هجوم الجيش الإسرائيلي، أمس الاثنين، على النفق الذي كان قد وصل إلى مسافة عشرات الأمتار داخل إسرائيل في منطقة "كيسوفيم" قبالة خانيونس في قطاع غزة؛ كان هجومًا سياسيًا أكثر منه عسكريًا.
لا شك ان الجيش الإسرائيلي علم بوجود النفق قبل عدة أسابيع، وتعقب بكثير من الصبر تسلله داخل الأراضي الإسرائيلية. يمكن - بل يجب - الافتراض بأن الجيش الإسرائيلي علم أيضًا ان المقصود نفق للجهاد الإسلامي وليس لحماس، والسؤال عن موعد تفجيره كان سؤالًا معقدًا من حيث أربعة عناصر:
1. إيجاد الوقت المناسب من الناحية السياسية: انتظر الجيش سماع ذلك من المستوى السياسي الذي تعاطى إلى الآن مع الأمر بكثير من الصبر المفاجئ مع العمليتيْن الأساسيتيْن الدائرتيْن في قطاع غزة: (أ) التقارب بين حماس والسلطة الفلسطينية بوساطة مصر، (ب) تعزيز وتعميق التدخل العسكري الإيراني وتدخل حزب الله في القطاع ولدى حماس؛ لغاية الآن نجحت حماس في استخدام هاتيْن القناتيْن بالتوازي، بحيث لا تزعج واحدة الأخرى، ودون تدخل إسرائيل.
2. الحساب العسكري: كيف نهاجم النفق؟ هل سنهاجمه عندما يكون خاليًا من البشر أو اختيار فرصة يمكن فيها المساس أيضًا بقادة كبار من الجهاد الإسلامي، الذين يعتبر المساس بهم من منظور الجيش الإسرائيلي وكأنه مساس بهدف لإيران وحزب الله في سوريا؟
هذه الفرصة كانت سانحة يوم الاثنين (30/10)، دخل النفق مجموعة من القادة الكبار من الجهاد، من بينهم عرفات أبو مرشد قائد سرايا القدس في منطقة وسط القطاع ونائبه حسن أبو حسنين، كلاهما قتلا معا، ومعهما رجل آخر من الجهاد وهو أحمد أبو عرمانة (25 عامًا)، على الأقل ثمانية آخرون قتلوا أيضًا من بينهم اثنين من رجال الكوماندو البحري التابعين لحماس كانا قد سارعا إلى انقاذهم، المجموع على الأقل 11 (شهيدًا)، عدد الجرحى بلغ 15، بعضهم إصابته خطيرة.
3. الاعتبار الثالث حدد بأي طريقة سيدمر النفق، في نهاية المطاف قرر المستوى السياسي والجيش تفجيره من الجو، في جزئه الشرقي الذي كان في تخوم إسرائيل، على افتراض ان التفجيرات الثقيلة التي ستقتحم داخله ستدمر النفق برمته. إنها المرة الأولى التي يهاجم فيها سلاح الجو هدفًا عدوًا داخل الأراضي الإسرائيلية؛ هذا القرار وقع رغم حساسيته الكبرى، سيما ان المستوى السياسي فضّل ان يري الأمريكيون والمصريون إسرائيل تدافع عن سيادتها ولا تهاجم أهدافًا في غزة.
4. في يوم الثلاثاء (31/10) حماس على وشك ان تسلم لفتح - على الأقل من الناحية الرمزية - الإشراف على معابر الحدود في القطاع للقوات الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية. بعد أن تنتشر قوات حرس الرئاسة التابعة لأبي مازن لن تستطيع إسرائيل ان تسمح لنفسها بأن تهاجم أهدافا في القطاع، لأنهم سيتهمونها بأنها تحاول ان تخرب عملية تسليم أمن القطاع للسلطة الفلسطينية.
