أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ختام زيارته إلى تونس يوم السبت، أنه سيعمل على تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بصفته أحد متطلبات قيام الدولة على الرغم من توجهات حركة حماس، مؤكدا أنه لا يريد معاقبة أهل قطاع غزة، وإنما حماس، وأنه قد يلجأ إلى فرض عقوبات مالية فورية على الحركة التي تحكم قطاع غزة لإجبارها على التراجع عن انقلابها.
ولم يعقب أبو مازن على التفاهمات المصرية الحمساوية في القاهرة، وقال إنه يفضل أن يسمع من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يلتقيه اليوم في القاهرة، غير أنه سيدعم أي مبادرة لإنهاء الانقسام وإعلان سلطة واحدة.
نص الحوار:
* ما صحة ما تردد عن نجاح مفاوضات القاهرة مع ممثلي حماس في غزة بما في ذلك ما يتعلق بالتوافق حول الاحتكام للشرعية وتنظيم انتخابات عامة جديدة؟
- أتوجه من تونس إلى القاهرة حيث ستنظم قمة فلسطينية مصرية وسأبحث والوفد المرافق لي مع سيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمسؤولين في مصر المقترحات والتوصيات والمستجدات، وسنتعرف على نتائج الوساطة المصرية، ومفاوضات الأيام الماضية، ثم سنتخذ الموقف الملائم.
* هل ستدعمون سيناريوهات الشراكة الجديدة بينكم وبين سلطات غزة بالتنسيق مع القاهرة وتل أبيب بما يضمن مصالح كل الأطراف ويساعد على مكافحة الإرهاب في سيناء؟
- نحن نسعى منذ أعوام لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقد تقدمت الوساطات العربية والإسلامية والدولية مرارا، لكن قيادة حماس في غزة فاجأتنا منذ نحو 3 أشهر بالإعلان عن تشكيل حكومة جديدة من جانب واحد، وهي خطوة اعتبرناها استفزازية وتكرس التمسك بخيار الانقلاب والانقسام، لأن حكومة غزة الموالية لحركة حماس لا يمكن أن تفرض أجندتها على كامل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وكامل فلسطين والمهجر. في الوقت نفسه نحن مقتنعون بكون الوحدة الوطنية تستوجب انخراط قطاع غزة فيها، بما من شأنه تحسين أوضاع مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين المحاصرين منذ أعوام من قبل سلطات الاحتلال والانقلابيين الموالين لحماس.
* ماذا لو لم تسفر مفاوضات القاهرة عن إجراءات عملية تلغي نتائج الانقسام ومسلسلات الانقلابات الداخلية؟
- نحن سنرحب بنتائج الوساطة المصرية ومفاوضات القاهرة وبكل الوساطات العربية والإسلامية والدولية إذا كانت النتيجة دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتسهيل تنظيم انتخابات عامة ديمقراطية تفرز برلمانا موحدا وسلطة تنفيذية موحدة على كامل تراب فلسطين، لأن المستفيد الأول من الانقسام الفلسطيني هم المعادون للشعب الفلسطيني وللدولة المستقلة الفلسطينية وللسلام، أي قادة حكومة الاحتلال الذين يحاولون دوما تعطيل تنفيذ القرارات الأممية والدولية التي تقر بحق شعب فلسطين في دولة مستقلة عاصمتها القدس العربية المحتلة ضمن خيار حل الدولتين وحدود ما قبل حرب حزيران 1967.
* هل يمكن أن يصل الأمر إلى حد فرض حصار فلسطيني إضافي على سكان قطاع غزة؟
- لن نعاقب شعبنا في قطاع غزة... لكن على قيادات حركة حماس في غزة أن تعلم أننا قد نلجأ إلى فرض عقوبات مالية فورية في حالة إصرارها على الانقلاب على مؤسسات الدولة الفلسطينية في رام الله وعلى المساهمة مع قوات الاحتلال في تكريس تقسيم الشعب الفلسطيني إلى كانتونات وكيانات صغيرة مجزأة ومتنافرة متمردة على بعضها. إن القيادة الفلسطينية في رام الله قد تقرر بعد المحادثات التي سوف نجريها في القاهرة فرض عقوبات مالية على قيادة حماس في غزة. ويمكن بوضوح تبرير مثل هذه العقوبات بتوظيف جانب من مسؤولي الانقلابيين في قطاع غزة لأموال الدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لتكريس واقع الانقلاب والانفصال والانقسام وهو ما أضر بمصالح الشعب الفلسطيني عموما وبمشروعه الوطني وحقه في تكريس حل الدولتين الذي صادقت عليه غالبية دول العالم وتعهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب بتكريسه خلال عام واحد.
* هل لديكم ثقة في أن تجسم تعهدات الرئيس الأميركي الجديد للرئيس الفلسطيني خلال لقائكما في واشنطن مطلع شهر مايو (أيار) الماضي؟
- نحن نتطلع فعلا لتجسيم تعهدات الرئيس الأميركي الجديد بالدعم الفعلي لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضيها وفق حدود يونيو (حزيران) 1967 وخيار تعايش الدولتين والمجتمعين الفلسطيني العربي والإسرائيلي ووقف الاستيطان. لقد ناقشت هذه التعهدات الأميركية الجديدة بالتسوية السياسية هذا العام للصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في تونس ومع الزعماء العرب والمسلمين والأفارقة الذين التقيناهم مؤخرا في القمة الأفريقية في دورتها الـ28 في أديس أبابا... ونتفاءل خيرا.
