كتب الكثير خلال العام الماضي عن نهاية طريق الرئيس الفلسطيني السياسية. عمره المتقدم، والشائعات حول مكوثه في المستشفى، والنزاع المغطى إعلاميا مع حماس، والطريق المسدود أمام إسرائيل، كلها دفعت الكثيرين في التفكير في اليوم "ما بعد" أبو مازن.
ولكن على ما يبدو، محمود عباس لا ينوي الانسحاب من الساحة التاريخية بصوت خافت وهو حازم على أن يترك ورثة ما.
بعد أن كان الرقم "2" التقليدي، في فترة حكم القائد الكاريزماتي القوي عرفات، فإن التغييرات التي مر بها الرئيس أبو مازن يجب تدريسها في دورات علم النفس وعلوم السياسية على حدٍّ سواء: منذ وقت طويل مر عهد السنوات الأولى، من الاستقرار الأمني والاقتصادي في السلطة الفلسطينية، والحوار مع إسرائيل، وبناء مؤسسات الدولة المستقبلية على يد رئيس الحكومة حينذاك، سلام فياض. في السنوات الماضية، رغم أن التعاون الأمني مع إسرائيل ما زال ساريا المفعول وما زالت الضفة الغربية تحافظ على استقرارها الاقتصادي إلى حد ما (مثلا انتهى عام 2016 دون عجز في الميزانية) فإن توجهات أبو مازن السياسية تغيّرت.
في الواقع، منذ إقالة فياض من رئاسة الحكومة باتت عملية تحضير البنية التحتيّة للدولة عالقة، وبالمقابل، ازدادت فرض التقييدات على حرية التعبير، ويدخل الفلسطينيون إلى السجن بسبب رفع منشورات في الفيس بوك ضد الرئيس، وتم "تطهير" حركة فتح من مؤيدي دحلان، واحتدم النزاع مع حماس إلى درجة أنه قبل بضعة أسابيع أوقف أبو مازن المساعدات المالية التي تحصل عليها السلطة ولم يمررها إلى القطاع مما أدى إلى أزمة اقتصادية وإنسانية صعبة في غزة، التي يكافح سكانها يوميا.
أحد الأسرار وراء صمود حكم أبو مازن هو الفوضى في غزة بشكل أساسي. ينظر سكان غزة جنوبا ويعرفون أنه حتى إذا كان وضعهم صعبا فلا مكان لمقارنته مع سكان القطاع.
تسير الحياة في الضفة الغربية بشكل منتظم: يذهب 850 ألف طالب و 100 ألف طالب جامعي إلى المدارس والجامعات يوميا، ويعمل 600 ألف من بينهم، ومن بينهم يعمل 100 ألف في إسرائيل، ونحو 50 ألف في المنطقة الصناعية في الضفة الغربية (ويمكن أن نأخذ بالحسبان أيضا نحو 50 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل دون تصاريح). معدل الأجر في الضفة نحو 2700 شيكل ولكن الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل يربحون نحو 5000 شيكل.
لقد ازداد هذا الفارق الكبير في الأسابيع الماضية، في حين احتفل سكان الضفة بعيد الأضحى كالمعتاد واجه سكان غزة صعوبات كثيرة. عملت الحملة الدعائية الخاصة بحماس في البداية جيدا ضد عباس، ولكن في نهاية المطاف فهمت عناصر حماس أن أبي مازن ينوي البقاء في السلطة قدر الإمكان لهذا "تراجعت".
تشكل عودة حكومة الوحدة في غزة، في حال حدوثها إنجازا هاما لأبو مازن. يشير موقف أبو مازن أيضا أمام الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية الصعبة وإصراره على النضال لقبول عضوية الفلسطينيين في الإنتربول (خطوة رمزية فقط) إلى الطريق التي سيسير فيها في ظل تماهي إدارة ترامب مع إسرائيل.
يقال أن الصفات الشخصية تزداد حدة وتطرفا مع التقدم في العمر. يبلغ أبو مازن 82 عاما وأصبح مكافحا أكثر من أي وقت مضى.
موقع "واللا" العبري


