واصل الروائى المصري يوسف زيدان هجومه على القائد الإسلامى صلاح الدين الأيوبى، بطرحه 7 أسئلة على جمهور صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، يغذى بها حالة النقاش المثارة بشأن حديثه الأخير عن قائد موقعة «حطين»،
وكان زيدان وصف فى حديث تليفزيونى مع الإعلامى عمرو أديب، خصوصا بعد أن وصف صلاح الدين بأنه «أحقر شخصية فى التاريخ» ما اثار غضب كثرين في العالم العربي والاسلامي.
زيدان خصص سؤاله الأول عن سر كرم صلاح الدين مع الصليبيين عندما عقد معهم «صلح الرملة» ومنحهم المنطقة الساحلية ومدنها، رسميا، لتكون مملكتهم التى استمرت من بعده صليبيةً لمئات السنين.. هل كان يستأمن جانبهم استعدادا لحربٍ يتوقع خوضها، ومن كان الطرف الآخر الذى سيحاربه؟.
وجاء رده على هذه الجزئية، قائلا:«ليس هناك أيُّ شك فى أن صلاح الدين صالح الصليبيين وكان كريما معهم، بل وسعى إلى الارتباط بهم بعلاقة مصاهرة وتزاوج من أجل الاستعداد للحرب مع الخليفة العباسى «الناصر لدين الله» الذى كان يسعى لاستعادة هيبة الدولة الإسلامية التى تهرأت بسبب مطامع الحقراء الطامعين فى الحكم، و لو على حساب وحدة الدولة الإسلامية التى يمثلها الخليفة العباسى فى بغداد.. كان هذا الخليفة قد أعاد الجزء الشرقى (فارس) إلى نطاق الدولة، وأراد تطهير الجزء الغربى من الاحتلال الصليبى، فتقاعس صلاح الدين عن الاستجابة لهذا المطلب، وسارع إلى الصلح مع الصليبيين ومنحهم الأرض، وهذا نوع من التواطؤ والتآمر المقيت، كى يضمن لنفسه ولأولاده السلطة التى اغتصبها.. وبالمناسبة الذى ذكر ذلك هو المؤرخ «ابن الأثير» صاحب كتاب «الكامل فى التاريخ» وهو مؤرخ محايد، سُنى، قريب عهد بالأحداث».
وطرح زيدان سؤاله الثانى بهذه الصيغة: صلاح الدين أحد ضباط جيش السلطان نور الدين محمود (الذى قاوم الصليبيين وحاربهم بحق) وقد أرسله السلطان إلى مصر، لتأمين المدن الساحلية والموانئ المصرية، حتى لا يحتلها الصليبيون ويتخذوها قاعدة خلفية للإمداد والتموين.. فلماذا جهز السلطان نور الدين جيشه الإسلامى لمحاربة صلاح الدين !
وهل هى مصادفة أن يموت السلطان فى الليلة التى سبقت خروجه بالجيش، للقضاء على صلاح الدين الأيوبى؟
وجاءت الإجابة منه كالأتى: «صلاح الدين الأيوبى، خان سيده «السلطان نور الدين» وعصى أوامره، وترك المهمة المكلّف بها وهى حصار الصليبيين، وانشغل باستقدام أفراد أسرته وتوزيع المناصب عليهم. هذا ما شهد به مؤرخو السُّنة، من أمثال المقريزى و ابن الأثير، مستعملين تعبيرات مخففة مثل: وقعت بينهما الوحشة!
وفى غمرة هذه الوحشة، وفجأة، مات السلطان «نور الدين» فذهب صلاح الدين على رأس جيش قوامه سبعمائة فارس إلى عاصمة السلطنة «دمشق» واستمال بعض قواد السلطان المتوفى فجأة، وحارب بعضهم الآخر وقتلهم شر قتل (وهم مسلمون، سُنة) واستولى على الحكم وتزوج أرملة السلطان «عصمة خاتون» وحارب ابنه الذى تحصن بالعاصمة الثانية للسلطنة «حلب». ومثلما مات السلطان نور الدين فجأة قبل خلعه لصلاح الدين، مات الخليفة الفاطمى الأخير «العاضد لدين الله» فجأة، وهو شاب، بعد أن جرّده صلاح الدين من ممتلكاته. ومات ابن السلطان نور الدين فجأة، وهو صبى، فاستولى صلاح الدين على حلب! كل الذين وقفوا بين صلاح الدين وكرسى العرش، ماتوا فجأة.
