أول مرة .. المقاطعة لم تكن مقنعة..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 31 أكتوبر 2017 10:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أول مرة .. المقاطعة لم تكن مقنعة..مهند عبد الحميد



قبل منع الفيلم، توقعت مشهدا متحضرا في قصر رام الله الثقافي، ناس يدخلون لمشاهدة فيلم "قضية رقم 24 "ويحتفلون بالممثل الفلسطيني كامل الباشا الذي فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي الدولي  ، وناس يحتجون برفع شعارات ضد عرض الفيلم وضد مخرجه زياد دويري، ويباركون  فوز الباشا. ولا ينتهي هذا المشهد مع انتهاء الفيلم بل يستمر السجال بين فريقين ورؤيتين حول ما إذا كان عرض الفيلم يعد تطبيعا أم لا وحول معايير المقاطعة التي وضعتها  حركة مقاطعة إسرائيل – بي دي اس -. لكن منع الفيلم أحدث قطعا لاحتمال تطور المواقف، مقدما صيغة غالب ومغلوب في إطار مشترك مؤيد للمقاطعة ودورها المميز على جبهة النضال ضد الكولونيالية الاسرائيلية  وسياساتها العنصرية. لقد استمر السجال الذي" تعتز به" الحملة الوطنية للمقاطعة، ولكن للاسف  على قاعدة غالب ومغلوب، بالمنع الذي استبق نتائج السجال،  دون الاخذ بالواقع  الشائك والمعقد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه. وهنا، ثمة فرق جوهري بين سجال طرفين من طبيعة واحدة مناهضة للتطبيع حول الموقف الاقرب من الصح وبين سجال على قاعدة الانحياز غير المقنع لطرف دون آخر.  الموقف الاول كان من شأنه إغناء سياسة المقاطعة والمنع، أما الثاني فإنه  يضعف الثقة بموضوعية الذين اتخذوا القرار.
قبل كل شيء، لا بد من التأكيد على أهمية دور النضال على جبهة المقاطعة وبخاصة لجهة استقطاب قوى صديقة على صعيد كوني،  قوى ترفض الاحتلال والعنصرية والظلم والانتهاكات عبر مقاطعة دولة الاحتلال وتعمل على معاقبتها، وتنحاز للشعب الفلسطيني ولحقه في التحرر وتقرير المصير. ان هذا النوع من الاستقطاب العالمي في ظل توحش النظام العالمي ومعه دولة الاحتلال، يعتبر انجازا في غاية الاهمية، كونه يقدم اجابة بديلة لغطرسة القوة،  ويصنع ميزان قوى  سياسي وثقافي واقتصادي قادر في مراحل قادمة على عزل ومعاقبة دولة الاستيطان الكولونيالي والابارتهايد. ولا شك أن كل انجاز وكل انتشار للمقاطعة المترافقة، مع نضال الشعب الفلسطيني على الارض وفي كل المحافل الدولية والاقليمية، يعطي أملا وثقة بإمكانية فرض التراجع على دولة الاحتلال. ويصنع بداية  التفوق الاخلاقي والمعنوي في أيام الانهيار والاستسلام.  أهداف كبيرة  تطرح أهمية تطوير العمل على المقاطعة السياسية الثقافية والاقتصادية، عبر إشراك اكبر واوسع القطاعات الشعبية الفلسطينية والعربية في النضال. وتطرح ضرورة تقديم المبادرات والافكار المبدعة وحل الخلافات بروح ديمقراطية.
