حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء من التدهور الحاد غير المسبوق في الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وتفاقم أزماته بما يهدد حياة المدنيين ومستوى تقديم الخدمات الأساسية المتوفرة لما يزيد عن اثنين مليون نسمة في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ 11 عامًا.
ونبه المرصد ومقره جنيف في "مذكرة تحديث موقف" بشأن الأوضاع في قطاع غزة إلى أن سكان القطاع يعيشون واحدة من أكثر الأزمات التي مروا بها شدةً منذ بدء فرض الحصار عليه عام 2006 بحيث تشهد جميع القطاعات الحيوية انهيارًا غير مسبوقٍ وتدهورًا ينذر بأضرار طويلة الأمد. وقال المرصد إن التفاقم الحاصل في أزمات قطاع غزة يأتي نتيجةً لتضييق القيود الإسرائيلية على حركة المعابر التجارية، واستمرار إغلاق المنفذين الوحيدين للسكان في القطاع معظم الوقت (معبر بيت حانون/إيرز، ومعبر رفح).
وإلى جانب أزمة الوقود التي تفاقمت بشكلٍ خانق خلال الأشهر الماضية، فقد شكلت أزمات مستجدة –كأزمة تقليص رواتب موظفي السلطة الفلسطينية- واقعًا مأساويًا لمئات الآلاف من السكان الذين باتوا يعتمدون بشكلٍ أساسي على المساعدات الإنسانية والإغاثية، وهو ما ضرب القطاع الاقتصادي بشكلٍ غير مسبوق، ودفع بمئات التجار وأصحاب المشاريع إلى تقليص مساهماتهم نتيجةً للركود الاقتصادي الذي تفاقم بشكل سريع خلال الأشهر القليلة الماضية.
وتناولت مذكرة الموقف الصادرة عن المرصد الأورومتوسطي واقع القطاع الصحي في غزة كون أن النصف الأول من العام 2017 سجل ترديًا واضحًا للقطاع الصحي، بحيث واجهت مستشفيات القطاع نقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية بسبب الإغلاق شبه المستمر لمنافذ القطاع الرئيسية. ووصل عدد الأدوية التي انعدمت بالكامل في "مستودع أدوية غزة المركزي" إلى 170 صنفًا، بنسبة 33% من إجمالي عدد أصناف الأدوية الأساسية، فيما لا يزال نحو 37 صنفًا من أصل 67 صنفاً من أدوية مرض السرطان معدومة في مستشفيات القطاع، وهو ما يعني أن نحو 70% من الرعاية الطبية والخدمات المقدمة لمرضى السرطان باتت متوقفة بشكل شبه كامل.
إلى جانب ذلك، يواجه القطاع الصحي عجزًا بنسبة 40% في المسلتزمات والمستهلكات الطبية (270 صنف) بحسب معلومات حصل عليها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من الإدارة العامة للصيدلة في قطاع غزة. وأكد المرصد أن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ليس التحدي الوحيد الذي يواجه القطاع الصحي حاليًا، فلا تزال مستشفيات القطاع تواجه عجزًا ملحوظًا في الكوادر الطبية المتخصصة. وتحتاج وزارة الصحة في غزة سنويًا إلى توظيف ما يقرب من 800 موظف جديد ضمن الكوادر العاملة في القطاع الصحي والتي ُمنـع معظمهـا مـن السـفر خارج القطاع لتلقي برامج تدريبية في تخصصات معينة، وهو ما يتسبب بزيادة العبء على المستشفيات، ويدفع بآلاف المرضى إلى الانتظار لفترات تصل إلى 18 شهرًا لإجراء عمليات جراحية عاجلة، في الوقت الذي يبقى فيه المعبران الأساسيان (إيرز/ بيت حانون، ورفح) مغلقين معظم الوقت أمام الحالات الإنسانية والمرضية.
ويصل عدد المرضى الذين يحتاجون إلى تحويلات طبية للعلاج في مستشفيات خارج القطاع إلى أكثر من 1,000 مريض شـهريًا، في الوقت الذي ترفض فيه السلطات الإسرائيلية التحويلات الطبية لقرابة 50% من المرضى بشكل عام، فيما لا يزال نحو 20,000 شخص -من بينهم حالات إنسانية ومرضية- مسجلين للخروج عبر معبر رفح، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وأشار المرصد إلى أنه وفق تصريحات لوزارة الصحة في غزة، فإن السلطة الفلسطينية باتت ترفض –بشكلٍ غير معلن- الجزء الأكبر من التحويلات الطبية للعلاج في الخارج، ما أسفر عن تفاقم الأوضاع الصحية لآلاف المرضى الذين تعجز مستشفيات القطاع عن تقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم، وأدى إلى وفاة ما لا يقل عن خمسة أشخاص (ثلاثة منهم من الأطفال) خلال اليومين الماضيين نتيجة رفض تحويلهم للعلاج في الخارج.