كما تطرق فى تساؤلاته للحديث عن سبب تسميته بالناصر، فكان السؤال الثالث: لقب «الناصر» الذى التصق بصلاح الدين، لا يعنى عبدالناصر ولا يعنى ناصر الدين، وإنما هو أحد الألقاب التشريفية التى منحها الخليفة الفاطمى الأخير «العاضد» لصلاح الدين، و نصُّه الأصلى: ناصر أمير المؤمنين العاضد لدين الله الفاطمى، ومن هنا تأتى مشروعية هذا السؤال الكاشف للمستور: كيف تعامل الخليفة العاضد مع صلاح الدين، و كيف تعامل صلاح الدين مع الخليفة العاضد؟».
وأجاب زيدان على هذا التساؤل هكذا: «بحجة» نصرة مذهب السُّنة «غدر صلاح الدين الأيوبى بالخليفة الفاطمى» العاضد لدين الله الذى أكرمه وأغدق عليه وجعله وزيرا، وفى المقابل من ذلك: نهب صلاح الدين ممتلكات الخليفة ونزع كل ما كان بيده، حتى أنه سلب منه الحصان الذى كان يركبه، وأعلن خلعه بأن منع الدعاء له فى خطبة صلاة الجمعة. فمات الخليفة كمدا، أو أُميت، وهو فى سن واحد وعشرين عاما، فاستولى صلاح الدين على قصور الخليفة وأعطاها لأسرته، وخرب القاهرة ودمر مكتبة «بيت الحكمة» و قطع نسل الخليفة وأسرته، بأن فرّق الرجال عن النساء، و سلّط عليهم معاونه المريع، الطواشى المخصى «قراقوش» حتى اختفى الفاطميون من مصر، هذا ما ذكره المؤرخون الكبار السُّنة من أمثال المقريزى و ابن الأثير».
وكان السؤال الرابع من المدير السابق لمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية هو: قبل أن يغدر صلاح الدين بالخليفة «العاضد» قام بذبح مؤتمن الخلافة، بدعوى أنه يريد أن يتعاون مع الصليبيين ! وكان هذا الرجل اسمه «جوهر» وهو من الأساتذة الذين كانوا يُعرفون فى البلاط الفاطمى باسم «المحنّكين» لأنهم كانوا يرتدون تحت العمامة قماشا يُحيط بالحنك (الفم) من أسفل. و كان هذا القتيل سودانيا، فغضب لمقتله السودانيون والعاملون بالقصر الفاطمى من الخدم والعبيد، وانضم إليهم كثيرون من أهل القاهرة «و كلهم من أهل السُّنة» فحاصرهم عسكر صلاح الدين، وقتلوهم.. كم كان عدد القتلى، و هل كان فيهم نساء و أطفال؟
قبل تصالحه مع الصليبيين بقرابة عشر سنين، وفى إطار فرض سيطرته على مصر، ثار على صلاح الدين جند السودان المقيمون بالقاهرة، لاغتياله كبيرهم «جوهر» وانضم إليهم خلق كثير من الناس (المسلمين السُّنة) فذبحهم صلاح الدين وأحرق منطقة «المنصورة» التى كانت بيوتهم فيها، بمن فيها من نسائهم وأطفالهم.. عن عدد المذبوحين بسيف صلاح الدين، قال ابن كثير فى كتابه «البداية والنهاية فى الفتن والملاحم» : كانوا خمسين ألف شخص أبادهم صلاح الدين بالسيف، وقال أبوشامة المقدسى فى كتابه «الروضتين»: كانوا أكثر من خمسين ألفا، فحاصرهم وقتلهم، وقال ابن تغرى بردى فى كتابه «النجوم الزاهرة»: كانوا مائة ألف شخص، قَتل منهم ثمانين ألف شخص.. واكتفى ابن شداد بقوله: قتل خلقا كثيرا!
هؤلاء مؤرخون سُنة، يتحدثون عن ضحايا سُنة، ذبحهم صلاح الدين الذى كان يزعم أنه نصير السُّنة!
