لأول مرة في تاريخ مؤسسة "ياد فاشيم" التي تتولى توثيق أحداث المحرقة النازية ضد اليهود ابان الحكم النازي في ألمانيا، ستمنح وسام "أنصار الشعب اليهودي" لطبيب مصري لمساعدته على إخفاء شابة يهودية وانقاذها من معسكرات الاعتقال والمحرقة من عام 1942 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الحكم النازي عام 1945.
الطبيب المصري محمد حلمي، الذي ولد في الخرطوم عام 1901، انتقل الى برلين لدراسة الطب عام 1922، وبعد تخرجه عمل في معهد "روبرت كوخ"، لكنّه فصل من عمله عام 1937 بعد وصول النازيين الى السلطة في ألمانيا، كان قد ساعد على اخفاء شابة يهودية ألمانية من النازيين طوال 3 سنوات.
وبعد الكشف عن دور الطبيب المصري في انقاذ حياة هذه الفتاة قررت مؤسسة "ياد فشيم" في القدس منح وسام "اصدقاء الشعب اليهودي" للطبيب محمد حلمي وكان ذلك عام 2013 بالرغم من ان الطبيب كان قد انتقل الى رحمته تعالى منذ 1982. وكانت المؤسسة تتواصل مع ذويه لكي يستلموا الوسام نيابة عن المرحوم، ولكنها كانت تواجه رفض تسلم الوسام لاعتبارات سيساية تتعلق بالتطبيع. وكانت المؤسسة قد عقّبت في هذا العام على رفض أبناء عائلته المصرية الحصول على هذا الوسام بالقول "نأسف لذلك، ونتمنى أن يأتي هذا اليوم الذي فيه سيتغلّب الطابع الإنساني على السياسي".
وبعد مرور 4 سنوات على قرار منح الجائزة، بدأت مؤسسة "ياد فاشيم" بالبحث عن أقرباء محمد حلمي في مصر، سعيا لإقناع أحدهم بالقدوم الى اسرائيل لتسلم الوسام، ومؤخرا وافق أحد أقربائه ويدعى ناصر قطبي، وهو بروفيسور في الطب ويبلغ من عمره 81 عاما، وسيحصل على الوسام من السفير الإسرائيلي في برلين جيرمي يششخروف الخميس القادم في مبنى وزارة الخارجية الالمانية.
وقال يششخروف في تعليقه على الحفل التكريمي الخميس القادم، إن "حلمي أثبت أن المسلمين واليهود يمكنهم ليس فقط أن يكونوا حلفاء، إنما المخاطرة بالحياة من أجل إنقاذ اليهود، وهو نموذج يضعنا في طريق آخر مختلف عمّا يحاول الآخرين بتعميق الفجوة بين اليهود والمسلمين – طريق التعاطف والالتزام التي تتغلب في الإنسانية على كافة الاعتبارات الأخرى، بغض النظر عن الانتماء الديني، العرقي، أو الجنسي".
والطبيب المصري محمد حلمي، كان قد فصل من عمله عام 1937 من معهد روبرت كوخ الذي ارتبط بالنظام النازي في ألمانيا بعد وصولهم الى الحكم، كونه ليس من الجنس الآري، وكان مصنفا من قبل النازيين على أنه من السلالة الحامية المنتسبة إلى حام بن نوح، وهي سلالة اصطلح عليها في نهاية القرن التاسع عشر للإشارة إلي سكان شمال إفريقيا بما فيهم قدماء المصريين وسكان القرن الإفريقي.
ومنع حلمي من العمل في نظام الصحة العامة في المانيا في ذلك العالم، وأصبح غير قادر على التزوج من صديقته الألمانية آنا بوروز، وكان قد اعتقل عدة مرات من قبل النازيين لكنّه تم اطلاق سراحه باستمرار.
وبعد أن بدأ النظام النازي بترحيل اليهود ونقلهم الى معسكرات الإبادة، احتاجت صديقته آنا، اليهودية التي بلغت من العمر 16 عاما في ذلك الوقت، الى الاختباء من النظام النازي، فساعدها حلمي على الاختباء
وطوال سنوات الحكم النازي، وفّر حلمي لبوروز ملاذا آمنا كلّما خضع للتحقيق، أو كلما وصلت معلومات للشرطة النازية السريّة حول قيامه بإخفاء يهودية من النظام.
