كتب مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق "سيد قاسم المصري" في صحيفة الشروق المصرية :
بداية أقول إن الاجتماع لا يعقد فى إطار منظمة التعاون الإسلامى كما قد يتبادر إلى الذهن، بل ولا يعقل تصور انعقاده تحت مظلة هذه المنظمة فى ضوء التصريحات العلنية للمسئولين الأمريكيين وآخرها تصريح السيد تيلرسون وزير خارجية أمريكا بأن الهدف من الاجتماع هو الاتحاد ضد إيران، فإيران عضو بارز فى المنظمة التى يهدف ميثاقها إلى تدعيم أواصر الوحدة والتضامن بين أعضائها وليس التحالف ضد أحد أعضائها.
ولم يعلن رسميا حتى الآن عن الدول التى دعيت إلى هذا الاجتماع وأشك كثيرا فيما يتناقله الإعلام من أن العدد تجاوز الخمسين، فهذا عدد يقرب من العضوية الكاملة لمنظمة التعاون الإسلامى (57 دولة) التى تضم العديد من الدول ذات العلاقات الوطيدة بإيران.
ويعقد الاجتماع فى الوقت الذى يمر فيه ترامب بأسوأ أزمة واجهت رئيس أمريكى منذ فضيحة ووترجيت التى انتهت بعزل نيكسون من منصبه فى منتصف السبعينيات، والأزمة التى يغوص فيها ترامب حاليا وتتفاقم يوما بعد يوم تتعلق بقيامه بعزل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI السيد كومى الذى يحقق فى الاتهامات الخاصة بتدخل روسيا فى الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، ثم تسريب مذكرة أعدها كومى قبل عزله يشير فيها إلى أن الرئيس دعاه إلى العشاء وطلب منه إغلاق ملف التحقيق وأنه رفض هذا الطلب مشيرا إلى أن ولاءه للدستور وليس للرئيس الأمريكى.
وقد سيطر هذا الموضوع تماما على الإعلام الأمريكى المقروء والمرئى وأصبحت حلقات الأزمة مثل الدراما التليفزيونية، ففى كل يوم تستيقظ أمريكا والعالم على إضافة جديدة من حماقات ترامب وارتباكات بيته الأبيض، فقد استقبل ترامب وزير خارجية روسيا ثانى يوم إقالة مدير الـ FBI ولم يكتف بذلك بل منع الإعلام الأمريكى من حضور المناسبة بما فى ذلك الإعلام الرسمى للبيت الأبيض وسمح للمصور الرسمى لوزارة الخارجية الروسية بالتقاط الصور، ولذلك صدرت صور المقابلة من موسكو وليس من واشنطن.
خلال هذا الاجتماع أفشى ترامب للروس معلومات استخباراتية على درجة عالية من السرية، وقد أجمع الخبراء على أنها ستؤدى إلى تعريض المصادر للخطر كما أن الكثير من الدول ستتعامل بتحفظ فى أمر تبادل المعلومات الاستخبارية مع أمريكا، ومثل هذا الإفشاء يعد جريمة يعاقب عليها القانون إذا ارتكبها أى أمريكى إلا رئيس الجمهورية لأن من حقه إزالة السرية، عن أى وثيقة، ولذلك فهى ليست جريمة قانونية ولكنها بالقطع جريمة سياسية زلزلت مجتمع الاستخبارات الأمريكية، خاصة وأن المعلومات التى أفشاها الرئيس للروس كان بعضها محجوبا عن الحلفاء، أما الجريمة القانونية فهى مطالبته بوقف التحقيق فى تدخلات الروس وهى ما يطلق عليها فى أمريكا جريمة «إعاقة العدالة».
إذن ترامب فى عين العاصفة وبدأ يتخلى عنه بعض الجمهوريين مثل السيناتور المهم جون ماكين الذى وصف الأزمة بأنها ووترجيت جديدة، والحزب الجمهورى فى ارتباك كبير، مما يجعل ترامب فى أمس الحاجة إلى «فرقعة» إعلامية لعل صوتها يعلو على طبول المقصلة التى تدوى فى الداخل الأمريكى.
وأخشى ما أخشاه أن تكون هذه الفرقعة على حساب العرب – الهنود الحمر الجدد – ففى الذكرى السبعين للنكبة الكبرى التى حلت بالعرب فى فلسطين يتم تداول أخبار عن فلسطين لا تبشر بالخير، منها ما نشرته جريدة «وول ستريت جورنال» الأمريكية حول مبادرة خليجية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تجميد «وليس وقف» الاستيطان فى الضفة وتخفيف «وليس رفع» الحصار على غزة.
وبالنسبة لموضوع «إيران» وهو الموضوع الأساسى على جدول الأعمال فإن إدارة ترامب تروج إلى أن غالبية الدول الإسلامية لديها مخاوف من تمدد النفوذ الإيرانى وسياساتها الرامية إلى زعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط وخارجه، وإن كانت هذه المخاوف موجودة بالفعل لدى بعض الدول الخليجية وبصورة مبالغ فيها، فإن الكثير من الدول الإسلامية لديها علاقات وطيدة مع إيران ولا تنظر إليها من خلال هذا المنظور.
آمل أن نحذر تهورات ترامب وسياساته الفجة خاصة فى هذه الأيام التى حاصرته فيها المشاكل من كل جانب، وأثق أن مصر بدبلوماسيتها العريقة ومكانتها العائدة إليها ستتخذ الموقف الذى يتسق مع ما أعلنه السيد الرئيس من أن المصرى لن يقبل أن تكون بلده متواضعة أو هشة.
عن الشروق المصرية