ليس أمرًا سهلًا أن تلتقي في غزة بقياديٍّ من المقاومة، لاسيما في ظل الظروف الأمنية التي يشهدها القطاع المحاصر، بعد جريمة الاغتيال الأخيرة، التي نفذتها أيادي الغدر والخيانة، بحق الأسير المحرر والقيادي في كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، مازن فقها.
ومع أن هذا القيادي المطاردَ من قبل أجهزة استخبارات الاحتلال، يتبعُ إجراءاتٍ أمنية معقدة في حركته اليومية، إلا أنه يؤمن بأن "حارس العمر الأجل"، وأن "الحذر لا يمنع القدر"، فتجده يأخذ بالأسباب، كي لا يكون هدفًا سهل المنال للعدو الإسرائيلي.
لقاؤنا مع قائدٍ شاب، كان له بصمةٌ في مواجهة الاحتلال إبان انتفاضة الأقصى، التي تعرض خلالها لعدة محاولات اغتيال، إلا أن مشيئة الله رعته وحمته، وقُدِّر له أن يواصل مسيرته بهمةٍ وعطاء، ليفي بالعهد والقسم، الذي قطعه على نفسه مع رفاق دربه ممن ارتقوا شهداء، وأولئك الذين ينتظرون، وما بدّلوا تبديلًا.
ويقضي خالد منصور، القيادي البارز في سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، غالبية ساعات يومه في الإعداد ووضع الخطط للمواجهة المقبلة، يسانده في ذلك فريقُ عملٍ أشبه بخلية النحل، فالكل يعرف مهامه وحدود مسؤولياته جيدًا. تراهم متناغمين، وتتكامل أدوارهم، وفي النهاية الجميع يعملُ بصمتٍ وعزيمة على مفاجأة العدو المحتل واستنزافه؛ فهم يدركون أنهم رأسُ حربةٍ في صراعٍ مفتوح، له صولاتٌ وجولات عديدة.
ويؤكد منصور (42 عامًا) أن قوى المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها سرايا القدس، "جاهزة للذود والدفاع عن أبناء شعبنا، ومواجهة أي عدوان يشنه جيش الاحتلال على قطاع غزة".
وأوضح أن "المقاومة رممت قوتها وبنيتها بعد عدوان 2014 في وقتٍ قياسي، وطورت وسائلها وأدواتها للمبادرة، وإرباك العدو، ومواصلة مشوار التحرير"، منوهًا إلى أنهم يعملون وفق استراتيجية يقدرون بموجبها مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، وظروفه المعيشية القاهرة بفعل العدوان والحصار المتواصل.
وشدد منصور في مقابلةٍ مع مراسل وكالة أنباء فارس الإيرانية، على أن "المقاومة لا تعدم الوسيلة على الإطلاق، وإمكاناتها في تطورٍ دائم ومستمر، وهي زاخرةٌ بالطاقات والخبرات المتخصصة في مختلف المجالات العسكرية، وتواكب كل جديد لاستنزاف العدو المحتل وهزيمته".
وقال :" عملنا بأبسط وأقل الإمكانيات، وحققنا انجازات ملموسة خلال المواجهات السابقة التي خضناها مع جيش الاحتلال، فما بالكم بقدراتنا وقوتنا اليوم على مستوى المقاتل العقائدي النخبوي والتجهيزات العسكرية على كافة المستويات؟".
وضرب القيادي البارز في سرايا القدس، مثالًا عن القدرة الصاروخية، مبيّنًا أن "المقاومة أطلقت في عدوان 2008-2009 مئات القذائف والصواريخ، وفي عدوان 2014 - رغم الحصار- أطلقت آلاف الصواريخ والمقذوفات، فما بالكم اليوم؟؟، مستدركًا:" إن ما أطلقته المقاومة في عدوان 2009 طوال 22 يومًا، قادرةٌ اليوم على إطلاقه في رشقةٍ واحدة بمعية الله"، قال بثقة.
واستطرد منصور – المكنى بـ"أبي الراغب" – قائلًا :" نحن لا نهول أو نعطي العدو مبررات لشن عدوان على شعبنا، كما أننا لا نحب استعراض الأقوال والتصريحات، كل ما في الأمر أن ثقتنا بالله عالية، وأن الله لن يخذلنا، وأننا نراهن على سواعد مجاهدينا، والإمكانات التي بين أيديهم، ومع أننا لا نتوقع من العدو إلا الأسوأ، لكن سنترك الحديث للميدان ليقول كلمته الفصل".
