يبدو أن هناك تغييرا فعليا فى بعض مواقف حركة حماس فى قطاع غزة فيما يتعلق بتعاملها مع مصر.
الحركة الفلسطينية التى بزع نجمها فى الانتفاضة الاولى ضد المحتل الصهيونى، عام ١٩٨٧، لا تستطيع أن تنكر هويتها الإخوانية، حتى لو غيرت ميثاقها، وهذا امر يخصها، وما يشغلنا كمصريين، ألا تتورط فى أى أعمال من شأنها التسبب فى عدم الاستقرار داخل مصر.
يوم الاثنين الماضى قال قائد حماس فى غزة يحيى السنوار، إن زيارته الأخيرة للقاهرة ساهمت فى تفكيك الأزمات وأدت لتحقيق انفراجة فى العلاقات. وقال السنوار إن هناك قنوات اتصال يومية بين القاهرة وغزة، والأمور تسير نحو الانفراج عقب وعود مصرية بفتح معبر رفح للأفراد والبضائع، لكن وفق الأوضاع الأمنية فى سيناء.
التغيير الذى حدث على الأرض نقلته «الشروق» فى عدد يوم الاثنين الماضى نقلا عن مصادر فلسطينية، وخلاصته أن حماس، ألقت القبض على عشرات المتطرفين فى قطاع غزة ونفذت حكم الإعدام فى بعضهم، بعد أن ثبت تورطهم فى التخطيط لأعمال عدائية داخل الحدود المصرية، إضافة إلى القبض على متطرفين آخرين ضمن قوائم قدمتها السلطات المصرية.
أحد المؤشرات ايضا على هذا التغيير وقع قبل ايام، حينما حاول أحد الإرهابيين، تفجير نفسه فى كمين أمنى لحركة حماس فى منطقة رفح الفلسطينية على الحدود مع مصر، لأن افراد الكمين حاولوا إيقافه هو وشخص آخر، فقام بتفجير نفسه مما أدى لمقتل أحد عناصر حماس وإصابة آخر.
مؤشر آخر على هذه التغييرات على الأرض كشف عنه قبل أيام وكيل وزارة داخلية حماس توفيق أبونعيم وهو أن الحركة بدأت المرحلة الثانية من إقامة المنطقة الأمنية العازلة عبر نشر أسلاك شائكة على طول الشريط الحدودى مع مصر، والذى يصل إلى ١٢ كيلومترا، لمنع أى عمليات تسلل عبر الحدود، وسيتم إنارة الشريط ووضع كاميرات مراقبة على امتداده.
هل كانت حماس تغض الطرف عن حرية حركة الإرهابيين والمتطرفين على امتداد الحدود فى الماضى؟!
ليس عندى أدنى شك فى ذلك. هى بالطبع تنكر ذلك، وحتى لو صدقنا نفيها، فإن الأنفاق التى مايزال بعضها يعمل حتى الآن، وسواء كانت تعمل بعلم الحركة أو من وراء ظهرها، فهى إحدى وسائل التسلل الأساسية على جانبى الحدود.
مرة تستخدم لتهريب السلع والبضائع المهربة المدعمة، ومرة لتهريب المتطرفين والإرهابيين.
لن نخوض فى الماضى وننبش فيه، فالمصلحة المشتركة الان هى حفظ الأمن والاستقرار فى مصر من جهة وتسهيل الحياة بالنسبة للأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة من جهة اخرى.
إذا أرادت حماس الحد من تسلل الإرهابيين فستقدر على ذلك.
هل بعض عمليات التسلل تتم من وراء ظهرها؟! ربما يكون ذلك صحيحا، فهى نفسها عندما صارت فى السلطة بعد انقلابها على الشرعية الفلسطينية عام ٢٠٠٧، تمردت عليها بعض الفصائل سواء المقاومة فعلا، أو التى تريد أن تحرجها وتذكرها بأنها تركت المقاومة وصارت تفعل ما كانت تنتقد بسببه حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
لو أن سلوك حماس الحالى استمر، فسوف يكشف عن قدرة برجماتية، تجعل الحركة قادرة على التمييز بين انتمائها الإخوانى من جهة، ومصالحها ومصالح سكان غزة من جهة أخرى، وأهمية علاقتها مع الدولة المصرية.
وجود علاقات مصرية جيدة وطيبة ومستقرة مع غزة هو الأصل، ليس فقط بسبب العروبة والدين والجيرة، ولكن لحماية الأمن القومى المصرى.
إسرائيل هى العدو الأساسى والاستراتيجى. وخلافنا مع حماس كان بسبب أنها فى لحظة من اللحظات نست أو تناست دورها كحركة مقاومة ضد العدو، وانحازت لانتمائها الإيديولوجى الإخوانى على حساب مصالح الشعب الفلسطينى.
وبالتالى فإن أفضل صيغة للعلاقة الراهنة هو ما وصل اليه الحانبان أخيرا، أى التبادلية، بمعنى أن مصر تلتزم بتسهيل الحركة فى معبر رفح وتمد غزة بما تحتاجه من وقود وسلع وبضائع، طالما أن حماس، احكمت قبضتها على الحدود، ومنعت تدفق المتطرفين والإرهابيين إلى سيناء والداخل المصرى، فى انتظار أن يتم إنهاء الانقسام الفلسطينى بين الضفة وغزة وتصير هناك حكومة واحدة، تستطيع مواجهة مخططات الاستيطان الصهيونية.
رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية