عفواً للتعبير، هؤلاء شباب وفتيان القدس الذين طالما نعتهم البعض في جلسات السمر بأنهم تهودوا وأطلقوا عليهم ألقاب أصحاب "الحلق " و لبن"الشمينت" الإسرائيلي، يعلم هذا البعض كما يعلم كل هذه الأمة من محيطها الى خليجها كيف يكون الدفاع عن الوطن والقدس والأقصى.
هم كفروا بكل شعاراتكم وبيانات شجبكم واستنكاركم و"جعجعاتكم"ولازمتكم المعهودة واسطوانتكم المشروخة بأن القدس خط أحمر ،ولم يجدوا أي ترجمة جدية وحقيقية على أرض الواقع لتلك الشعارات والمقولات والمقابلات واللقاءات. نعم المقدسيون منذ القرار الاسرائيلي بإغلاق المسجد الأقصى ومن ثم نصب البوابات الالكترونية على أبوابه هم والى جانب أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 من يقفون في الخطوط الأمامية للدفاع عن أقصاهم وقدسهم، حيث توحدت الحالة المقدسية بكل مكوناتها ومركباتها دينية ووطنية ومجتمعية وشعبية، و"انصهرت" في معمعان النضال بكل أشكاله، قائلة للعدو المشبع بالغطرسة والعنجهية،إن القدس والأقصى خطوط حمراء ستحرق من يقترب منها أو يعبث بها...
والحلقة المقدسية رغم كل حالة الضعف الفلسطيني وتآكل الهيبة والثقة بالقيادات الفلسطينية الرسمية وانهيار الحالة العربية المثقلة بهمومها القطرية والداخلة في حروبها المذهبية،وما حملته تلك الحالة من كشف صارخ لعورات الكثير من قيادات الدول العربية والإسلامية التي إرتضت لنفسها ان تصطف خلف "إمامة" ترامب لها،والذي لم يكتف بتدفيعها مئات المليارات من الدولارات كـ "جزية"،بل وصل الأمر حد ان العديد من تلك الدول العربية والإسلامية، أضحت جزءاً من المشروع المعادي لشعبنا والمتآمر على حقوقنا وقضيتنا،عبر الدعوة الى علنية وشرعنة التطبيع مع الاحتلال وإقامة علاقات تنسيق وتعاون وتحالف معه،والترويج لحلول سياسية مشبوهة تستهدف تصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني.
الإستجابة العالية من قبل جماهير شعبنا الفلسطيني في القدس وضواحيها وكل بلداتها وأهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- لدعوات شد الرحال والنفير الى الأقصى وإغلاق المساجد الفرعية في القدس،لحشد أكبر عدد من المواطنين من اجل نصرة الأقصى،وما تعرضت له تلك الجماهير من عمليات قمع وتنكيل وسقوط لثلاثة شهداء ومئات الجرحى حمل الكثير من الرسائل والمعاني لدولة الإحتلال ولقوى الظلم والإستكبار والعدوان التي تقف خلفها وتدعمها وتساندها، وهي رسالة أيضاً للدول العربية والإسلامية ولكل القوى والفصائل الفلسطينية ولجماهير شعبنا وأهلنا في مدينة القدس والداخل الفلسطيني- 48، والضفة الغربية وكل اماكن الشتات.
وتقول الرسالة الموجهة لدولة الإحتلال ومن يقف معها ويساندها في قمعها وبطشها وخروجها عن القانون الدولي، بأن المسجد الأقصى ومدينة القدس، خط احمر فعلاً لا قولاً،والمقدسيون ليسوا من يرفع الراية البيضاء ولن يستسلموا، رغم ضعف الحالة الفلسطينية المنقسمة والمنشطرة على ذاتها، وانهيار الحالة العربية غير المسبوق، وانتقال جزء منها للتحالف والتعاون والتنسيق مع الاحتلال، وعهد نظريات الاحتلال القائمة على الغطرسة والعنجهية والحلول الأمنية بأن المقدسي الذي لا يخضع بالقوة سيخضع بالمزيد من القوة قد ولى.
