التطبيع والتشنيع.. اتحدث كضحية .. رياض سيف

الإثنين 30 أكتوبر 2017 08:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
التطبيع والتشنيع.. اتحدث كضحية .. رياض سيف



تابعت على مدى الايام الماضية الاراء والمساجلات التى دارت حول الفلم اللبناني ( قضية رقم 23) , والتى تجاوزت حدودها الى التعرض للفنان المبدع كامل الباشا في شخصه واهله , حتى بدا لي ان الامر يتعدى حدودالموضوعية الى شهوة التشفي والانتقام  .
هذه الظاهرة اعادتني الى ذكريات سابقة عندما اتهمت بالتطبيع مع العدو في مسلسلي ( الاجتياح ) . وراح البعض من كتاب وفنانين يسمون بالكبار الردح بوصفي بأوصاف لاتليق , وذلك لان ضمن المسلسل خط يربط بين يهوديه ( وليس صهيونيه ) مع احد المطاردين الفلسطينيين .وحين سأل مقدم احدى البرامج المرموقة ما يسمى بالفنانة الكبيرة عن سبب اصرارها على ان المسلسل تطبيعي , مع ان الرمز الفلسطيني عشق فتاة اسرائيليه وكتب فيها قصيدته الشهيره ( ريتا والبندقيه ) اجابت ان الامر يختلف والدليل انه تطبيعي في رايها لان  كل من اشترك بالمسلسل اصبح نجما عربيا وعالميا والمقصود هنا ( اياد نصار و ومنذر رياحنه , وصبا مبارك ) . و انتهى الحديث برد مقدم البرنامج ( اليس لكل مجتهد نصيب ؟). ( والشاطر يفهم ) .
. والانكى من ذلك ان احدهم من الكتاب الذين يتبوؤن منصب اعلامي حكومي كبيرو مسئول  . وصفني بمستشار للناطق الاعلامي  لدولة اسرائيل واتهمني بزيارة تل الربيع  للتعاقد مع ممثلين صهاينه للاشتراك في مسلسلي ( بوابة القدس ) وفي كلا الحالتين لم يكلف احد من المنتقدين  نفسه للتحري الدقيق لكلامه لانه قصد الاساءة عمدا لاسباب مصلحية ودونية  . فلم يفهم الاتجاه الاول التفريق بين يهودية الفتاة كدين يتنافى مع علمانية  الصهيونيه وحركتها العنصرية وبين مخيلتهم الضيقة في تحليل الامور  , . واما الاتجاه الثاني لم يكلف نفسه بالتمييز بين فنانينا الفلسطينين العرب في الداخل الذين لايقلون وطنية عن اي مزاود  وبين فناني العدو الصهيونى  , فسمى  ( الفنان محمود ابو جازي واشرف فرح وحنان الحلو وغيرهم )
بالقاب صهيونية ( حاييم , وشلومو .. الخ ) . مما ترك جرحا عميقا لدى فنانينا في الداخل والذين يمثلون الشرف العربي بعدم اعترافهم او انغماسهم في اي عمل تطبيعي رغم انهم من حملة الهوية الاسرائيليه .
وانا لست بصدد الدفاع عن نفسي امام هذه الفئة الضالة  التى قد لاتعرف من فلسطين الا اسمها , فهي لم  تكن يوما وسط جحيم المعارك التى عشتها في اكثر من موقع كما عاشها ابناء الشعب الفلسطيني ( والاجتياح كتبت سطوره الاولى وسط الناروالحصار في رام الله ).ولم يكلفوا انفسهم قراءة سيرة من يهاجمون التاريخيه وموقعهم ومسئولياتهم في حينه في الوطن . فالحقد يعمي الابصار ويطمس على القلوب   ولذا كان الرد عندي دائما   ( دع القافلة تنبح والقافلة تسير ),
من السهل القاء الكلام على عواهله , فمن لايجد له مكانا وسط النجوم يحاول بأستفزازاته ان يستدرج النجوم الى مستواه . ولكن هيهات ان يلتقي الثرى والثريا .
التطبيع كلمة عامه واعتقد ان الكثيرين منا لا يدرك معناها او يقصد تجييرها حسب اهوائه . فأنا أقرأ التوراة والانجيل كما اقرأ القران الكريم . اتابع الادب الصهيوني بكتابه وعنصرييه , واواضب على قراءة ترجمات صحفه ومطبوعاته  واقضي ساعات في مشاهدة اعمال صهيونيه فنية وثقافية . فهل ينطبق علي مقولة التطبيع ).
