معاريف : - بعد ثمانية أعوام من القطيعة والتراجع، بانتهاء زيارة الرئيس دونالد ترامب يمكن القول بأن الولايات المتحدة عادت إلى الشرق الأوسط، عادت إليه بكامل مجدها وقوتها لتكون مرة أخرى القوة العظمى الأكبر والأكثر تأثيرًا في منطقة الشرق الأوسط. المستفيد الرئيسي من هذه الخطوة هي إسرائيل والدول العربية الموالية للغرب، والتي شعرت في السنوات الأخيرة بأنها مهجورة من قبل الولايات المتحدة.
إسرائيل حظيت بالدعم التام من رئيس الولايات المتحدة دعمًا لم تره منذ سنين، بعد أربعة أشهر فقط في البيت الأبيض يبدو ان هناك تماهيًا تامًا بين نسق المصالح القومية الإسرائيلية ومصالح الولايات المتحدة، وهي الحرب على الإرهاب ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي، إلى جانب تماهي وتعزيز نسيج العلاقات الاستثنائية بين البلدين. كان يكفي ان ترى العناق الدافئ بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وترامب، والتعاطي المفضل والداعم لإسرائيل من قبل الرئيس الأمريكي لتحظى بالدليل على ذلك.
على خلاف سلفه، لم يأتِ ترامب إلى السعودية وإلى إسرائيل أو إلى السلطة الفلسطينية ليلقي المواعظ أو ليصوغ سياسات أو ليفرض حلًا سلميًا ما في الشرق الأوسط، أتى ترامب إلى هنا ليحقق ثلاثة وعود وعد بها ناخبيه في حملته الانتخابية: الحرب على "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وإيجاد فرص عمل للأمريكيين.
على امتداد رحلته حدد الرئيس الأمريكي محور الشر خاصته (إيران وحزب الله و"داعش" وحماس)، المحور الذي يمثل من منظوره العقبة الأساسية أمام استقرار الأنظمة في الشرق الأوسط، والجهة التي تعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر. جُل الاشمئزاز تلقته إيران، حيث يمثل الخطاب في إسرائيل معلمًا على طريق العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية. "ليس في شفت دونالد جي ترامب، صدقوني" قال الرئيس الأمريكي، من المفترض أننا سنرى ترامب يقوم بخطوات في المجتمع الدولي حول المشكلة الإيرانية، بل وربما يدفع باتجاه مناقشة الاتفاق النووي معها من جديد.
من باء بالاستنكار أيضًا، والذي أثلج صدر إسرائيل، بكل تأكيد إنها حركة حماس، ففي الرياض وأمام خمسين قائدًا عربيًا ومسلمًا أشار ترامب إلى حماس بصفتها حركة إرهابية، كما أظهر حساسية وتفهمًا عميقيْن لوضع سكان الجنوب. وعلى خلاف سلفه باراك أوباما لم يضع مصير أطفال "سيديروت" وأطفال غزة في نفس السلة.
الهجوم على حماس قدم ريح إسناد لأبي مازن، ولكن ترامب عرف أيضًا كيف يقدم المطالب لرئيس السلطة الفلسطينية، الرئيس الأمريكي أبرز في خطابه بـبيت لحم رسالة الحرب على الإرهاب، عندما بدأ أقواله بالاستنكار التام للعملية في مانشستر، الاستنكار الذي كان الجزء الأكثر مركزية في خطابه، حتى أكثر من رسالة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
الخطاب في بيت لحم سيذكر على أنه "خطاب الخاسرين" وليس خطاب ترسيخ السلام، بل ان الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص خصص الكثير من الوقت لنقل رسالة قاطعة لأبي مازن بقوله "لن يكون هناك سلام في مكان يعوضون فيه الإرهاب"، هل سيكف رئيس السلطة في أعقاب ذلك عن دفع الرواتب للمخربين؟، حقًا لا، لكن أبا مازن لن يحصل على سند أمريكي إذا ما استمر في سياسته ثم يأتي بمطالبه إلى واشنطن.
نظرية ترامب تقضي بأن "التغيير يأتي من الداخل"، الاتفاقيات لن تفرض على الطرفين من الخارج. على امتداد رحلته لم يسمع ولو مرة واحدة صيغة "الدولتين لشعبين"، ولم يطلب من الطرفين تجديد المفاوضات، بل انه لم يستنكر البناء في المستوطنات أو يطلب تجميده.
ترامب مهتم للغاية بالسلام الإسرائيلي - الفلسطيني (وأي رئيس أمريكي يقول لا؟)، لكنه لم يقل كيف يجب ان نحقق السلام المنشود. كذلك، وعلى خلاف أبي مازن الذي تعرض في خطابه أكثر من مرة للاحتلال الإسرائيلي للقدس المحتلة (التي زارها الرئيس الأمريكي في الحائط الغربي) والمستوطنات كعقبة للسلام؛ أكد ترامب حق الشعب اليهودي في القدس والحائط على وجه الخصوص، وأرض إسرائيل بشكل عام.
لم نسمع - ولو بالتلميح - حق الفلسطينيين في جبل الهيكل (المسجد الأقصى) أو الأماكن المقدسة في العاصمة، الحق الديني الوحيد المتعلق بالأمة الاسلامية ذكر في خطاب الرياض، وكان متعلقًا بالأماكن الإسلامية المقدسة في السعودية، ومن هنا خطب الرئيس الأمريكي خطابًا صهيونيًا حقيقيًا لوطني إسرائيلي حقيقي.
الوعد الانتخابي الأخير الذي حققه ترامب في رحلته كان تحريك الاقتصاد الأمريكي من خلال الصفقة العملاقة مع العربية السعودية بمبلغ مقداره 110 مليار دولار، ستخلق آلاف فرص العمل للشعب الأمريكي، وهكذا تكون المستفيدة الكبرى هي الولايات المتحدة. إسرائيل سيبقى لها على الدوام التفوق النوعي، ومن ورائه أيضًا التفوق التقني؛ لذلك فلا مجال للقلق بهذا الشأن.
ماذا أيضًا؟ كما ذكرنا فهناك انسجام في المصالح مع واشنطن فيما يخص الإرهاب وإيران، وهناك اعتراف سعودي بالحاجة إلى بناء تعاون إقليمي ضد صعود الهلال الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، وهناك أيضًا الوعود الأمنية الكثيرة التي حصلت عليها إسرائيل من ترامب في خطابه بالقدس. إذا كانت باربرا بوش وصفت ابنها بوش الابن بأنه "الرئيس اليهودي الأول"، فترامب هو دون أدنى شك "الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول".
"معاريف
ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها