بكر أبوبكر - كاتب ومفكر سياسي فلسطيني
الكثير مما يحصل في قطاع غزة الحبيب لا يتم التعامل معه إلا في إطار الاختلاف والشَقاق والمناكفات الحزبية، والكثير الذي يضرب رؤوس أبناء شعبنا هناك (لاحظ هناك) لا يتم التصدي له الا في إطار تحميل المسؤولية الى "حماس" او الى حركة "فتح".
كأن الحالة الانسانية والاجتماعية والنضالية في غزة أصبحت أسيرة للخلاف والانفصال المتوقع -بل والذي يتم التمهيد له بجدارة- ولا تستطيع أن تخرج منه، بل ويجد كل طرف أي حكومة غزة الانقلابية، وحكومة الحمدالله تجدان المبررات والمسوغات لأجل الاستمرار فيما يسميه الوطنيون "المجزرة" بحق غزة!
عندما تتكاثر عمليات الانتهاكات الانسانية أو الانتحار في قطاع غزة الى درجة مرعبة يعتبر الأبعاض في "حماس" أنها مؤامرة من حركة فتح! وما المؤامرة عندما يحرق الشخص نفسه لا تعلم!؟
وعندما يتمنى الشباب الهجرة لخارج الوطن لا تجد من أحد الا إدارة الظهر لهم؟ كما هو لسان حال البعض بتحميل مسؤولية قتل الفقهاء ومنع اطلاق رصاصة من غزة تجاه العدو، تحميلها بحقد طاغٍ لحركة فتح؟
وعندما تهدم جرافات "حماس"-لاحظ جرافات حماس وليس جرافات العدو-البيوت سواء في غزة أو رفح، فإن الصمت الفلسطيني سيد الموقف!
إن تكلم الناطقون -لا فضت أفواههم- فلا يفعلون سوى أن يتم استغلال الحدث السلبي بالضفة او غزة لمصلحة عظماء الانقلاب والانقسام في الحكومتين دون عمل أي شيء ليرد الحق لأصحابه.
وعندما ترتكب (مجزرة الرواتب) كما أسماها الكادر الفتحوي في غزة فإن الصمت المشوب بضحكة التشفي تراه في وجوه البعض، فيما يقف الآخر محتارا من الرد أو عدمه، في ظل الخلط الفتحوي المثير بين التنظيم وبين حكومة الحمد الله التي لا تمثل الحركة مطلقا.
الكادر الفتحاوي في غزة-وهو الملتزم بالشرعية منذ يوم الانقلاب الاول- من القسوة والألم والشعور بالمظلمة يصرخ لعله يُسمع فيقول:(لعلها الخطوة الثالثة بعد الأولى في خصم العلاوات والبدلات والمواصلات للموظفين المدنيين سابقا والثانية بعد رفع وخصم علاوة القيادة عن الموظفين العسكريين ولعل الصمت الذي اكتنف موظفي غزة على سلب واقتطاع هذه الاجزاء من رواتبهم فتحت شهية حكومة الحمدلله للتجرؤ اكثر لتصرف اليوم ما نسبته اقل من 70% من رواتب موظفي السلطة فقط في قطاع غزة الصابر الصامد المحاصر) فهل من مستمع بحكومة الحمد الله وهل من مجيب!
وعندما تنشر "حماس" وثيقة فيها من التطور السياسي الكثير والعميق والذي نحترم فيه الكثير، لا تجد من "حماس" الفئة المتحكمة بغزة أي "حماس" الصلدة الا شتم قناة الميادين التي سربت الوثيقة، لا مناقشة الوثيقة!
في غزة هناك شعب عظيم هو الشعب الذي أطلق الانطلاقة عام 1965 مع أخوته في الضفة والخارج ام نسيتموه! وعلى كتفيه تحمل مسؤولية الانتفاضات وتصدى للعدوان الصهيوني غير مرة، ومازال يتحمل ظلم الأقارب مع الحصار والاهمال.
