كتب المحلل العسكري الرئيسي في يديعوت احرونوت ان اسرائيل بدات تسخن جبهاتها في الشمال والجنوب مشيرا الى ان تنفيذ عملية عسكرية بغزة ليس له علاقة بتغيير قيادة حماس السياسية في قطاع غزة.
ويقول فيشمان:
إذا سألتم وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، فانه سيجُيب بأن “حزب الله” سيحصل خلال أقل من عامين على صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، وسيبدأ العد التنازلي للحرب الشاملة في الشمال. ليس صدفة أنه في الاسابيع الأخيرة يتحدث الوزراء والضباط علناً عن أنه في الحرب القادمة سيعود لبنان الى القرن الثامن عشر. عاد تعبير القرن الثامن عشر وطرح في التقييمات والتقديرات الخاصة بسورية ولبنان. هذه الرسالة موجهة لآذان الشعب اللبناني والقيادة اللبنانية، من نوع لا تسمحوا لـ”حزب الله” أن يأخذوكم الى الضياع. في الحرب القادمة ستدمر أولاً اهداف الدولة اللبنانية مثل الشوارع والمواصلات والكهرباء والوقود والغذاء ومؤسسات النظام والمؤسسات المالية. كل شيء سيحترق.
واضاف "تهدد “إسرائيل” بفم ملآن، وهذا يعني أن هجمات إسرائيل في سورية ضد المخازن وقوافل السلاح ونشطاء في التهريب ستزيد من أجل تأجيل الحرب قدر الإمكان. في الوقت الحالي لا تقصف إسرائيل منصات الصواريخ بعيدة المدى في لبنان، وكما يبدو لأنه لا توجد هناك كمية كبيرة، وقصف لبنان في هذا التوقيت سيشعل الجبهة الشمالية دون مبرر كاف".
وقال "صحيفة “الجريدة” الكويتية كشفت، مؤخراً، أن “حزب الله” يقيم داخل انفاق في لبنان مصانع تحت الأرض لانتاج الصواريخ الدقيقة. وحسب وصف الصحيفة فان الحديث يدور عن جهاز يشبه الجهاز الذي أقامه اتحاد الصناعات العسكرية السورية “سيرس”. لم تؤد خطوة “حزب الله” الى رد إسرائيلي عسكري، ولكن من يريد يمكنه أن يفهم ما نشر في الصحيفة كتحذير: كل شيء مكشوف ومعروف. إذا بدأت المصانع في هذه الأنفاق بانتاج الصواريخ فستقوم إسرائيل بتدميرها، حتى لو كان هناك خطر نشوب حرب".
ايران
إيران عدو عنيد ذو قدرات، وهي لا تنوي التنازل عن اقامة جهاز الصواريخ الدقيقة في لبنان، الذي من المفروض أن يضر بشكل كبير بقدرة إسرائيل العسكرية. إن إستهداف قوافل السلاح التابعة لـ “حزب الله” في الاراضي السورية يضع أمام ايران تحدي أمن المعلومات. ويبدو أن الدرس الذي تعلمته هو محاولة تحقيق الهدف بطرق أخرى، مثل إقامة مصانع انتاج في لبنان وبناء ميناء إيراني في اللاذقية في سورية. وهذا الميناء يمكنه استيعاب كمية كبيرة من الوسائل الثقيلة التي ستصل عن طريق البحر تحت مظلة القوات الروسية التي تسيطر على الميناء. بالنسبة لموسكو، فإن ايران ليست هي المشكلة في سورية، بل هي جزء من الحل. لذلك فان ايران تحظى الآن بحصانة روسيا.
يتبين أن اللقاء الأخير بين نتنياهو وبوتين لم يثمر عن النتائج المرجوة. وقد حاول نتنياهو إقناع روسيا بالامتناع عن إقامة الميناء الإيراني في اللاذقية، لكنه فشل. موظفون في وزارة الخارجية الروسية يظهرون كأنهم لا يعرفون جوهر طلب إسرائيل: “نحن ايضا أقمنا ميناء بحريا”، هكذا يردون على نظرائهم في وزارة الخارجية الإسرائيلية. “لذلك لن نستطيع منع دولة سيادية من استضافة دولة سيادية اخرى لإنشاء ميناء فيها”.
إن هذه السذاجة هي من روائع الدبلوماسية الروسية. عندما إشتكت إسرائيل في آذان روسيا من أن السلاح الروسي المخصص للجيش السوري وصل الى “حزب الله”، حسب مصادر أجنبية، والمقصود هو صواريخ الشاطئ “يخونت”، صُدمت ووعدت بفحص هذا الأمر. وقد ذهب ضباط روس الى الميدان، وقاموا باجراء الفحص، وعادوا مع الإجابة بأن هذا غير صحيح.
إعتاد الجمهور في إسرائيل على التعاطي مع دول العالم باللونين الاسود والابيض: إما أنها تحبنا أو لا. إلا أن روسيا هي من النوع الذي يحب نفسه. وإسرائيل بالنسبة لهم هي جندي آخر في الشطرنج، وليست بالضرورة من مجموعتهم.