وعند حصار صلاح الدين لمدينة حلب، المسلمة السنية، لانتزاعها من يد ابن السلطان العظيم «نور الدين» ذبح صلاح الدين من المسلمين السنة عددا لم يجرؤ المؤرخون على التصريح به، فاكتفوا بقولهم: كانت مقتلة عظيمة! قال ذلك ابنُ شداد والمقريزى.
أما فى موقعة «حطين» الشهيرة، مع الصليبيين، فإن المصادر التاريخية باستثناء ما ذكره ابنُ العديم فى «زبدة الحلب بتاريخ حلب» لم تذكر لنا عدد قتلى صلاح الدين من الصليبيين! وقال ابن العديم: قتل صلاح الدين مائتين من الأسرى.
وفى سؤاله الخامس، قال زيدان إن المصريين والعرب يتوهمون أن صلاح الدين قاد أجدادهم لتحرير القدس، ويظنون أنه سيأتى شخصٌ مثله ليقودهم اليوم إلى تحرير القدس، ومن هنا يأتى السؤال: كم كان عدد الجنود المصريين، والعرب فى جيش صلاح الدين؟ مجيبا: «لم يكن فى جيش صلاح الدين، أى قائد أو ضابط أو جندى، مصرى أو عربى ! كلهم كانوا من المماليك أو المرتزقة أو رؤساء العصابات المسلحة. كلهم، بمن فيهم هو، فهو مملوك كردى للسلطان نور الدين، و لم يكن مصريا و لا عربيا و لا حافظا لجميل الكرد الذين كانوا فى عصره يعانون العنت والعذاب من الدولة العباسية. ويقال إنه شركسى، نزحت أسرته إلى بلدة «تكريت» الكردية، فوُلد هناك وخرج منها شابا ولم يعُد.
أما حال مصر فى عهده، فكانت كالعلقم أو أشد مرارة، فقد حوّل مصر إلى إقطاعيات وهبها لأبنائه ولإخوته، وجعل أهلها عبيد أرض «فلاحين قرّارين» وعانوا فى زمنه الظلم الذى لم ينسوه خلال القرون التالية، حتى أنهم إلى اليوم يضربون المثل بقراقوش (وزير صلاح الدين) وبالغُز (عساكر جيشه) فيقولون تعبيرا عن الظلم الفاحش: «حُكم قراقوش..آخرة خدمة الغُز، علقة».
وأجاب زيدان فى ختام تساؤلاته عن سبب ارتباط صلاح الدين بالصليبين واليهود، بحسب قوله، شارحا: «اليهود يحبون صلاح الدين لأنه أدخلهم مدينة إيليا (بيت المقدس، بيت همقداش) التى تعهّد الخليفة «عمر بن الخطاب» بعدم السماح بسكنى اليهود فيها مع المسيحيين، فكان نصيرا لهم من قبل وعد «بلفور» بمئات السنين، وبشكلٍ عمليٍّ لم يتوقف على بذل، كما أن صلاح الدين أمّن الحاخام اليهودى الشهير، الفيلسوف «موسى بن ميمون» الذى بثّ الروح فى الفكر الدينى اليهودى، ولايزال اسمه محفوظا فى ذاكرة اليهود، حتى أن المعبد اليهودى بالقاهرة يعرف باسمه إلى اليوم، وقد اتخذه صلاح الدين طبيبا خاصا ومستشارا له، وبعد وفاته عمل موسى بن ميمون طبيبا خاصا ومستشارا للملك الأفضل ابن صلاح الدين».
وتابع: «أما الصليبيون فقد أحبُّوا صلاح الدين لأنه كان رخوا معهم، ولعب لعبتهم، وقتل من المسلمين «سُنة و شيعة» أضعاف ما قتله من الصليبيين..
وزعم زيدان أن مؤرخينا خجلوا من إحصاء عدد قتلى الصليبيين على يد صلاح الدين، فسكتوا عن ذلك تماما ولم يذكروا أيّ عدد لضآلة هذا العدد بينما اضطروا لذكر المذابح التى قام بها صلاح الدين فى القاهرة وحلب، وتراوح عدد قتلاه (معظمهم من المسلمين السُّنة) مابين مائة ومائة وخمسين ألف شخص» حسب زعمه.