* كيف تقيمون موقف الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون وحكومته بعد تعهداته بدعم قضية فلسطين والدولة الفلسطينية؟
- كل السلطات الفلسطينية ترحب بالمواقف المشجعة التي صدرت عن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون وحكومته بشأن الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين. وأتوقع أن يدعم الزعيم الفرنسي الشاب ماكرون وحكومته مواقف باريس والعواصم الأوروبية المناصرة منذ مدة طويلة للشعب الفلسطيني ومطالبنا الوطنية والإنسانية الملحة، وعلى رأسها حق شعبنا في دولة فلسطينية مستقلة آمنة عاصمتها القدس الشريف، وإنهاء الاحتلال والاستيطان.
* تصريحات نتنياهو بعد موقف اليونيسكو حول عروبة مدينة الخليل... كان قاسياً... ما رأيكم؟
- نحن نعترف بكون جانب كبير من أوراق اللعبة لا تزال معقدة ميدانيا بسبب تجاهل كثير من ساسة إسرائيل وبينهم بنيامين ناتنياهو للقرارات الأممية ولخيار التسوية وفق حل الدولتين وحدود يونيو 1967، ولم نستغرب التصريحات المعادية للسلام من قبل بعض زعماء إسرائيل وبينهم رئيس الحكومة اليمينية الحالية بنيامين نتنياهو الذي يتجاهل الواقع والقرارات الدولية والأممية وبينها إحلال سلام دائم يبدأ باعتراف الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحل الدولتين إلى جانب إيقاف الاستيطان الذي يتسبب منذ 2004 في تعطيل مفاوضات السلام واستكمال جهود إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية.
* وماذا عن وعد نتنياهو بتخصيص مليون دولار من مساهمات إسرائيل في ميزانية الأمم المتحدة لفائدة مشروعات استيطانية في الخليل؟
- لم نفاجأ بها ولا بمواقف غيره ممن لا يعترفون بحل الدولتين وبحدود 1967 ولا باتفاقيات السلام المبرمة بضمانات أممية ودولية. نحن ننوه بقرار المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، بتصنيف مدينة الخليل العربية المقدسة جزءا من التراث الفلسطيني والعالمي الإنساني الذي يجب تأمينه وحمايته والمحافظة عليه، كما ننوه بصمود أهل مدينة الخليل ضد الاحتلال والاستيطان ودفاعهم عن الحرم الإبراهيمي وبقية مقدسات الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين والمسيحيين في كامل فلسطين والمنطقة. إن جوهر المعركة مع حكومة نتنياهو ومع كل الساسة الإسرائيليين المعارضين للسلام ولقرار اليونيسكو حول عروبة الخليل والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية ناجم عن نجاح الدولة الفلسطينية في الحصول على اعتراف أممي متزايد بحقوقها الوطنية والسياسية، وبينها بدء مسار انتمائها في نحو 520 منظمة ومؤسسة دولية.
إن دولة فلسطين أصبحت عضوا إلى الآن في 40 منظمة ومؤسسة دولية بينها محكمة الجنايات الدولية، وسوف تصبح قريبا عضوا في المنظمة العالمية للشرطة الدولية، الإنتربول، وسيتواصل المشوار حتى تصبح الدولة الفلسطينية عضوا كامل الحقوق في الأمم المتحدة وليس مجرد عضو مراقب.
* كيف تتعاملون مع المستجدات الجديدة في الخليج منذ قمم الرياض... ثم أزمة قطر؟
- الرئاسة الفلسطينية تتابع هذه المستجدات باهتمام كبير وتدعم جهود الوساطة السياسية التي تقوم بها دول عربية وإسلامية وأفريقية ودولية كثيرة، بينها الكويت والدول المغاربية، ونتوقع أن ينجح قادة الدول الخليجية في إنهاء هذه الأزمة العابرة بالطرق السياسية والسلمية بعيدا عن سيناريوهات الحروب والتصعيد التي لن تخدم أي دولة عربية وإسلامية وستزيد من إضعاف التضامن بين الدول الشقيقة في علاقتها ببعضها وبقضية العرب الأولى فلسطين. أتوقع شخصيا أن تنتصر لغة التعقل، واستبعاد الخيار العسكري والتصعيد الذي قد يؤدي إلى تعميق الأزمات الأمنية والعسكرية والسياسية المعقدة الحالية، وصرف كل الطاقات في خدمة أولويات الوطن العربي الكبير وعلى رأسها التنمية ودعم المطالب الوطنية للشعب الفلسطيني. الرئاسة الفلسطينية تدعو كل الفلسطينيين والعرب إلى العمل على إنهاء الخلافات الظرفية والعابرة بالطرق السياسية والسلمية واستبعاد جر الوطن العربي الإسلامي الكبير نحو مزيد من الاقتتال وحروب الاستنزاف. كما نتوقع ونأمل في أن تسفر المشاورات في الكواليس والجهود الدبلوماسية العربية والإسلامية والدولية عن احتواء الخلافات الحالية.
"الشرق الاوسط