اليوم السبت ساعة الظهيرة، أجريت في غزة مراسم جنازة مازن فقهاء، أحد قادة الذراع العسكري لحماس، الذي اغتيل أمس في حي تل الهوى في المدينة. تصريحات جميع نشطاء الذراع العسكري وقادة المستوى السياسي في حماس لا تبقي مجالًا كبيرا للشك: حماس تعتبر اسرائيل المسؤول المباشر عن العملية.
المشكلة وربما النعمة – هي أنه ليس لدى حماس في هذه المرحلة أدلة تفيد بوجود بصمات اسرائيل، هذا الوضع يترك لدى التنظيم مساحة كافية من المناورة لكي لا يفتح حربا على اسرائيل وأن لا يكون ملزمًا بالرد الذي يجر الطرفين الى الحرب.
فقهاء في الأصل، مواطن من بلدة طوباس شمال شرق نابلس تحرر في اكتوبر 2011 في إطار صفقة شاليط. وقد اعتقل العام 2002 في البلدة من قبل قوة وحدة خاصة بسبب تورطه بالعمليات الانتحارية ( الاستشهادية ). ومثل الكثيرين من قادة الذراع العسكري لحماس ممن أطلق سراحهم في تلك الصفقة، أبعد هو الآخر الى قطاع غزة.
هناك ومعه عبد الرحمن غنيمات من بلدة صوريف، أقام الرجلان، وبمباركة من قادة التنظيم، ما اسموه "مقر قيادة الضفة"، وهي هيئة مكونة من خريجي الذراع العسكري من سكان الضفة الغربية ممن طردوا في الأصل إلى القطاع. كان دورهم تشجيع وتعزيز البنية العسكرية لحماس في الضفة وعمليا اخراج العمليات إلى حيز التنفيذ: أرسلوا أموالًا وتعليمات إلى نشطاء حماس في الخليل وفي طولكرم وقلقيلية وفي كل مكان آخر من الضفة الغربية لهدف واضح ومحدد – اشعال المنطقة وخلق التصعيد.
لكل خلية محلية في الضفة الغربية عين قائد من "مقر قيادة الضفة" المقيم في غزة؛ لكنه كان في الأصل من سكان تلك المنطقة. بصمات فقهاء وغنيمات القائدان لوحظت في عشرات محاولات تنفيذ العمليات في السنوات الاخيرة التي حاولت حماس اخراجها حيز التنفيذ في الضفة وداخل تخوم الخط الاخضر. إسرائيل لها مصلحة اكيدة للتخلص من الرجل.
لكن فقهاء تجول في قطاع غزة من دون حراس أو حماية. إلى حد كبير فمفهومه ومفهوم قادة حماس في غزة انه في أوقات اللا حرب مع اسرائيل يتمتعون بالحصانة في القطاع اتضح أنه مفهوم خاطئ بعد ان اغتيل بالقرب من بيته القريب من شاطئ البحر. يمكن الافتراض الآن أن جميع قيادة التنظيم ستغير جدول اعمالها وسلوكها اليومي: فلم يعد أحد محصن ولم يعد أحد يظن أن حياته آمنة بعد اغتيال كهذا.
سيضطر القادة من الآن فصاعدًا الى أن يتحركوا بحراسات، وفي بعض الاحيان سيضطرون إلى تغيير منازلهم ومخابئهم تمامًا مثلما يعيش المطلوبون في الضفة الغربية في العقد المنصرم. في هذه الفترة، تجدر الاشارة إلى انه ليس هناك أي دليل على أن اسرائيل هي المسؤولة عن الاغتيال. رغم ذلك؛ فإن من قام بهذا الإغتيال أراد أن يوصل هذه الرسالة بالتحديد الى قيادة حماس: جميعكم في مرمى النار.
المغتالون عملوا بطريقة مهنية جدًا وعلى خلاف فقهاء وزملائه لم يتركوا في الموقع آثارًا تدل على هويتهم. المهنية العالية واستخدام كواتم الصوت والاختفاء النظيف من الموقع تجعل أحد الهيئات الأمنية في اسرائيل محل شك في للعملية لكن لا شيء اكثر من ذلك. بفضل غياب "الدليل القاطع" تستطيع حماس الاكتفاء في هذه المرحلة بالتصريحات التهديدية المتكررة "لن نسامح"، "لن نسكت"، "لن نسمح لمعادلة الاغتيال بأن تمر دونما رد" وغيرها كثير.
وخلاصة القول، اختارت حماس الا تشرع الليلة بالقصف على اسرائيل وهذا الأمر له أسباب كثيرة. التنظيم ليس معنيًا بحرب مباشرة مع إسرائيل وطالما أن من نفذ العملية أبقى له امكانية الامتناع عن الحرب ربما في المرحلة الاولى على الاقل ستفضل ضبط النفس.
وما يزال امتناع حماس عن الرد بالنيران في الساعات الاولى بعد الاغتيال ليس فيه دليل بالضرورة على أن مثل هذا الرد لن يأت. على رأس التنظيم في غزة اليوم يحيى السنوار الذي يعتبر القائد الخطير وغير المتوقع. في الكثير من الحالات، أثبت انه شخص لا يوقفه شيء. ربما يفضل السنوار الانتظار الى الوقت المناسب من جهة التنظيم ويضرب اسرائيل عندما لا تكون مستعدة.
الرد قد يكون على هيئة عملية اختطاف أو بدلاً من ذلك العودة إلى النمط المعروف لدينا من العقد المنصرم - العمليات الانتحارية (الاستشهادية). في مثل هذه الحالة ستحاول حماس ايضًا أن لا تخلف بصمات لكي لا تجر غزة إلى الحرب ولكن برسالة واضحة لإسرائيل بأن الاستمرار في الاغتيالات سيجر ردًا صعبًا.
نقلا عن "واللا العبري "