كان باستطاعة سلاح الجو الإسرائيلي الاستمرار في القصف في سورية طالما أن هذا الأمر لا يضر المصالح المباشرة لروسيا. إلا أن إسرائيل فاجأت وقصفت في المنطقة التي توجد فيها قوات روسية وقيادة روسية لمراقبة القوات السورية في تدمر. في ذلك الهجوم أصيبت كما يبدو وسائل غير تابعة لـ “حزب الله”. صرخت وسائل الاعلام في سورية ووجهت التساؤلات لروسيا. وشعرت روسيا بدورها أنها لم تفعل أي شيء، حتى لو دبلوماسيا، ضد إسرائيل. وهذا سيبدو ضعفاً، لذلك قامت باستدعاء السفير الإسرائيلي والملحق العسكري الإسرائيلي في موسكو للقاءين في وزارة الخارجية الروسية مع نائبي وزراء يهتمون بالشرق الاوسط . ولم يتم نشر ما قيل في اللقاءات. ومجرد إجرائها سمح لسفير سورية في الامم المتحدة بالاعلان عن أن روسيا قد حذرت إسرائيل، الامر الذي خفف الضغط عليهم. ولكن طالما أن الرئيس بوتين لم يقم بالاتصال مع نتنياهو للتأكيد على موقف روسيا، فلم يتغير أي شيء، ويمكن الاستمرار في القصف في الوقت والزمان المناسبين.
إن هذه هي أولوية وزير الجيش ليبرمان. فقد قرأ سلوك المؤسسة الروسية بشكل أفضل من الاشخاص الموجودين حول طاولة الكابنت، بل أفضل من القيادة العسكرية التي تأتي اليه كل يوم خميس من أجل الحصول على المصادقة على العمليات والطلعات الجوية وراء الخطوط. لذلك فان ليبرمان ليس فقط لا يكبح أو يرفض العمل العسكري ضد السلاح المتقدم بعيد المدى وهو في الطريق الى “حزب الله”، بل يشجعه. وحسب رأيه فان أي تردد إسرائيلي تجاه التهديد السوري والضغط الدبلوماسي سيترجم في روسيا ضعفاً. واسرائيل ضعيفة ستكون شريكا هامشيا يمكن تجاهله عند اجراء المفاوضات على مستقبل سورية.
في بداية الاسبوع تحدثت الصحف الاجنبية عن قصف إسرائيلي، هذه المرة في هضبة الجولان السورية. وبعد هذا القصف لم تعقب روسيا، لكن ذلك لم يكن إختبارا حقيقيا؛ لأن القصف لم تكن له صلة بـ “حزب الله” أو النظام السوري، بل نفذ كما يبدو في سياق العمل الأمني الشامل والمشترك ضد منظمات فلسطينية. ياسر السيد، الذي قتل في سيارته في طريقه من “خان أرنبة” الى دمشق، كان سورياً عمل في منظمة إسلامية فلسطينية خططت لتنفيذ عملية كبيرة عشية عيد الفصح.
سيأتي الإختبار الحقيقي عندما يعلن وزير الجيش أن إسرائيل ستقوم بقصف كل منصة صواريخ تقوم باطلاق الصواريخ على طائرات سلاح الجو. وهذه ليست اقوالاً بل قرار. ويمكن الافتراض أنه اذا شيدت ايران، هذه السنة، الميناء في اللاذقية لاستيعاب السفن الايرانية التي تنقل السلاح لـ “حزب الله”، فان اسرائيل ستقصف هناك ايضا، رغم تواجد روسيا في المكان.
حماس
غطاء الغموض تمت إزالته للحظة، ليس فقط عن هجمات سلاح الجو في سورية، بل أيضا عن طريقة العمل وطبيعة الاهداف التي يقوم بقصفها سلاح الجو في غزة. فيوم الأربعاء الماضي، أثناء جلسة للكنيست، كشف رئيس الآركان، غادي آيزنكوت، أنه منذ عملية “الجرف الصامد” إستهدف الجيش الإسرائيلي مئات الاهداف النوعية، بما في ذلك الانفاق، بوساطة تقنية جديدة طورها سلاح الجو. نمط العمل في غزة في فترة ليبرمان لا يركز على الردع والعقاب كرد على إطلاق الصواريخ من القطاع، بل يذكر بنمط العمل في الشمال. الساحة الغزية تحولت كما يبدو الى جزء من العمل بين الحربين لتدمير قوة العدو قبل نشوب المعارك. إلا أن إسرائيل في غزة تختبئ وراء ما يسمى “إستغلال الفرص” من أجل قصف أهداف لحماس ومنع إزدياد قوتها.
