صيف غزة الساخن ...باسم الخالدي

الخميس 13 يوليو 2017 09:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صيف غزة الساخن ...باسم الخالدي



 
أن تعيش في غزة هذا الصيف يعني أن تنتظر اطلالة سيدة الجلالة الكهرباء ما بين 20 الى 36 ساعة كي تحظى بشرف تشريفها ساعتين أو ثلاثة متقطعة 
و ان حضرت قد تحضر في الثالثة صباحا فتبدأ الحياة كدبيب النمل هذه تغسل و تلك تخبز و الأولاد يتسابقون لشحن الجوال علهم يحظون بالإنترنت ليتواصلوا مع العالم الافتراضي بعد أن أغلق العالم الحقيقي عليهم و على طموحاتهم و على حقهم الطبيعي في السفر و التواصل مع الأخر الإنساني 
 
أن تكون في غزة هذا الصيف يعني أن تذهب العائلة بأكملها الى شاطئ البحر رغم أن ما يزيد على مائة مليون لتر من مياه الصرف الصحي معظمهما غير معالج تضخ فيه يوميا و التلوث الذي أصاب البحر و الشواطئ أصاب الأطباء بالجزع من احتمالية انتشار الأوبئة  ولكي لا تخطئ فان هذا الإصرار ليس رومانسية زائدة عند أهل غزة و لا هو جزء من سياحة داخلية بعد يوم عمل شاق فالكل في غرة تقريبا بلا عمل و لكنه هروب من بيوت بلا كهرباء و لا ماء و في ظل درجات حرارة أربعينية و رطوبة غير مسبوقة.
أن تكون غزة هو أن تضمن ألا يمرض أحد الأحبة لكي لا تتمرر بين مستشفيات ليس فيها الا مبان بلا روح و لا إمكانيات و ألا تحتاج الى تحويلية طبية لأن زمن المعجزات قد ولى و عليك التوسل للطبيب و للعلاج الخارج و التغطية المالية و التصاريح المطلوبة.  فالموت بهدوء و كرامة قد يكون أهون من الاهانة و التوسل لمسؤولي الصدفة و التسول لحق كان يوما حقا طبيعيا.
أَن تعيش صيف غزة هذا العام عليك أن تتيقن أن الخارج مولود و الداخل اليها مسجون حتى إشعار أخر.  إشعار بفتح معبر بلغ عدد المسجلين فيه ما يفوق ال 30 ألفا  أو معجزة تصريح من الاحتلال هذا ان كنت محظوظا و لديك عدم ممانعة.
في غزة هذا الصيف يصبح كوب ماء بارد أمنية عزيزة فلا ثلاجات تعمل و ان كنت مترفا و تحلم بالاستمتاع بأكل قطعة بطيخ باردة فعليك أن تتيقن أن البطيخة المحظوظة وضعت في الثلاجة التى لم تتعطل نظرا لتكرار انقطاع التيار الكهربائي منذ لحظة وصوله و استمرار لساعتين متواصلتين دون انقطاع 
عليك قبل ذلك أن تتأكد أن حصتك من المياه الصالحة  للشرب و التى لا تتجاوز ١٥٪‏ في القطاع قد تزامن وصولها مع تشريف التيار الكهربائي لكي لا تنتظر عدة أيام أخر دونما ماء.
و عليك قبل ذلك أن تضمن أن موتور رفع المياه لم يتعطل من تذبذب التيار الكهربي ان كنت تسكن في الأدوار العليا من المباني و ان كنت مريضا و المصعد معطلا فبإمكانك النوم على باب العمارة و وقتها تضمن درجة حرارة أقل و بعض من تيار هواء لا تجده في الشقة المغلقة بدون كهرباء.
أن تستمع بصيف غزة هذا العام يعني ببساطة أن تتجاهل الكهرباء و الماء و الا تمرض و الا تحلم بالسفر و لا بفرصة عمل و أن تنصت باهتمام لحديث الشارع الغزي عن الرواتب المقطوعة و المصالحة المشبوحة على مذبح المصالح و التشبث بأي خبر أو إشاعة عن فتح المعبر أو عودة الراتب الضال أو حق الهجرة.
عليك أن تشعر بميل أهل غزة الى النكتة السياسية و الاجتماعية و التهكم على كل ما يحيط بكم و أن تسمع أحدهم يسألك و هو يسمع الاحتفالات بنتائج التوجيهي ما هو الفرق بين الناجح و الراسب و حين تفتح عينيك مستغربا لا ينتظر اجابتك و يردد أن الراسب انضم الى جيل العاطلين عن العمل منذ الْيَوْمَ  أما الناجح فسينضم اليهم بعد أربع أو خمس أو سبع سنوات جامعية.
آه غزة.  
كلنا مجرمون و كلنا اتكاليون و كلنا أشبعناك نثرا و شعرا و شعارات و دَجَل و نفاق 
كلنا نشخص الحالة و نعجز عن العلاج 
كلنا أمسينا أسرى نمطية التفكير و الروتين و المجاملة و الهروب من الأسئلة الكبرى و الاجابات الواضحة
كلنا نرى الذئب و نقص أثره كي نقنع أنفسنا أننا قمنا بما هو مطلوب منا و أرحنا الضمير 
كلنا مذنبون لأننا قبلنا هذا الوضع الشاذ و أعطينا الساسة ترف التنظير و الكذب و وهم السلطة و ألجمنا النفاق أو التحزب الأعمى أو اللامبالاة أو فقد الثقة بأنفسنا و قدراتنا التى طالما تغنينا بها و اعتقدنا وهما أننا استثنائيون عن أن نقول لهم كفى.  
غزة ستبقين دوما سيدة المدائن و ستخرجين كما طائر الفينيق لتتصالحي مع مجدك التليد و تاريخك المشرف و غدك الأتي لا محالة رغم كثافة الضباب و تعب الخيول و إرهاق الفرسان
غزة   معشوقتنا المرهقة.  أعلنا عليك الحب حتى بزوغ فجرك الجديد،!!