نعم الشعب شعبنا الفلسطيني في غزة البطلة هو من تصدي للاحتلال مرارا، وليس "حماس" التي بلا الشعب لسقطت، وبلا القمع الأمني لكانت نسيا منسيا.
وشعبنا في غزة انتصر لفلسطين كل فلسطين، عندما تصدى في كل المفاصل للعدو الصهيوني ومازال يتحمل ضيم القريب من اجل فلسطين وضد العدو الاوحد فقط.، وهو مازال يتقدم قيادته بأميال كما كان يردد الخالد ياسر عرفات.
لم تكن فتح هي المنتصرة أبدا في غزة أو الضفة، مهما حاول السلطويون من الاطراف جميعا أن ينسبوا لأنفسهم "الانتصارات" ويحملون اللوم لغيرهم.
كل من الحكومتين سواء حكومة الانقلاب بغزة المتشبثة بالكرسي حتى آخر نفس غزي، أو حكومة الائتلاف بالضفة التي تخنق القطاع تتخذان من الانقلاب والانقسام مبررا لارتكاب الفظائع بحق الغزيين من شعبنا سواء بمنع المقاومة قسرا من غزة! تحت طائلة اطلاق النار على الأرجل أو تحت طائلة السجن او تحت مبرر الحفاظ على التنسيق الأمني بالتهدئة عبر السلك!أو بالامور الحياتية سيان!
وباتت المظاهرات بغزة من أجل لقمة العيش أو الكهرباء أو رفضا للهدم السلطوي الجائر لبيوت، اوالسرقات والفساد أو حتى مطالبة بالمصالحة باتت مظاهرات تخدم طرف برأي الطرف الآخر، ولا نعفي سلطة الحمد الله أيضا من عملية الاستغلال، هذه وان اختلفت النسب.
بدون كثير تفاصيل أصبحت تمتليء بها الشابكة والمواقع فإن ما يحصل من الحكومتين تجاه قطاع غزة وابناء غزة وكأنه-لا أدري هل أضع كأنه أم أزيلها- هو تكريس بلا جدال للانفصال التدريجي بين إمارة او سلطنة بلا مقومات، ودولة مجزاة مخردقة بلا سيادة او صلاحيات.
الانفصال الجغرافي فرضه الانقلاب والاحتلال قسرا نعم، لكن الانقسام السياسي السلطوي تشبثا بالكرسي يُرى رأي العين من الحكومتين أيضا.
والى هذا وذاك يتعاظم الانفصال السياسي والإداري، وازداد الانفصال النفسي والاجتماعي والعاطفي بحيث لا ترى اهتماما في الضفة لما يحدث في غزة والعكس بالعكس وهو مما يثلج صدور الاسرائيليين، والعابثين بالقضية الفلسطينية فداء لأيديولوجياتهم العفنة او كراسيهم التي سيأكلها السوس.
ان الثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية لا تحتاج لمهرجانات هنا ومهرجانات هناك، ولا تحتاج لمؤتمرات استعراض قوة من هذا الطرف أوذاك ولا تحتاج للدوران حول العالم مرتين فثلاثة لتؤكد ذاتها.
فإن أصالة القضية والتمسك بفلسطين نراه واضح العيان في فكر حركة فتح وفكر كل الفصائل، وفي وثيقة حماس الجديدة، وبالصلب التاريخي التعبوي في كل أحاديث الرئيس أبومازن، وعليه فإن ما نتفق عليه في عمق الأشياء لا غبار عليه، ليظهر المارد الاخضر الممثَل بالسلطوي والسياسي والانتهازي فيتجسد بشرا سويا فيمنع التلاقي ويمنع التوافق ويمنع الاتفاق ليظل أهلنا في غزة في حيص بيص، وأهلنا بالخارج يشعرون بالتهميش، وأهلنا بالداخل يقاومون الابارتهايد وحدانا، واهلنا في الضفة يضربون كفا بكف، فمن لهذا المارد؟