تزايدت في الآونة الأخيرة حالات الانتحار في قطاع غزة، هروبا وخلاصا من الضغوط الاقتصادية وحالة اليأس والإحباط الشديد الذي يعاني منه المواطنون منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مشددا على القطاع منتصف عام 2007.
ودق مراقبون ومختصون في علم النفس والاقتصاد، منذ فترة ناقوس الخطر في ظل تزايد حالات الانتحار في قطاع غزة، حيث تشير التقارير الحقوقية والطبية إلى أن هناك عشرات محاولات الانتحار شهريا لا يتم الإفصاح عنها.
وكان مواطن فلسطيني أقدم ، على إشعال النار في نفسه وجثث أبنائه بعد قيامه بقتلهم واحدا تلو الآخر وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
يأتي ذلك بعد شهر واحد من إقدام فلسطيني على الانتحار حرقا في يناير الماضي، أمام إحدى الجمعيات الخيرية في مخيم البريج وسط قطاع غزة، في وقت رصدت إحصائيات حقوقية 73 حالة انتحار في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2012 غالبيتها في قطاع غزة، على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع.
وتشير تقارير فلسطينية رسمية، إلى أن العام الماضي شهد 14 حالة انتحار في الضفة الغربية وقطاع غزة من أصل 227 محاولة انتحار غالبيتها شنقا أو بالتسمم والأدوية.
وترفض عائلات قطاع غزة الحديث عن حالات الانتحار بسبب العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع المحافظ، كما ترفض السلطات الرسمية إعطاء أرقام حقيقية حول محاولات الانتحار لأسباب كثيرة من بينها الخشية من توظيفها لأسباب سياسية.
ويقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة سمير أبو مدللة، إن "الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عشر سنوات على قطاع غزة واستمرار الانقسام الداخلي، أدى إلى إفراز ظواهر غريبة كالفقر وحالة البطالة التي تصل إلى نسبة 43%، و230 ألف عاطل عن العمل بينهم 100 ألف خريج جامعي، وانعدام الأمن الغذائي للأسر الفلسطينية"، مشيرا إلى أن 80% من الفلسطينيين يتلقون مساعدات إنسانية.
ويوضح أبو مدللة في حديثه مع الغد، أن منع التحرك والسفر في قطاع غزة واستمرار الضغوط النفسية التي يعاني منها المواطنين بسبب حالة الحصار والانقسام وعدم توفر العمل، تدفعهم للانتحار، ويضيف "الشباب الذين لا يستطيعون مواجهة تلك الضغوطات بسبب عدم توفر العمل وحالة الفقر وعدم اعالة أسرهم تدفعهم للانتحار تحت مسمى :الارتياح و إراحة الآخرين من حولهم".
ويرفض أبو مدللة اعتبار تكرار حالات الانتحار في قطاع غزة بأنها "ظاهرة" رغم تزايدها وارتفاعها، ويؤكد أن القضاء عليها مرتبط بتحسن الظروف الاقتصادية للقطاع والعمل على توفير فرص عمل للعاطلين وخاصة الشباب، وإفساح المجال أمام حرية التنقل.
ووصلت معدّلات البطالة حسب إحصاءات الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ إلى 43.2%، فيما وصلت معدّلات الفقر إلى 38.8%، بينما بلغ عدد الذين يعتاشون من مساعدات المؤسّسات الدوليّة كوكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "الأونروا"، نحو مليون ونصف مواطن في 2016.
من جانبه، يصف عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في فلسطين، الظروف التي يعاني منها قطاع غزة بأنها "معقدة وصعبة" بسبب ارتفاع حالات الفقر، موضحا أن كل ما يهدد النسيج الاجتماعي والحالة التي تحافظ على استقرار المواطنين نفسيا في حالة اختلال.
وأوضح يونس في حديثه مع صحيفة الغد، أن الانتحار وجرائم القتل هي ظواهر جديدة وغير مسبوقة في مجتمع قطاع غزة ولها أبعاد خطيرة، سببها الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي، معرباً عن تخوف مؤسسات حقوق الانسان إزاء استمرار ذلك الوضع.
وفي تعليقها على حادثة قتل أب أولاده الثلاثة وإضرام النار في نفسه جنوب قطاع غزة، اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن تفشي الظواهر الاجتماعية المرضية بالقطاع جاءت نتاج سياسات ثأرية هدفت استمرار الضغط على المواطنين، ومحاولات تقويض صموده واستزراع اليأس في نفوسهم عبر سياسات ساهمت في تزايد معدلات الفقر والبطالة وصلت لحدود التجويع القاسي والممنهج للشعب.
وقالت الجبهة في بيان لها، أن الأوضاع المأساوية في القطاع تدفع المواطنين في غزة نحو الارتداد على الذات مما يسبب ارتفاع معدلات محاولات الانتحار والظواهر الغريبة عن المجتمع وتقاليده، والتي باتت تهدد الأمن الاجتماعي وتعمل على تقويض الحاضنة الاجتماعية للمقاومة.
وشددت الجبهة على أن وضع العراقيل أمام انهاء الانقسام، واستعادة الوحدة والحلول الوطنية لمشكلات وأزمات شعبنا وتوحيد جميع الطاقات والجهود في مواجهة الاحتلال والحصار الإسرائيلي، سيفاقم من معاناة القطاع، وسيزيد من الضغط عليهم.
وفي السياق، يقول النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد دحلان، إن "وقائع قتل النفس، باتت ظاهرة، نشأت وتفاقمت في مجتمع لم يعرفها من قبل، وباتت تتلازم مع مسار التحول المقلق في المنظومة القيمية التي أوقعها في بلادنا، الانسداد الاقتصادي والاجتماعي والقهر الأمني، وعزوف الطبقة السياسية عن مواجهة المشكلات الحقيقية، التي يعاني منها الناس في حياتهم".
قناة "الغد"