمكن أن تقدمه المجتمعات العربية. هذه المجتمعات التي تراجعت رويداً رويداً في دعم القضية الفلسطينية، فبعد أن خرجت هذه الشعوب بالملايين ضد الحرب على غزة سنة 2008- 2009، نجدها عاجزة عن تنظيم مظاهرة واحدة ضد الحرب على غزة عام 2014.

هذا كان موقف مرزوق الغانم أما محمد الدرية رئيس اتحاد الجودو الاماراتي فقد اعتذر لمدير الاتحاد الاسرائيلي "موشي فونتي" بسبب عدم رفع علم إسرائيل في بطولة الجودو التي اقيمت مؤخراً في أبو ظبي، وعلى أثر ذلك تعهدت الامارات برفع الإسرائيلي العام المقبل خلال بطولة الجودو العالمية التي ستقام على أراضيها.. هكذا بات العرب يخشون زعل إسرائيل ويطلبون رضاها ليل نهار.

 فهل يا ترى سيستمر مسلسل التراجع لاحقاً وسنرى هذه المجتمعات تخرج في مسيرات ومظاهرات داعمة ومؤيدة لحروب تخوضها حكوماتها بمشاركة إسرائيل ضد إيران وقوى المقاومة المناهضة لإسرائيل، أو ضد غزة وهو ما طالب به بعض الاعلاميين صراحة؟

وهل يا ترى نجح الإعلام الموجه والسياسات المتبعة في الفترة الأخيرة والتي وضعت الإقليم على صفيح ساخن وما تلاه من تدخلات خارجية في حرف بوصلة الصراع العربي-الإسرائيلي الى صراع عربي-إيراني أو سني-شيعي تشجعه وتصفق له إسرائيل !؟

للأسف إن كل تراجع يقدمه العرب يجد صلفاً وتعنتاً إسرائيلياً، فإسرائيل ترفض أن تقدم شيئاً للعرب فهي ترفض مبادرتهم (مبادرة السلام العربية 2002)، كما ترفض التفاوض عليها مع تقديم تنازلات فلسطينية، بل ترفض وقف الاستيطان لإعطاء فرصة للمفاوضات، رغم أن العرب يوعدونها بالتطبيع معها وفتح أسواقهم أمامها ورفع أعلامها في كل العواصم العربية. فما هو موقف العرب إذا ما رفضت إسرائيل ما يسمى بصفقة القرن التي حتماً ستكون على حساب القضية الفلسطينية، ولصالح إسرائيل، فهل سيستحي العرب ويكفوا عن اللهث والهرولة خلف إسرائيل للتطبيع معهم أم سيزدادون إصراراً على ذلك؟