ولفت منصور إلى أن "تهديدات جنرالات الاحتلال ووزرائه والأخبار والتقارير التي تبثها الماكينة الدعائية للعدو في الآونة الأخيرة، لا تهز شعرة في رأس مجاهد عندنا، ونحن جاهزون لتمريغ رؤوسهم في التراب مجددًا، ولمنع التجول هذه المرة في شوارع وأحياء ومدن جديدة بالكيان الإسرائيلي، والحَكَمُ بيننا وبين هؤلاء الأقزام هو تقرير "مراقب الدولة" القادم، إن أقدم العدو على أي حماقة جديدة".
وأعرب منصور عن إيمانه وثقته بأن "الاحتلال لن يحقق كالعادة أيًّا من الأهداف التي سيُعلنها لأي عدوان جديد ضد غزة"، محذّرًا من أي حماقات قد يُقدم عليها الإسرائيلي.
وأشار في حديثه إلى أن "المقاومة في غزة نجحت في تحقيق معادلة الردع، وتوازن الرعب، وغدت قوةً لا يستهان بها، وتشكل قلقًا وتحدٍ للعدو المحتل، وهي تعمل في القطاع بعد تحرره بموجب آليات وتكتيكات مغايرة لما كان عليه الحال إبان وجود الاحتلال فيه، فالظروف السياسية تغيّرت، ونشاطنا وكادرنا توسع بصورةٍ كبيرة، وبات العمل أكثر تنظيمًا وأفضل حالًا".
وتطرق منصور إلى دعوة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح، لتوحيد الجبهات في أي مواجهة مقبلة، معتبرًا أنها "إن تحققت ميدانيًا فسيكون لها تأثيرٌ كبير من الناحية العسكرية، وهي كفيلةٌ باستنزاف الاحتلال على مختلف الصعد، ولجم عدوانه وقرصنته"، متعهدًا بـ"تغيير قواعد الاشتباك، بل ووجه المنطقة كلها - بإذن الله-"، كما شدد في حديثه.
ونوه كذلك إلى أن "بوصلة سرايا القدس لن تنحرف عن القدس، وهي ماضيةٌ إلى جانب كافة قوى المقاومة الفلسطينية نحو الهدف، ورصاصها لن يوجه إلا لصدور المحتل الإسرائيلي"، لافتًا إلى أنه "مهما حاول أعداؤنا، وضخوا أموالًا، وأشاعوا واختلقوا أكاذيب وروايات من خلال عملائهم وأبواقهم، لن ينجحوا في جرنا لمربع الفتنة، والانشغال في صراعات داخلية ومخابراتية".
ونبّه منصور إلى أنهم يدركون "حجم المؤامرة والدسائس التي تحاك لإشغالنا عن هدفنا، وحرف بوصلة جهادنا عن القدس"، مبينًا أن هذا "ما ننبه مجاهدينا منه على الدوام، ونحرص على تعبئتهم بصورةٍ مستمرة لمواجهة الأخطار المحدقة بنا، وأن نكون على مستوى التحدي والمواجهة".
وأكد قائلًا: "المقاومة تحظى بإجماعٍ شعبي، ولا شرعية لأي سلطة أو حكومة على كادرها ومقاتليها وسلاحها، فنحن لازلنا في مرحلة تحرر، ونرى أن كل من يقف في وجه أبنائها أو يعيق عملهم أو يلاحقهم ويستدعيهم للمقار الأمنية - أيًا كانت مبرراته أو المسوغات التي ينطلق منها - يتساوق مع الاحتلال، ويتقاطع مع أجندته، ويكفيه هذا الوسم".
ووصف منصور مستوى التنسيق بين كافة الأذرع العسكرية المقاوِمة بأنه عالٍ، مؤكدًا سعيهم لعلاقة تكاملية مع الجميع دون استثناء، "إدراكًا منا لخطورة التحديات التي تواجهنا - وهي متعددة - ونحن متنبهون لما يُخطط لنا جيدًا، وندرك كذلك أننا نسير في طريقٍ شاق وعاصف".
وفي سؤاله عن أمنه الشخصي في ظل التطورات الأخيرة لاسيما عقب جريمة اغتيال الأسير المحرر والقيادي في كتائب القسام مازن فقها، أجاب منصور: "أنا شخصيًا ومعي كافة أشقائي وإخواني في قيادة سرايا القدس وقوى المقاومة، عندما اخترنا هذا الدرب كنا ندرك سلفًا أننا نسلك طريقًا شائكًا وشاقًا، ولسنا بأفضل ممن سبقنا للشهادة، ونتمنى أن نلقى الله وهو راضٍ عنا، وعن ما قمنا به للذود عن شعبنا ومقدساتنا، وتحريرهما من رجس المحتل الصهيوني".