اتفاق المصالحة الجديد الذي توصلت إليه حركتا «فتح» و «حماس» برعاية مصر، كان اتفاق إعلان مبادئ، تناول بعمومه قضايا تمكين الحكومة، مثل الموظفين والمعابر وأجهزة الأمن، وترك قضايا «الحل النهائي» مثل الشراكة في منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء انتخابات عامة، وتفعيل المجلس التشريعي الحالي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وغيره، إلى الاجتماعات الفصائلية في القاهرة الشهر المقبل، ومن هنا فإنه يعتبر اتفاقاً مرحلياً وموقتاً.
ويرى كثير من المراقبين في الاتفاق خطوة إلى أمام، لكنهم يعتبرون نجاحه مرهوناً بالنيات، مشيرين إلى أنه يمكن أي طرف تفسيره بطريقة مختلفة، ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار التطبيق، كما حدث في ست اتفاقات سابقة وقعت في القاهرة والدوحة ومكة وغزة وصنعاء.
وقال مشاركون في حوارات القاهرة إنها شارفت على الانهيار بعد منتصف ليل الأربعاء - الخميس، لكن تدخل الجانب المصري أنقذها في اللحظة الأخيرة بتقديم اقتراحات اتسمت بالعمومية، مثل تشكيل لجنة لبحث مشكلة الموظفين الذين عينتهم حركة «حماس»، ولجنة أخرى لبحث دمج 3000 عنصر من الأجهزة الأمنية القديمة التابعة للسلطة مع الأجهزة الأمنية الجديدة التي عينتها «حماس»، ونقل المعابر إلى الحكومة لكن مصير موظفيها الذين عينتهم «حماس» متروك للجنة الإدارية والمالية التي اتفق على أن تنجز عملها خلال أربعة أشهر.
ويقول مسؤولون في «فتح» أن نجاح الاتفاق مرهون بمدى استعداد «حماس» للتنازل عن الحكم كاملاً للسلطة. وقال مسؤول كبير في الحركة فضل عدم ذكر اسمه انسجاماً مع التعليمات التي تطالب المسؤولين في الحركتين بعدم إطلاق أي تصريحات متشائمة، أن حركته لن تقبل أن تتحمل أعباء الحكم في غزة فيما تواصل حركة «حماس» السيطرة الفعلية على القطاع من خلال 40 ألف موظف عينتهم في الجهازين المدني والعسكري والأمني، أو من خلال جناحها العسكري.
وأضاف: «نريد أن نذهب إلى غزة ونختبر «حماس»، فإذا كانت نيتها تحميلنا مسؤولية الخدمات ومواصلة الحكم فإننا لن نقبل بذلك».
وأعلنت «حماس» أنها مستعدة لتقديم أي تنازل مطلوب منها لتمكين السلطة من حكم غزة. وقال حسام بدران مسؤول ملف المصالحة في «حماس»: «قررنا تمكين الحكومة من أداء عملها كاملاً في غزة من دون اعتراض، وسنذلل أي عقبة تظهر في الطريق». وأضاف: «مصر ستكون معنا في التطبيق، وسنقبل بأي اقتراح تقدمه للتغلب على المشكلات».
لكن عند سؤال بدران عن مصير الموظفين الذين عينتهم «حماس» في غزة، قال إن التاريخ لم يبدأ من اليوم، فالموظفون في غزة يحفظون الأمن ويقدمون الخدمات للناس منذ عشر سنوات، ولا يمكن إلقاءهم في الشارع». ويرى بدران أنه يمكن اللجنة التي ستشكل الاستعانة بعدد من هؤلاء الموظفين، وتغيير مواقع عدد آخر، وإحالة عدد ثالث للتقاعد وغيره.
وعن الجناح العسكري لـ «حماس» قال بدران إن الحكومة لن ترى في الشوارع أي مظاهر عسكرية لحركة «حماس» مشيراً إلى أن الجناح العسكري لـ «حماس» يعمل تحت الأرض وبصورة سرية.