موعد الهجوم كان مناسبًا أيضًا من الناحية السياسية، المنطقة وإسرائيل تضجان في الأيام الأخيرة بما لا يعد ولا يحصى من المبعوثين الأمريكيين الكبار الذين يتحركون حثيثًا بين واشنطن والقاهرة وإسرائيل ورام الله. مستشار الرئيس ترامب الرفيع وصهره جارد كوشنير قام الأسبوع الماضي برحلة سرية إلى العربية السعودية، حضر كوشنير إلى الرياض على رأس وفد أمريكي شارك فيه نائبة مستشار الأمني القومي الامريكي دينا باول، ومبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط وقضايا السلام بين إسرائيل والفلسطينيين جيسون غرينبلات، عاد الوفد يوم السبت (28/10) إلى واشنطن، المتحدثون الأمريكيون لم يعرفوا ماذا يقولون عمّن التقى الوفد معهم في الرياض، وعن ماذا بالضبط دار الحديث.
في المقابل زار الرياض أيضًا وزير المالية الأمريكي ستيفن منوشين، منوشين وصل يوم الأحد (29/10) إلى إسرائيل والتقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. المصادر الأمريكية ولا المصادر الإسرائيلية لم تنشر أي تفصيل عن فحوى هذه المحادثات، لكن مصادر "ديبكا" تقول بأن الأمريكيين لمحوا لنتنياهو ان عليه ليس فقط أن يبدي مجرد التأييد الإسرائيلي الأكثر علانية لعملية المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، وإنما المبادرة بخطوات إسرائيلية على الأرض تعبر عن ذلك علانية.
إحدى طرق نتنياهو من التنصل من هذا الضغط كان أن يكشف امامهم ما الذي يدور بالفعل في قطاع غزة؛ حفر أنفاق لا يتماشى تمامًا مع خطوات المصالحة الفلسطينية التي يسعى لها المصريون والسعوديون. التقديرات العسكرية تشير إلى أن تدمير الأنفاق وتفجيرها من شأنه ان يؤدي إلى تصعيد، بمعنى ان إطلاق الصواريخ من القطاع لم يردع نتنياهو، وقد اختار هذا الخيار.
تؤكد مصادرنا العسكرية على أنها المرة الثانية هذا الشهر التي يختار فيها نتنياهو الذهاب بهذا الاتجاه. في الـ 16 من أكتوبر، يوم مجيء وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرجي شويغو لزيارة إسرائيل أرسل سلاح الجو الإسرائيلي مجموعة من الطائرات الحربية إلى لبنان، اعتبر تحليقها إلى هناك لـ "أهداف التصوير"، مصادر استخبارية روسية قالت هذا الأسبوع ان إسرائيل أرسلت الطائرات حيث علمت بأن بطاريات الدفاع الجوية السورية ستهاجمها، إذًا فقد أطلق السوريون صاروخًا باتجاه الطائرات الإسرائيلية أخطأ هدفه، وفي رده على ذلك دمر سلاح الجو الإسرائيلي بطارية الصواريخ السورية.
هذا التبادل للضربات العسكرية بين إسرائيل وسوريا يُراد منه هدف واحد: إقناع وزير الدفاع الروسي ان إسرائيل لن تتنازل عن حرية التحرك الجوي في سوريا، كما أنها لن تتردد بمهاجمة هدف روسي سوري، رغم التواجد الروسي هناك. ومثلما كان التلميح في سوريا موجهًا للروس، كذلك أيضًا مهاجمة الأنفاق التابعة للجهاد أريد له ان يلمح للأمريكيين أنه ورغم رحلتهم للإقناع - وكذلك المصريين والسعوديين - فإن إسرائيل لن تتنازل عن مصالحها الأمنية في منطقة غزة، حتى وإن كان هذا الأمر ينطوي على التصعيد.
المصدر:" "تيك ديبكا"
ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في التقرير تعبّر عن "تيك ديبكا"