فالحلقة المقدسية عصية على الكسر، موحدة في الدفاع عن وجودها وحقوقها وعن مقدساتها، ونفسها طويل وإرادتها قوية، صعبة على الخضوع والتطويع، وأن المشهد والفضاء والمكان في القدس والمقدسات، لن يكون غير عربي إسلامي ومسيحي.
الأقصى سيبقى هو الأقصى، والقيامة ستبقى هي القيامة، ولا خلاف لنا مع اليهودية كدين، ولن نسمح لأنفسنا بان نقتحم كنسهم أو ان نصلي فيها أو نغير طابعها.
اما الرسالة الثانية للكثير من الحكام العرب والمسلمين، فهي رسالة لوم وعتاب وتقريع، رسالة تقول لهم، إذا كانت قضية بحجم تهويد الأقصى مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا تستثير نخوتكم وهممكم، ولا تهبون لنصرته ونجدته، فماذا تبقى من عروبتكم وإسلامكم ؟!
سوى الشعارات وبيانات الشجب والإستنكار، التي أصبحت ألسنتكم حتى تعجز عن البوح بها، وكأن حالة عجزكم وإرتجافكم وخوفكم، وصلت حدا لا يوصف، بل أصبحتم في سركم وعلنكم تتمنون أن تصفى القضية الفلسطينية، وان تهوّد مدينة القدس ويقسم الأقصى، والمهم أن أقصى ما تنشدونه حماية رؤوسكم وعروشكم.
اما الرسالة الثالثة للفصائل والأحزاب، فإن عليها الالتفات الى أزماتها الداخلية والقيادية والبنيوية، وعدم قدرتها على إلتقاط الحدث، والعمل على تأطيره وتنظيمه وتحديد قيادة موحدة له، وهدف يسعى لتحقيقه من هذه الهبات المتتالية، وكذلك عدم قدرتها على صوغ ورسم استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات ومخططات الاحتلال ومشاريعه وأهدافه في القدس والأراضي المحتلة، مما جعلها أسيرة البيانات النارية الكبيرة، والأفعال القليلة، وهذا ليس حال اجنحتها السياسية فقط، بل حال اجنحتها العسكرية كذلك، ناهيك عن عدم قدرتها على ان تشكل حاضنة لهذه الهبات، فقد بهت دورها وفعلها والثقة بها، وجعل الجماهير الشعبية في الكثير من الأحيان " تتندر" عليها ولا تثق بما تقوله او يصدر عنها
وفي رسالتها الرابعة للمقدسيين ولجماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- ولكل أبناء شعبنا في الشتات، جاءت لتقول لهم بشكل واضح أنتم الحلقة المركزية، وعلى صمودكم ووحدتكم وتماسككم، تتوقف قدرة المحتل على فرض مخططاته ومشاريعه بحق قدسكم ومقدساتكم وفي مقدمتها المسجد الأقصى، فأنتم إن أسقطتم مشروع البوابات الالكترونية، ستسقطون المشاريع القادمة، ليس المتعلق منها فقط بتقسيم الأقصى كخطوة أولى ومن ثم إقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم على أنقاضه، بل ستكونون رأس الحربة في إسقاط المشاريع السياسية المشبوهة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والتي ستكون قدسكم وأقصاكم أولى ضحاياها.
المشهد الذي بدت عليه القدس الجمعة بزحف عشرات الالاف من المقدسيين والأهل من الداخل الفلسطيني – 48 – رغم كل القيود والحواجز والحشودات العسكرية والإغلاق والحصار الذي فرضه الاحتلال على القدس، لمنع وصل الحشود الجماهيرية لنصرة الأقصى، جاء ليقول للمحتل، بأن الحلقة المقدسية عصية على الكسر، وهي ستبقى صامدة مرابطة حتى إنهاء الاحتلال ورحيله، وجاء هذا المشهد ليكشف عورات الكثير من القيادات العربية والإسلامية، ودرجة الإنحدار والإنهيار التي وصلت إليها، وليقول لهم بأن أطفال القدس، أفضل لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية مليون مرة من أسلحتكم الحديثة، التي لا تختبرونها سوى في قتل شعوبكم وإذلالها.