إسرائيل واقعة في مشكلة استراتيجية بغزة، الخلاصة: إسرائيل لا تريد أن تسيطر على غزة، لكن أي أحد آخر قد يسيطر عليها، على مر الزمن، سيشكل تهديدًا على إسرائيل. في حال قضت إسرائيل على التهديد، فستضطر للسيطرة على غزة؛ هذا الفخ هو السبب وراء أن كل التهديدات ضد حماس في غزة مجرد عناوين فارغة.
في ظل الواقع الاستراتيجي الذي خلق حول غزة، فإن حماس هي الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل، سأحاول في هذا المقال إثبات هذا الاستنتاج، وسأطلب من القارئ ألا يقرأ المقال كرأي سياسي، بل كتحليل للواقع الاستراتيجي، كما سأؤكد في المقال على الجانب الاقتصادي، الأمني، السياسي، وأفكار بشأن حل الدولتين للخروج من الفخ.
إسرائيل لا تريد أن تحكم غزة
في قطاع غزة يعيش حوالي 1.9 مليون شخص، المكان الأكثر ازدحامًا في القطاع هي مدينة غزة بكثافة سكانية تصل لـ 8.150 نسمة لكل كيلو متر مربع، ليس المكان الأكثر ازدحامًا حول العالم، لكنه مزدحم، أما باقي المناطق فهي أقل ازدحامًا، متوسط الأفراد للعائلة يصل لـ 4.5 طفل حتى عام 2015، نسبة البطالة بغزة تصل لـ 40-50%، حسب مصدر البيانات. وعلى جهة معينة أن تزود سكان غزة بالخدمات مثل الكهرباء، الماء، الغذاء، الصحة، تطوير البنى التحتية، العمل والتعليم، وغيرها.
إدارة الحياة في غزة ليست بالأمر الهين، فإسرائيل حوّلت هذه المشكلة للسلطة الفلسطينية في اتفاق القاهرة الذي تم توقيعه في 1994، الاتفاق الذي أنهى الحكم العسكري لإسرائيل في غزة، في 2005 إسرائيل خرجت من "غوش قطيف" (فك الارتباط)، وفي 2007 حماس سيطرت على غزة وما زالت تسيطر عليها حتى اليوم. لو رجعنا للتاريخ، كل تنظيم حكم غزة بعد إسرائيل حوّلها لمشكلة أمنية بالنسبة لإسرائيل.
أحد الأسباب وراء صعوبة إدارة غزة هو عدم وجود وضع اقتصادي، فالمعابر البرية تسيطر عليها إسرائيل ومصر، المجال البحري والجوي تسيطر عليه إسرائيل، لا يوجد في غزة ميناء بحري أو مطار. فعليًا، الذي يسيطر على غزة (بغض النظر عمّن هي الجهة) ليس لديه سيطرة على الصادرات والواردات التجارية، وهذا يؤثر بشكل مباشر على قدرات تطوير الاقتصاد ومستوى الحياة للسكان.
سبب آخر متعلق بذلك هو أن التنظيم الإرهابي الذي يخطط لتدمير إسرائيل يدير غزة، وهذا يؤثر بشكل مباشر على قدرات إسرائيل في المساعدة بتطوير اقتصاد غزة، كل مساعدة للسكان المدنيين ستصب في مصلحة التنظيم الإرهابي. أريد أن أقول: كل استثمار لسكان غزة هو أيضًا استثمار لتطوير الإرهاب في غزة؛ هذا الواقع عبثي، من ناحية اقتصاد غزة فهو يعتمد على إسرائيل التي تسيطر على واردات وصادرات المنتجات منها وإليها، ومن ناحية أخرى نفس الاقتصاد يدعم تنظيم حماس الإرهابي الذي يريد تدمير إسرائيل، أي دولة يمكن أن توافق على تطوير جهة تريد تدميرها؟
هذا الفخ يُبقي إسرائيل أمام خيار واحد، وهو بذل قصارى جهدها من أجل إبقاء غزة في وضع اقتصادي سيئ، باقتصاد يسمح للسكان الغزيين بالبقاء، لكن ليس أكثر من ذلك. هذا لا يرتبط بوجهة نظر سياسية، هذا قرار استراتيجي أمني ولد نتيجة لعدم وجود خيار آخر. إسرائيل لا تمتلك حقًا حرية الاختيار في كل ما يتعلق بالاقتصاد الغزي طالما أن حماس تسيطر عليها (أو كل جهة تسعى لتدمير إسرائيل).