اطلاعي على كل شاردة وواردة لاعلام العدو , هو لاجل سبر اغوار ذلك الاعلام وضحده بالحقيقه . ومتابعتى لادبه وفنه  هو انارة لطريقي لكي اتعامل معه باسلوبه وكشف زيفه بنفس الوسيلة التى ابرع بها , اما وضع الراس في الرمال فهي صفة المحبطين الذين لايقدمون ولا يأخرون , بل هم عالة على المجتمع والوطن الذي يدعون الانتماء اليه بالتشكيك تارة والتخوين تارة والتعرض لغيرهم ممن يقبض على الجمر ولا يبالي بأمثالهم ..
ما قرأته في بيان المقاطعه وكما اسلف غيري من الكتاب يدعو الى العجب العجاب من حيث التناقض والتردد . وانا اذ احيي فيهم اخلاصهم وجرأتهم من اجل الحفاظ على الوطن من سموم المغتصب , اتمنى ان يدركوا ان من حق كل مثقف وواعي ومن حق كل مواطن ان يتابع ويدقق في كل ما هو معروض على الساحة من اعمال ثقافية وفنية معادية وان لايكونوا اوصياء على عقول الناس في قبول ما يريدون ومنع ما لايريدون . وفلم مثل ( القضية رقم 23) قد يحضره عشرات في صالة مغلقه , لكن الملايين قد تشاهده على اليوتيوب كما تشاهد مئات الافلام لمخرجين صهاينه ومناصرين للصهيونيه . مما يقودنا الى ان المنع والحجب في زمن الفضائيات والانترنت هو تجاهل لمقولة ان العالم اصبح قرية صغيرة , وان الحدث يصل في لحظته , بل اذا تم المنع يصل الحدث قبل لحظته ويصبح الامر اكثراثارة و تشوقا للمتابعة والبحث .
انا افهم التطبيع هو اقتناع الشخص بالفكرة التى يريدها الاخر . بل واكثر من ذلك هو الايمان والعمل بالفكرة التى يضخها الاخر , وهنا الجريمة بعينها والتى تستحق المحاسبة والعقاب .
واذا تمادينا اكثر في فعل التطبيع وليس فقط الايمان به لذهبنا الى مواقع كثيرة وخطيرة في هذا الجانب , فهل تستطيع لجان المقاطعه ان تقف في وجه الالاف من العمال الفلسطينين الذين يقومون ببناء المستوطنات في فلسطين المحتله ومن يقومون بتزويد حركة البناء بالمواد والمعدات من علية القوم وكبار المتعهدين . اوهل تستطيع منع مئات التجار الذين لاتخلو مخازنهم من المنتجات الصهيونية وهل بأمكان لجان المقاطعه ان توقف حملة الجوازات الحمراء عن عبورهم الى داخل الوطن المحتل او تميزهم عن باقي ابناء الوطن من قبل المحتل الغاصب . وهل .؟. وهل ؟,,وهل ؟…
هذه اسئلة بحاجة الى اجابة  ؟ وعلى غرار ما اورد صديقي الصحفي يوسف الشايب بخصوص ميسي وغيره من المؤمنين بالاحتلال المحقرين لنضال شعبنا , كيف يمكن التعامل معهم .وكيف السبيل لمنع جمهورنا من متابعتهم بل وتمجيدهم .
واذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان فلم ( قضية رقم 23) يناقش قضية يعاني منها كل فلسطيني في مخيمات الاغتراب , فما الداعي لمنعه مادام فيه فائدة في معرفة خفايا ما يعانيه شعبنا , واين لغة التطبيع في عرضه كم من فنانين فلسطينيين شاركوا في اعمال فنيه وسينمائيه اسرائيليه , وما زالوا خارجين عن الاخضاع لقانون المقاطعة . وكم .. وكم .. وكم ….فلماذا توقف الامر عند فلم بعينه , ولماذا تفتح ابواب الجحيم على فنان فلسطيني ملتزم ككامل الباشا , لم نعرف عنه الا كل وطنية والتزام . ولماذا لا نأخذ بالقضايا كلها دون تمييز لنبدي رأينا فيها ونطبق عليها قوانين المقاطعه . انا هنا لا اتحدث عن مخرج خرج عن الطوق له رؤياه التى لاتتفق مع الحق في ممارساته السابقه , بل اتحدث عن عمل  ايا كان كاتبه ومخرجه فمن حق المشاهدين الاطلاع والتقييم والخروج بالقناعات التى قد تكون حافزا للتعرف على افكار الاخر ورفضها  بل وتجنيد ما يمكن لوقفها عند حدها بنفس الاسلوب والوسيلة .
علينا ان نثق بقدرة شعبنا على التمييز بين الغث والسمين وان لا نكون اوصياء على عقول ابناءه . وثقوا بأن شعبنا وصل الى الوعي الذي يمكنه من كشف الزيف والمزيفين , ومن حقه ان يطلع على كل ما هو مع اوضد لعل في هذا درع واق , وطريقة مثلى في الرد ومقارعة افكار العدو بنفس اسلوبه والاعيبه ….
*كاتب وسيناريست فلسطيني