من الواضح أن هناك انقساماً داخل الإدارة الأميركية بشأن الموقف من حصار السعودية وحلفائها لدولة قطر. دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، يقف صراحة إلى جانب الدول المُحاصِرة؛ حيث أعلن، على حسابه في "تويتر"، أن العديد من زعماء الدول التي اجتمع بها في السعودية أخبروه بأن قطر هي البلد الذي يمول الإرهاب! وأن الحصار بالتالي هو أحد أهم نتائج زيارته للسعودية؛ لأنه يهدف إلى وقف تمويل قطر للإرهاب.
مقابل موقف ترامب المعادي لدولة قطر، هنالك موقف متعاطف معها إلى حد ما من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين. وزارة الدفاع وعلى لسان الجنرال ماتيس، وزير الدفاع، ترى أن قطر لها دور محوري في الحرب على الإرهاب؛ لأن الطائرات الأميركية التي تشن غاراتها على "داعش" و"القاعدة" في العراق وسورية واليمن، تنطلق بكل بساطة من قاعدة "العيديد" العسكرية الأميركية في قطر أو على الأقل تحصل على تعليماتها منها.
السفيرة الأميركية في قطر، دانا سميث، والتي غادرت موقعها قبل أسبوعين، كانت أعلنت أن أميركا "راضية عن جهود قطر في مكافحة تمويل الإرهاب".
ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي رفض الحصار على قطر وأعلن أن عملية "عزل" إيران والحد من نفوذها في الشرق الأوسط يتطلب "درجة عالية من التنسيق والحوار بين دول الخليج"، مضيفاً في وقت لاحق: إن عدداً من مطالب دول "الحصار" من "الصعب على قطر تنفيذه".
الخلافات داخل الإدارة الأميركية بشأن حصار قطر لها أسبابها، والتي يمكن تلخيصها في أن ترامب شخصية من خارج المؤسسة الأميركية التقليدية، وأن له مصالح تجارية في كل من السعودية والإمارات تؤثر على قراراته السياسية، وهو فوق ذلك، لا يُغطي سياساته بمنظومة من القيم الأخلاقية ويتحرك على قاعدة مصالح أميركا أولاً وأخيراً وفق تعريف "ضيق جداً" لطبيعة هذه المصالح.
لأن ترامب من خارج المؤسسة، بمعنى من خارج الحزبين الجمهوري والديمقراطي، هو يرفض الإقرار بأن أغلب القضايا التي انخرطت فيها قطر سياسياً وكانت السبب في الحصار الذي تتعرض له اليوم كانت بناء على تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة.
مثلاً، في لقائه مع قناة الـ "بي.بي.إس" الأميركية قبل أسبوعين، كشف الشيخ حمد بن جاسم، وزير الخارجية القطري السابق، عن مجموعة من الحقائق التي كانت حتى وقت قريب مدعاة للتخمين.
أميركا، وفقاً لكلام جاسم، هي التي طلبت من قطر الاتصال بحركة "حماس" لإقناعها بالمشاركة في الانتخابات السياسية الفلسطينية العام 2006، وهي التي طلبت من قطر فتح مكتب لحركة طالبان في الدوحة من أجل التفاوض معها على مستقبل أفغانستان. وقطر، وفقاً لكلام الشيخ جاسم طُلِبَ منها أن تتقدم الصفوف في الملف السوري، وعملت جنباً إلى جنب مع أميركا وحلفائها في غرفتي عمليات مشتركة في الأردن وتركيا لإسناد المعارضة السورية. جاسم اعترف في المقابلة بأن هنالك أخطاء ارتكِبت في المسألة السورية، منها قد يكون دعم معارضة "متطرفة"، لكنه يقول: إن ذلك لم يكن مقصوداً وإنه تم بسبب غياب المعلومات في حينه، وأنه خطأ ارتكبه "الجميع" ولم ترتكبه قطر لوحدها.
يمكن بالطبع الإضافة أن علاقة قطر مع تيار الإخوان المسلمين وإنشاء قناة الجزيرة كان أيضاً بتنسيق مع الولايات المتحدة؛ لأن قطر، الدولة الصغيرة، لا يمكنها المجازفة بمعاداة العديد من الدول العربية وخصوصاً السعودية ومصر ما لم يكن هنالك ضوء أخضر أميركي بذلك.
