أضحت زيارة المطعم للفلسطيني الكفيف، عبد العزيز أبو شعبان، أمرًا ممتعًا كما يفترض أن يكون، يستقطع فيه لنفسه وقتًا للسعادة والترفيه، ولم تعد شيئًا محرجًا يتردد في فعله.
فسابقًا، كان “أبو شعبان” يشعر بعدم الارتياح عند ارتياده للمطاعم، لما يسببه ذلك من حرج له أثناء سؤال النادل عن جميع أصناف الطعام الموجودة أو أسعارها.
أما الآن، وبعد أن أضافت بعض مطاعم غزة، قوائم طعام مكتوبة بلغة “برايل”، صار “أبو شعبان” يتناول وجبة طعام خارج المنزل، وقتما يشاء.
وفي مطعم “قرطبة”، غرب مدينة غزة، كان يجلس “أبو شعبان” على الأريكة يلامس بأصابعه حروف قائمة الطعام البارزة ويتمتم بشفتيه ما تقرأ يداه.
ويقول الرجل الذي أصيب بضمور في العصب البصري عندما كان في عمر السابعة: “الآن أشعر بحرية في اختيار ما أريد، هذه القوائم خطوة على الطريق الصحيح لتحقيق العدالة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية”.
وأضاف “أبو شعبان” الذي يعمل مدرسًا بمدرسة للمكفوفين، للأناضول: “لم يكن لدي استقلالية وحرية في الحصول على المعلومة، ومعرفة السعر على سبيل المثال حتى أعرف هل يوافق ميزانيتي أم لا”.
وكانت مطاعم قطاع غزة، تفتقر لقوائم طعام خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والآن أصبحت تتواجد في نحو 7 من أشهر مطاعم القطاع.
واقترح خمسة من طلاب الثانوية الفلسطينيين فكرة إعداد تلك القوائم، التي لاقت قبولاً من أصحاب المطاعم.
وبوجود هذه القوائم، كسر الشاب “بدر عبد القادر”، أي حاجز يحول دون ارتياده للمطعم، كما يقول للأناضول.
على عصاه يتكأ عبد القادر (32 عامًا)، للوصول إلى مقعد فارغ داخل المطعم، ويقرأ قائمة الطعام بنفسه.
ويقول “عبد القادر” الذي يعمل ناشطًا شبابيًا مجتمعيًا في مجال ذوي الإعاقة إن “المكفوفين يعانون من صعوبات جمة على مستويات عديدة، وزيارة المطعم إحداها”.
وتابع:” كنت أصادف أحيانًا نادلاً لا يعرف القراءة، أو أشعر بالحرج، فاضطر لطلب أي شيء، ونادراً ما كنت أذهب للمطعم، الآن أختار ما أريد دون سلطة أو مساعدة من أحد”.
مستدركاً: “أصبحنا نشعر بأننا شركاء مع الأشخاص الآخرين”.
والشهر الماضي، قالت وزارة الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة، إن أعداد ذوي الإعاقة بلغ في القطاع حوالي 50 ألف شخص، دون أن تحدد أي تصنيف لهم.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) قد قال عام 2015، إن عدد الأشخاص الذين يعانون من إعاقة بصرية في غزة يبلغ حوالي 6905 أشخاص من أصل نحو مليوني نسمة بالقطاع.
ويقول أحد أصحاب الفكرة، محمود أبو جياب (16 عامًا)، والطالب في السنة الثانية بالمرحلة الثانوية، إنه يسعى إلى دمج هؤلاء الأشخاص في المجتمع بشكل أكثر، من خلال قائمة طعام “برايل”.
وأضاف : “نريد أن نشعرهم بالمساواة مع بقية زبائن المطاعم، ونرفع عنهم الحرج”.
ويشير “أبو جياب” إلى أنه يريد للأشخاص غير المبصرين أن يختاروا وجباتهم بحرية.
وكان مشروع “أبو جياب” الذي نفذه برفقة أربعة من أصدقائه، بعد مشاركتهم في مخيم تدريبي، استهدف طلاب بعض المدارس لتعليمهم التفكير الناقد والإبداع العلمي.
وبلغت تكلفة المشروع نحو 150 دولاراً أمريكياً، وفق القائمين عليه.
من جانبه، يقول باسل المدهون، المدرب التنموي في مؤسسة النيزك (غير حكومية)، والمسؤول عن الفريق: “قوائم الطعام موجودة في نحو 7 من أشهر مطاعم غزة”.
ولفت إلى أن الفكرة لاقت إعجابا وتشجيعا وقبولاً كبيراً من أصحاب المطاعم.