منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في حزيران/ يونيو 2007، وإعلان إسرائيل أن القطاع بات كيانًا معاديًا، واقتراح بعض الفلسطينيين إعلانه إقليمًا متمردًا، بدأ يظهر إلى السطح مفهوم يربط غزة بالانفصال كإقليم وبناء كيانيته الذاتية دونما امتداد وعلاقة طبيعية بالكل الفلسطيني، أرضًا وشعبًا، فظهر وصف غزة بـ "الإمارة"، و"غزة ستان" أو "حماسستان. وقد عاد حديث الانفصال ليتصدر المشهد مع تشكيل "حماس" لجنة موازية لإدارة القطاع، وخطوة السلطة الفلسطينية بشأن الخصم من رواتب موظفيها في القطاع في سياق فتح ملف استمرار سيطرة "حماس" على القطاع.
ومع تعزيز "حماس" لحكمها ومأسسته في القطاع باعتباره نظام حكم مستقل عن إرادة السلطة، وفشل حوارات المصالحة، تعمقت أكثر فأكثر المخاوف لدى الفلسطينيين من استعصاء الانقسام على الحل، بما يعمق الانفصال الجغرافي والسياسي. وهي تزداد باطراد مع الوقت، وقد كُتبت عن ذلك العشرات من المقالات، وعقدت الندوات والمؤتمرات، وصدر مؤخرا كتاب بعنوان "صناعة دولة غزة" للدكتور إبراهيم ابراش. وكان رئيس المخابرات المصرية السابق اللواء ابراهيم من بين المحذرين من فخ عملية دولنة غزة، فكتب أكثر من مقال محذرًا، كما عقد مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية سنة 2012 مؤتمرًا بعنوان "غزة بين الأجندات"، في محاولة لقراءة مستقبل قطاع غزة في ضوء صراع أجندات الجهات ذات العلاقة، فضلًا عن تحذير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) في العديد من إنتاجاته ووثائقه، من مخاطر تحول الانقسام إلى انفصال دائم.
خطر تحول الانقسام الى انفصال جغرافي وسياسي بات جلي الوضوح، ولم يعد مجرد هاجس لدى الباحثين والمستشرفين، بل أصبح يكوي وعي وثقافة المواطنين البسطاء، فعشر سنوات من الانقسام خلقت واقعًا وثقافة ونمط حياة نمت في ظل العيش داخل كيانية منعزلة ومنفصلة، بما زاد وعمّق الانقسام واحتمالات الانفصال الفعلي بحكم الأمر الواقع. وقد عزز الأمر مؤخرًا إعلان "حماس" عن لجنتها الإدارية لإدارة شؤون القطاع والترويج لوثيقتها السياسية التي تأمل الحركة أن تقدمها باعتبارها لاعبًا سياسيًا مقبولًا من أطراف رئيسية على المستويين الإقليمي والدولي، بالترافق مع سعي الحركة لإيجاد حلول لمشكلات القطاع، وبخاصة في مجالات الطاقة والإعمار ومحاولة إنشاء الميناء، بالتنسيق المباشر مع أطراف إقليمية بعيدًا عن السلطة الفلسطينية، ما أدخل الكثير من القلق من توجهات "حماس" المستقبلية.