أعداء حماس هم الذين يوفرون الفرص لإسرائيل، من الحركة السلفية في القطاع، التي تقوم باطلاق الصواريخ على إسرائيل. وتقوم حماس بملاحقتها، ومؤخرا إعتقلت 500 نشيط من الحركة من أجل منعهم عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل. السلفيون من ناحيتهم يريدون أن ترد إسرائيل من أجل اضعاف حماس، ودفعها لاطلاق سراح أتباعهم من السجن، لذلك يقومون بالاستفزازات على الحدود الإسرائيلية. إنهم يقومون باطلاق صواريخ قديمة قصيرة المدى مثل قسام 5 أو الكاتيوشا 7 ملم. وليس لهم الوقت الكافي للاطلاق بالشكل الافضل لأنهم ملاحقون من قبل حماس. لهذا لا يقومون بالإطلاق. ولكن بالنسبة لإسرائيل هذا يكفي للقيام بهجوم آخر لاضعاف قوة حماس.
عندما تم إنتخاب يحيى السنوار رئيسا لحماس في القطاع كان التقدير في قيادة الجيش الإسرائيلي هو أن المستوى السياسي سيقوم في البداية بفحص توجه المنظمة، ويمكن تخفيف العمل ضدها. إلا أن قيادة الجيش أخطأت. فتبدل قيادة حماس ليس له إعتبار في الضوء الأخضر الذي يعطيه وزير الجيش للعملية العسكرية ضد غزة.
في العادة تبدأ المصادقة على العمليات ضد العدو، مثلاً يوم الثلاثاء. القيادة الجنوبية مثلا تقدم لقسم العمليات افكاراً لعملية عسكرية في القطاع. وهذا القسم يناقش هذه الافكار ويوضحها ويقوم بنقلها، يوم الأربعاء، ليصادق عليها رئيس الأركان ونائبه. وهذان يقومان بتقليص الأهداف ويضعان الاولويات. يوم الخميس يقوم رئيس الآركان بتقديم الخطة التنفيذية لمصادقة وزير الجيش، ويستطيع الوزير الإستعداد لهذا اللقاء لأن سكرتيره العسكري يكون موجودا في النقاش الاولي لدى رئيس الاركان. ويتوقع أن يقدم رئيس الاركان الخطط التي سيصادق عليها وزير الدفاع.
النقاش الذي يتم في يوم الخميس في مكتب وزير الدفاع هو نقاش رسمي وجاف. ولكن هذه نقطة التقاء حساسة يحتك فيها رئيس الاركان مع الاعتبارات السياسية. أما وزير الجيش فيؤثر في المواضيع العسكرية المهنية.
والوزير الذي لم ينشأ في الجهاز العسكري يجب أن تكون له ثقة كاملة برئيس الآركان ونزاهته المهنية. فهو الذي يصادق على الخطط التنفيذية التي قد تسبب ضحايا وتورطا سياسيا.
آيزنكوت له أفضلية هنا لأنه كان السكرتير العسكري لرئيس حكومة ووزير دفاع وهو يدرك هذه الحساسية. ويبدو أنه لا يوجد بينه وبين ليبرمان فقط تقاسم واضح في الأدوار؛ حيث لا يتدخل أحدهما بصلاحيات الآخر، بل توجد بينهما ثقة كاملة. فالواحد منهما يعتمد على الآخر في عدم جره الى اماكن غير مرغوب فيها، سواء أكانت سياسية أم عسكرية.
وفي أحيان كثيرة لا يكون وزير الجيش راضيا عن خطة تنفيذية، لذلك يتم اللقاء الشخصي المغلق، يوم الخميس، بين وزير الدفاع ورئيس الاركان، أو لقاء عمل بوجود السكرتير العسكري للطرفين، حيث يتم تناول الأمور دون حدوث إنفجارات تصل الى العناوين. يبدو أن آيزنكوت عرف جيدا الوزير المسؤول عنه، والخطط التي يقدمها يقوم ليبرمان بالمصادقة عليها.
إن استمرار استخدام القوة في قطاع غزة يسرع المواجهة القادمة. وحماس قلقة جداً من العائق الذي تقيمه إسرائيل على الحدود، وهي تحاول التعاون مع ايران، ومعرفة نقاط الضعف فيه، بالضبط مثلما حاولت بمساعدة إيران معرفة نقاط ضعف القبة الحديدية.
في الشهر الماضي إعتقل على حاجز ايرز محمد مرتجى، وهو نشيط في حماس، يدير منظمة مساعدة للحكومة التركية في القطاع، وقد كان في طريقه الى تركيا للحصول على صور الأقمار الصناعية عن إسرائيل، التي قد تساعد حماس في تحسين دقة الصواريخ. والجيش الإسرائيلي من ناحيته قام، هذا الإسبوع، بتدريب مفاجئ لجنود الإحتياط في الجنوب، وهذا التدريب شمل أيضا حركة سريعة للدبابات والمجنزرات نحو غزة. المواجهة القادمة توجد على نار متوسطة. وفي نهاية المطاف سيتم الغليان.