لكن السلطة تقول إن حل مشكة الموظفين مالياً وإدارياً سيستغرق الكثير من الوقت وفي حاجة للكثير من الموارد المالية، وإنها لن تقبل بمعادلة تقوم على أن: ما فوق الأرض للحكومة وما تحت الأرض لحركة «حماس».
وقال المسؤول في «فتح»: «الحكومة هي صاحبة القرار، وهي التي تقرر كيف تعمل، ومن هم موظفوها ومن هم رجال أمنها». وأضاف: «كما أننا في حاجة لدعم مالي دولي كبير لتوفير المال لهذا العدد الكبير من الموظفين ولإعادة إعمار غزة». ومضى يقول: «الحكومة لا تقيم شراكة مع فصائل، الحكومة هي الحكومة وهي صاحبة السيادة».
وستعتمد السلطة في المرحلة الأولى على الأجهزة الأمنية التي شكلتها «حماس» والتي أظهرت كفاءة عالية في ملاحقة المسلحين الخارجين عن القانون، الذين كانوا يخطفون الأجانب في غزة، وملاحقة السلفيين والعملاء وغيرهم. لكن السلطة تتطلع إلى التخلص التدريجي من هؤلاء واستبدالهم، بسبب موالاتهم لحركة «حماس». وقال المسؤول «الفتحاوي»: «نحن نريد سلطة واحدة موحدة وليس سلطة فيها ولاءات فصائلية، فرجل الأمن يجب أن يبتعد من السياسة، وينتمي إلى المؤسسة التي يعمل فيها».
وتثير توجهات «فتح» وحكومتها بشأن إعادة بناء الجهازين المدني والأمني في غزة الكثير من المخاوف في حركة «حماس».
كما أن «حماس» تتطلع للمشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حكومة الوحدة الوطنية التي سيجري بحثها في اللقاءات اللاحقة التي يبدو نجاحها أيضاً غير مضمون لأنها تتناول قضايا خلافية كبرى مثل الشراكة في منظمة التحرير، وإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني والحكومة والانتخابات والبرنامج السياسي.
وترفض «حماس» البرنامج السياسي لمنظمة التحرير وترفض الاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ما يشكل عائقاً كبيراً أمام دخولها المنظمة ومشاركتها في الحكومة.
كما يتوقع أن ينشب خلاف بين الحركتين حول نسبة تمثيل كل منهما في المجلس الوطني الذي يشكل برلمان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
ووعدت مصر بالعمل على عقد مؤتمر دولي في شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة وتمويل احتياجات إنجاح المصالحة.
وقال مسؤولون في الحكومة انهم في حاجة إلى موارد مالية ضخمة لتوفير الكهرباء ومياه الشرب وإعادة بناء ما دمرته الحرب الأخيرة عام 2014.
وشكل اتفاق القاهرة الجديد خطوة أخرى، أكبر من الخطوات السابقة، نحو المصالحة، لكنها غير مضمونة، فالسلطة متشككة في نية «حماس» التخلص من أعباء الحكم وإلقاءه في حضنها. وهي أيضاً متشككة في نية مصر العمل على توحيد الفلسطينيين تمهيداً لما يسمى العملية السياسية الإقليمية التي تخشى من أن تكون مسعى أميركياً لتطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية على حساب الحقوق الفلسطينية.
كما أن السلطة متشككة من التقارب بين مصر و «حماس» في الحرب على الجماعات السلفية في سيناء. وقال أحد قادة الفصائل المتحالفة مع «فتح»: «ليس سراً أن مصر تسعى لتمكين أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس في غزة بعد أن اثبتوا جدارتهم في الحرب على الجماعات السلفية في سيناء، وهذا يتناقض مع مصالح السلطة». وأضاف: «وليس سراً أيضاً أن هناك انحيازاً مصرياً للنائب محمد دحلان المنافس للسلطة ولحركة فتح، وهذا أمر مزعج جداً للسلطة».
ويرى كثير من المراقبين أن نجاح اتفاق القاهرة الجديد مرهون بقدرة «فتح» على سحب البساط من تحت سلطة حركة «حماس» في غزة، وبدون ذلك فإن فرص انهيار هذا الاتفاق تبدو أكبر من فرص نجاحه.