الفصائل الفلسطينية ستجتمع في القاهرة خلال يومين أو ثلاثة، وأمامها مهمة جليلة وثقيلة، تتمثل في وضع كل ما تم الاتفاق عليه موضع التنفيذ، بمعنى أن هذه هي الفرصة الأخيرة والسانحة أيضاً لترجمة الشعارات والنوايا والمواقف إلى برامج عمل يومية، يراها ويلمسها المواطن الفلسطيني الذي سئم هذا الانقسام الذي أضر بكل شيء.
وقد قلنا إن هذه هي الفرصة الأخيرة والسانحة أيضاً لتنفيذ المصالحة، لأن المصالحة أصبحت شرطاً للمرحلة القادمة، ولأنها تحظى بدعم وتغطية مصرية متواصلة وحثيثة، ولأنها تحظى بصمت أو قبول عربي ودولي، ولأنها تأتي في لحظة تغير حقيقي رؤية وقراءة حركة حماس للإقليم والمجريات والصراع، ولأنها مطلب الرئيس محمود عباس وأحد أهم إنجازاته الوطنية، فهو الأب التاريخي الباقي من آباء حركة فتح العظيمة.
إذن، اجتماع القاهرة يشكل بحق الفرصة الأخيرة والسانحة، ذلك أن هناك الكثير من المعوقات أو الأطراف التي قد تحبط هذه الجهود الطيبة، وما محاولة اغتيال اللواء أبو نعيم الآثمة والفاشلة، إلا رسالة ممهورة بالدم، أرسلها كل من لا يريد لهذه المصالحة أن تتم قبل اجتماع القاهرة القريب، وما شروط إسرائيل إلا محاولة منها لتحويل المصالحة وكأنها تصب في خدمة الأمن الإسرائيلي، وهي ليست كذلك.
المصالحة بهذا المفهوم هي رد على انغلاق الأفق السياسي والتسوية المفترضة، وهي حبل نجاة للفصيل الفلسطيني، وتعزيز لحضور منظمة التحرير الفلسطينية، وقطع الطريق على الالتفاف على الحل الذي أجمع عليه الشعب الفلسطيني، فالمصالحة تمنع قيام دولة في غزة أو دولة في الضفة، وتمنع استفراد أي طرف إقليمي أو دولي بأي طرف فلسطيني، المصالحة قطع للطريق على التدخلات والأجندات والاختطاف والارتهان أو المغامرة، المصالحة ترتيب للبيت وإعادة للصياغات الفلسطينية المتفق عليها، والمصالحة أخيراً تعيد للنظام السياسي الفلسطيني مؤسساته الشرعية من خلال العودة إلى مصدر الشرعية الأول وهو الشعب الفلسطيني.
وعلى هذا كله، فإن اجتماع القاهرة هو الذي ننتظر منه أن يحدد مسار العمل الفلسطيني القادم للمرحلة المقبلة، ولا يمكن في هذا انتظار الحكومة أن تقوم بما لا تستطيع أن تنفذه دون ضوء أخضر من ما تتفق عليه الفصائل، فترجمة المصالحة إلى أعمال يومية مسئولية الحكومة، ولكن القرار بالبدء هو قرار فصائلي بالتأكيد، وأعتقد بأن الدكتور رامي الحمد الله وحكومته، لن تنجح بدون الحرص من الكل على هذا النجاح، وتقليل العقبات.
اجتماع القاهرة، نأمل منه أن يصوغ الأجوبة التي ننتظرها بما يتعلق بالمستقبل، الحكومة والانتخابات والكهرباء والموظفين والضرائب والمعابر والمجلس الوطني الفلسطيني، وأن تصاغ أجوبة كافية وذات دلالة حول المسائل الشائكة الداخلية منها والخارجية، كالعلاقة مع الإقليم والعالم، والمواقف السياسية والمرجعيات والبرامج، إن وضوح الأجوبة كفيل بأن يجعل من المصالحة وكيفيات تنفيذها سهل ومرن، لا يخضع للأمزجة أو الأهواء أو الأجندات.
نحن الفلسطينيون ننتظر من اجتماع القاهرة موقفاً واحداً فقط، إنجاح المصالحة ووضعها موضع التنفيذ، وهذا رهان على الموقف المتقدم الذي اتخذه الأخ يحيى السنوار، وكذلك إصرار الرئيس أبو مازن وحكمته وعدم استعجاله على شركاء الوطن، ومن المهم أن نستمع إلى دور بقية الفصائل التي ستحضر اجتماع القاهرة، وتبقى كصمام أمان كي ينتهي هذا الانقسام، وإلا سنخسر الرهان ونفقد ثقة شعبنا.