وفي الرسائل التي تم الكشف عنها مؤخرا، واستندت مؤسسة "ياد فاشيم" اليها لتكرّم الطبيب حلمي وتمنحه وسام "أنصار الشعب اليهودي"، فإن بوروز كتبت في مذكراتها أن "حلمي كان ينجح بالاستمرار من التهرّب عن كشف امري لمحقيقيه طوال فترات اعتقاله، وكان يقدّمني لأصدقائه على أنني قريبته".
وأشارت بوروز في مذكرتها الى أن "حلمي كان صديقا حميما للعائلة، وساعدني على الاختباء في حي بوخ في برلين منذ 10 من شهر آذار/مارس عام 1942 وحتى انتهاء الحرب العالمية 1945".
وتقول في مذكراتها إنها "منذ عام 1942 فقدت كل أشكال التواصل مع العالم الخارجي، وكان الجستابو (أي الشرطة السرية النازية) تعلم أن حلمي كان طبيب العائلة، وكانوا يعرفون أن لديه كوخا في حي بوخ في برلين".
كما وتكشف مذكرة أخرى أن الطبيب حلمي ساعدها على إصدار وثيقة زواج وهمية من مسلم لإخفاء انتمائها الديني، وتم تسميتها باسم ناديا للإشارة الى أنها مسلمة وليست يهودية بل ووضعت الحجاب الاسلامي لتضليل الشرطة السرية النازية ومنع اعتقالها ونقلها لمعسكرات الإبادة.
حلمي - طبيب العائلة اليهودية أيضا حمى العائلة لسنة
وتشير المذكرات التي تم الكشف عنها عام 2013، أن الطبيب محمد حلمي ساعد أيضا والدة بوروز وزوجها وجدتها من طرف أمها على الاختباء كما وقدّم لهم المساعدات الطبيّة اللازمة، كما ووفّر حلمي للجدة أيضا مخبأ لمدة عام كامل".
وحين قبضت الشرطة النازية علي زوج والدة بوروز التي عرفت بعد الحرب العالمية الثانية باسم جوتمان، عام 1944 وتم التحقيق معه بعنف، اكتشف الجستابو أن حلمي كان يساعد العائلة وأنه كان يخبئ آنا، وعندها قام الطبيب محمد حلمي في الحال بنقل الشابة آنا إلي بيت الى مخبأ آخر تجنبا للعقوبة.
وتزوج الطبيب محمد حلمي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيين، من فتاة المانية (ليست آنا) وعمل طبيبا في برلين، وكان يتردد على مصر لزيارة أقربائه، لكنّه رفض وزوجته إنجاب الأطفال خوفا من الحروب لأنهما أرادا ألا يعيش أطفالهما بعد بالظروف التي عاشها الوالدان.
كما واصل حلمي تبادل الزيارات مع الفتاة اليهودية آنا بوروز، والتقيا عدة مرات في برلين. ثم تزوجت بوروز من شاب يهودي من أصول بولندية فيما بعد وهاجرت برفقة زوجها الى الولايات المتحدة واقاما هناك أسرة حتى وفاتها عام 1986.
ووصولا الى عام 2013 بعد أن تم الكشف عن كل هذه التفاصيل، توجهت مؤسسة ياد فاشيم الى وسائل الاعلام والسفارة المصرية للبحث عن قريب لمحمد حلمي في مصر، وبعد أن تم العثور على قريبة له قالت إن "العائلة ستكون سعيدة لو أن الوسام من دولة أخرى".
عائلة حلمي رفضت الوسام بسبب النزاع الاسرائيلي الفلسطيني
وبعد ذلك نجح صحفي ألماني بالعثور على قريب آخر لحلمي في مصر، إلا أن الأقرباء أبلغوا الصحفي أن "ياد فاشيم هي مؤسسة مرتبطة بالسياسة وتمثل دولة إسرائيل، وهي لا تمثل كل اليهود أينما كانوا، كما وأن إسرائيل أنشئت عام 1948، وخلال فترة الحرب العالمية الثانية لم تكن هذه المؤسسة كي تمثل أقرباء ضحايا المحرقة النازية".
وأقرباء حلمي بالأساس رفضوا الوسام بسبب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ أكدت العائلة أن "أحد أبناء العائلة قتل خلال حروب بين إسرائيل ومصر، ومن ناحية العائلة فإن حلمي لم ينقذ بوروز لكونها يهودية إنما لكونها انسانة قبل كل شيء، ومحاولات المؤسسة بمنح حلمي هذا الوسام لأنه أنقذ يهود هو أمر غير منطقي" وفق ما ذكرت صحيفة هآرتس في تقرير لها.
وثيقة تكشف تسمية بوروز بـ"ناديا المسلمة بعد تزويجها شكليا بمسلم"