هذا الفخ هو السبب وراء نسبة البطالة العالية جدًا في غزة، وهذا أيضًا السبب وراء عدم امتلاك غزة مزايا للتقدم للاقتصاد العالمي، ممّا يسمح لها بجذب الاستثمارات. الفشل في غزة نابع من غياب تطوير البنى التحتية ورأس المال البشري، ليس هناك شركة كهرباء منتظمة العمل ومعتمد عليها لأنها تتطلب صناعة مستندة على أساس تكنولوجي، ليس هناك تدريب على نطاق واسع للقوى البشرية، خصوصًا في صفوف الشباب، للمجالات المطلوبة في الاقتصاد. حتى وإن ظهر غدًا تنظيم جديد في غزة غير إرهابي وصعد للحكم فسيحتاج لسنوات وثروة من أجل ان يجلب الاستثمار إليها.
هذا الفخ مريح بالنسبة لإسرائيل ومصر، بسبب القلق من أن تستغل حماس الازدهار الاقتصادي في تطوير آليات القتال مثل الصواريخ والأنفاق. هذا الفخ أيضًا يؤكد المنطق وراء نشاطات إسرائيل التي لا تريد، من جانب مساعدة حماس، ومن جانب آخر لا تريد القضاء عليها.
الهدف: الوضع الراهن أمام حماس
ما وراء بُعد الادارة المدنية، في غزة هناك وضع أمني خاص. كما ذُكر سابقًا، غزة هي نظام اقتصادي فاشل، ممّا يخلق ضغطًا اجتماعيًا بسبب مستوى الحياة المتدني؛ هذا الضغط يخلق ترددًا داخليًا وتوترًا بين السكان المدنيين بخصوص الحكم المركزي لحماس. ومثال على ذلك، أزمة الكهرباء الأخيرة في غزة.
في المقابل، حماس تشكل ضغطًا خارجيًا على إسرائيل بهدف تدميرها، ومن أجل تمويل هذا الضغط تستغل السكان اقتصاديًا، الحديث هنا عن سكان يعيشون في فقر بالغالب، حماس تتلقى تمويلًا من جهات خارجية مثل إيران، السعودية، قطر أو دول أخرى، الدول الممولة تريد تحقيق مصالح إقليمية من خلال حماس. على الأغلب عن طريق استغلال حماس ضد إسرائيل.
أي أن، حماس مضطرة لإدارة التوتر أمام السكان المحليين، أمام إسرائيل، وأمام مموليها من الخارج. على حماس أيضًا أن تتعامل مع جهات أخرى إضافية، أصغر حجمًا، تعمل في غزة حسب مصالح لا تتوافق مع مصالح حماس. من وجهة نظر إسرائيلية، يشكل هذا نظام ضغوطات متعددة، صعب التنبؤ بها، ممّا يخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني.
بالنسبة للحدود مع غزة، في الجانب الإسرائيلي توجد مستوطنات غلاف غزة، بالنسبة لحماس فهم ورقة مساومة أمام إسرائيل. صواريخ، أنفاق، تهديد بالاختطاف صواريخ مضادة للدبابات، طائرات بدون طيار وكل آليات الهجمات التي تمتلكها حماس.
إسرائيل من جانبها لا تريد احتلال غزة من جديد، ولا تريد أن تهدد حماس مواطنين إسرائيليين وأن تضر بالاقتصاد الإسرائيلي الذي يستند على جذب مستثمرين من الخارج؛ لذلك تلجأ إسرائيل لسياسات الاحتواء، وتطبيقًا لذلك، يستخدم الجيش أمام حماس نهج "العين بالعين"، وهذه الاستراتيجية تم اللجوء إليها للحفاظ على الاستقرار.