وحول القطاع الاقتصادي ذكرت مذكرة الموقف الصادرة عن أن المرصد الأورومتوسطي أنه شهد حالة ركود منذ بدء فرض الحصار على قطاع غزة، والذي شمل جميع معابر القطاع الاقتصادية بشكلٍ تام "لكن الحالة التي يشهدها القطاع الاقتصادي خلال العامين السابقين تعتبر من أكثر المراحل سوءًا وتأثيرًا على السكان". وبحسب المذكرة وصلت نسبة البطالة خلال الأشهر الأولى من العام 2017 إلى نحو 43.2% في قطاع غزة، مقارنة بنحو 18.7% في الضفة الغربية. إلى جانب ذلك، ارتفع معـدل الأشخاص الذين يعيشـون تحـت خـط الفقـر فــي قطــاع غــزة إلى نحــو 38.8%، وهــو مــا يعــد مرتفعـًا جــدًا بالمقارنة مـع الضفـة الغربيـة، حيـث يبقـى معـدل الأشخاص الذيـن يعيشـون تحـت خـط الفقـر فـي قطـاع غـزة أعلـى منـه بمرتين ونصـف فـي الضفـة الغربية.
وعقب قرار السلطة الفلسطينية في شهر أبريل/نيسان الماضي تقليص رواتب موظفيها والبالغ عددهم نحو 60 ألف موظف في قطاع غزة، بنسبة 30% من رواتبهم الأساسية، فإن الجزء الأكبر من السكان باتوا عاجزين عن توفير الحاجات الأساسية لأسرهم وساهم في وقوع مزيد من الأفراد تحت خط الفقر، ما أضعف القدرة الشرائية لسكان القطاع وكبّد التجار خسائر فادحة. وتؤثر القيود المشددة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على حركة المعابر بشكلٍ مباشرٍ على القطاع الاقتصادي، وتتسبب في قطع الإمدادات الإغاثية والمساعدات الإنسانية لآلاف السكان في القطاع.
وحسب غرفة تجارة وصناعة غزة، فقد انخفض عدد الشاحنات الواردة كمساعدات إغاثية وإنسانية للمؤسسات الدولية والعربية العاملة في القطاع ليصل إلى 811 شاحنة خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 4,175 شاحنة خلال ذات الفترة من العام الماضي، فيما انخفض إجمالي عدد الشاحنات الواردة ليصل إلى نحو 10% مقارنة بالعام الماضي.
وتطرقت مذكرة الموقف الصادرة عن المرصد الأورومتوسطي إلى أزمة الوقود التي يشهدها قطاع غزة في ظل توقف محطة توليد الكهرباء في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي -والتي توفر ثلث ما يحتاجه القطاع من إمدادات الكهرباء- عقب توقف إدخال الوقود الصناعي اللازم لتشغيل محطة التوليد الوحيدة بعد فرض السلطة الفلسطينية شروطًا على دخوله، يتمثل أحدها في زيادة الجباية على شركة توزيع الكهرباء.
وتزامن ذلك مع تعطل الخطوط المصرية المزودة للكهرباء في محافظتي خانيونس ورفح جنوبي قطاع غزة، وانتهاء المنحة القطرية المتمثلة في إدخال الوقود الصناعي إلى القطاع، ما أدى إلى وقوع سكان القطاع في أزمة خانقة بتلقيهم ما لا يزيد عن 4 ساعات من الكهرباء يوميًا (تصل أحيانًا إلى ساعتين) بشكلٍ غير منتظم. وصادق مجلس الوزراء الإسرائيلي في 11 يونيو/حزيران الحالي على قرار تقليص تزويد الكهرباء للقطاع، عقب إعلان السلطة الفلسطينية عن نيتها خفض تمويل الدفعات الشهرية بنسبة 30% لإسرائيل، مقابل توريدها الكهرباء للقطاع. وتؤثر أزمة الكهرباء التي يمر بها قطاع غزة بشكلٍ مباشرٍ على سير عمل مستشفيات القطاع، والتي تعمل في معظمها على المولدات الكهربائية لتخطي الأزمة، فيما تتضاعف كمية الوقود المطلوبة بسبب إرباك جداول الكهرباء. ويحتاج القطاع الصحي في غزة إلى (420-450) ألف لتر من السولار شهريًا لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات، وهو ما يشكل تهديدًا مستمرًا لحياة مئات المرضى الذين يحتاجون للرعاية الصحية المستمرة داخل المستشفيات. وبسبب انخفاض إمدادات الوقود للقطاعات الحيوية في القطاع، فإن مستشفيات القطاع تعمل الآن بشكل حصري على احتياطي الوقود الذي تقدمه هيئة الأمم المتحدة في حالات الطوارئ.