على عكس المؤسسات الأميركية، مثل: الخارجية، ووزارة الدفاع، و"السي.آي.إيه"، التي قامت بالتنسيق مع الحكومة القطرية في كل هذه الملفات، وبالتالي ترى نفسها ملزمة بالدفاع عن قطر وحمايتها من "السعودية" و"الإمارات" و"مصر"، ترامب لا يشعر بأنه ملزم بذلك لأنه لم يقر هذه السياسات والأهم أنه غير مقتنع بها.
ترامب أيضاً له علاقات تجارية مع كل من الإمارات والسعودية، ولديه علاقات شخصية مع حكام دولة الإمارات العربية. حسب قناة "الحرة" الأميركية، ترامب مثلاً يمتلك أكثر من مائة فيللا في "دُبي" بالإضافة إلى ملعب كبير لرياضة "الغولف".
الصحافة الأميركية أيضاً أشارت إلى العلاقة الخاصة التي تجمع الحاكم الفعلي للإمارات، الشيخ محمد بن زايد والرئيس ترامب، حيث تحدثت عن قيام الأول بلعب دور الوسيط بين ترامب وروسيا خلال حملة ترامب الانتخابية، ومن ذلك عقد لقاء بين مؤسس شركة بلاك ووتر الأميركية، إريك برنس، ومسؤول روسي مقرب من الرئيس بوتن في أرخبيل "سيشل" في المحيط الهندي؛ بهدف التعرف على مدى استعداد روسيا للتخلي عن حليفتها إيران في سورية من أجل علاقات أفضل مع أميركا. اللقاء وفق "واشنطن تايمز" تم في فيللا الشيخ زايد في تلك الجزر.
الأهم، ربما، هو أن ترامب يعيد رسم علاقات أميركا بالعالم على قاعدة أن أميركا هي الدولة الأقوى، ولأنها كذلك، فهي "تأمر" والآخرين "ينفذوا"، ومن يريد علاقات جيدة معها أو من يريد "رضاها" عليه أن يدفع لها بشكل مباشر.
وفق هذا التصور، تختفي المبادئ التي حاولت أميركا تغطية سياستها الخارجية بها خلال حقبة الحرب الباردة مثل حقوق الإنسان، الديمقراطية، وحرية الصحافة. وبشكل فعلي منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ربط الرئيس كارتر بين دعم أميركا لحلفائها وبين احترامها لحقوق الإنسان.
ترامب يقول صراحةً: إنه لا يكترث لكيفية إدارة الدول الأخرى نفسها. لذلك مثلاً لاحظنا أنه وفي الوقت الذي رفض فيه الرئيس أوباما الاجتماع بالرئيس المصري، السيسي، بحجة قيام الأخير بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة ديمقراطياً، كان الرئيس السيسي من أوائل الرؤساء الذين اجتمع بهم ترامب بعد فوزه في الانتخابات.
لا غرابة إذن في أن تتضمن طلبات الدول التي تحاصر قطر إغلاق قناة الجزيرة والمواقع الإعلامية التي تمولها قطر ووضع الإخوان المسلمين بما فيهم حركة "حماس" على لوائح الإرهاب، واعتبار إيران العدو الإستراتيجي لها، لأن العربية السعودية وحلفاءها اشتروا بأموالهم ومواقفهم السياسية دعم إدارة "ترامب" لهم.
على أي حال، الصراع بين إدارة ترامب والمؤسسة التقليدية الأميركية ممثلة بوزاراتها وأذرعها الأمنية والكونغرس بشأن الموقف من قطر، قد يفضي إلى نوع من التوازن لا تكون فيه إدارة ترامب قادرة على دعم حلفائها بشكل مباشر ضد قطر، بمعنى إلزام قطر بما تريده دول "الحِصار" منها، وهذا يعني استمرار الحصار واستمرار قطر في نفس سياساتها الحالية إلى أن يحدث تغير في الإدارة الأميركية بعد أربع سنوات.