إن التعدد والاختلاف ووجود  مواقف متشددة وأخرى معتدلة ما بين ال 170 جسما أطلقوا النداء الاول التاريخي لمقاطعة اسرائيل، يعد أمرا طبيعيا. وإذا ما احتكمنا للمعايير التي وضعتها لجنة المقاطعة وهي معايير صائبة وموضوعية، فان الجانب التطبيقي يعتوره أخطاء لا بد من التوقف عندها لأنها تسيء الى فكرة وجوهر المقاطعة .وفي هذا الصدد، خبرنا نماذج غير خلاقة في تطبيق المقاطعة من نوع  إبعاد الصحفية الاسرائيلية عميرة هس من جامعة بير زيت، وعدم السماح لايلان بابه بالمشاركة في محاضرة، والاعتراض على أعضاء كنيست عرب، ومنع المحاضر التونسي عن اكمال محاضرته في الجامعة الاميركية في جنين، واعتبار كل من يأتي الى فلسطين ليس فقط من العرب وانما من الفلسطينيين ضمن نشاطات ثقافية  مطبعا مع الاحتلال. البعض يضع شروطا ومعايير متزمتة كمطالبة الاسرائيلي إذا أراد ان يكون صديقا او حليفا للشعب الفلسطيني  بمغادرة  البلاد والانسحاب بالتمام والكمال من المشروع الصهيوني. وكرفض مجيء الفلسطيني ممن يحمل جنسيات أخرى بدخول فلسطين عبر الجسر أو مطار اللد.  إن هؤلاء يدخلون في تفاصيل  تلحق الضرر  بالقضية العادلة التي لا يمكن إشراك الغير بها  بمعزل عن القانون الدولي وتفرعاته من قرارات ومعاهدات واتفاقيات والتي تناصبها دولة الاحتلال العداء ولا تعترف بها. ويندرج منع فيلم "القضية رقم 24" ضمن أجزاء لا تأثير لها،  فالفكرة التي يناقشها الفيلم لا صلة لها بالتطبيع، والمنع جاء كعقاب لمخرج مارس التطبيع قبل 5 سنوات عبر فيلم الصدمة، وقفز قرار المنع عن حقيقة حصول ممثل فلسطيني على جائزة أفضل ممثل في الفيلم الممنوع، وحقيقة ان الفيلم يتناول قضية الضحايا الذين ينتجون ضحايا، وعن التوحش المسكوت عنه  في زمن الحرب، وعن أخطاء الضحية التي لا يمكن تبريرها. وقد ارادت لجنة المقاطعة قطع الطريق على احتمال تكرار ذلك. مع ان المخرج زياد دويري برر خطأه السابق عبر برنامج جزيل خوري في البي بي سي. بالقول ان مقتضيات العمل المهني كانت تتطلب ذلك، وأنه لم يتوقف عند السياسة، طبعا كلام غير مقنع لكنه يفهم منه، ان صاحبه غير ممعن في التطبيع كما يفعل المطبعون الذين تربطهم مصالح بدولة الاحتلال. 
هناك نوع من التطبيع  من الوزن الثقيل والمؤثر وشديد الضرر، كاتفاق اوسلو الذي يتضمن اشكال من التنسيق الامني والتعاون الاقتصادي من موقع شديد التبعية، وكفئة المقاولين=  وكبار تجار ووكلاء ووكالات وسماسرة وأصحاب مشاريع يعملون بالشراكة مع نظرائهم الاسرائيليين، أو يروجون للسلع الاسرائيلية داخل فلسطين وخارجها. كما أن العمالة في المستعمرات بأكثر من 60 الف عامل. هذا الذي يعتبر جزءا من أدوات السيطرة الاسرائيلية التي تجعل الاحتلال الاستيطاني  مسألة رابحة ومستمرة. والتطبيع من الوزن الثقيل أيضا  هو  العلاقات العربية الاسرائيلية التي بلغت حد التحالف والتعاون الاقتصادي  والعسكري والامني. ان التطبيع الفلسطيني من الوزن الثقيل  يحتاج الى إعادة فكفكة ووضع خطط اعتراضية  والاهم بحاجة لان يكون في مركز الاهتمام  في الخطاب والدعاية  والانشطة، وكذلك فإن التطبيع العربي من الوزن الثقيل بحاجة الى أشكال من الاعتراض والاحتجاج بالتعاون مع القوى الديمقراطية  العربية المناهضة لعلاقات التبعية. 
لاول مرة شعرت بمستوى مرتبك وغير معهود للجنة المقاطعة  كان له القول الفصل في منع فيلم لا تنطبق عليه معايير المقاطعة،  لاول مرة لم يكن كلام لجنة المقاطعة مقنعا، وهي التي خاضت معارك كبيرة باقتدار، وبخاصة عندما تتحدث عن صون التوافق الشعبي الذي يعني بصريح العبارة  الخضوع للمزاج. المزاج الذي يؤدي الى القفز عن المعايير، واعتماد التطرف. من المؤسف خضوع الوعي الذي تمثله اللجنة للمزاج الذي غالبا ما يفقد الوعي مضمونه. 
وكان موقف بلدية رام الله غريبا، عندما قالت في بيان إلغاء عرض الفيلم  "حفاظا على السلم الاهلي". فليس من مسؤولية البلدية الحفاظ على السلم الأهلي، لان الذي يحافظ على السلم الأهلي هو الاحزاب والمنظمة والشرطة والقضاء والقانون والثقافة .  كما كان موقف وزارة الثقافة أكثر غرابة عندما اكتفت بالحديث عن مبادىء وكانها وسيط قانوني وليست معنية بالانشطة الثقافية وبتذليل اية عراقيل. 
Mohanned_t@yahoo.com