يخشى الفلسطينيون من مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لإقناع دول العالم، خصوصاً أميركا وأوروبا، باستبدال الحل الدولي المعروف بـ «حل الدولتين»، بحل آخر بديل يتمثل في ما أسماه «دولة ناقص»، أي كيان فلسطيني يقام على حوالى نصف مساحة الضفة الغربية، من دون القدس، تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
ويقدم نتانياهو مسوّغات أمنية لاقت بعض القبول لدى بعض الجهات الغربية، خصوصاً الإدارة الأميركية الجديدة، مثل القول إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يحمل معه فرصة تحولها إلى «دولة إرهاب إسلامي» جديدة في المنطقة، أو قوله في مقابلة مع إحدى الصحف الأميركية في محاولة لتسويق فكرته لدى الجمهور الأميركي والغربي:
«دول قوية انهارت في المنطقة، وحل محلها إسلاميون متطرفون مع أعلام بلون أخضر أو بلون أسود».
وشهدت مراكز بحث إسرائيلية أخيراً نقاشات جدية في شأن البدائل المقترحة لحل الدولتين، شملت إقامة حكم ذاتي فلسطيني داخل إسرائيل، أو إقامة كونفيديرالية فلسطينية - إسرائيلية، أو إقامة كونفيديرالية فلسطينية - أردنية، أو إقامة كيان فلسطيني داخل دولة إسرائيل يجري فيه تبادل سكاني، وضم الكتل الاستيطانية والسكان الفلسطينيين الذين يعيشون في نطاقها.
وتبنى بعض الأوساط اليسارية الإسرائيلية فكرة الكونفيديرالية الإسرائيلية - الفلسطينية، ومن بينهم أبراهام بورغ الرئيس السابق للكنيست (البرلمان) الذي قال في أكثر من لقاء إن الكونفيديرالية هي الحل الأمثل لأنها تتغلب على مشكلتيْ الأمن والتقسيم، وتتيح تشكيل حكومتين واحدة لليهود تكون مسؤولة عن جميع التجمعات اليهودية بين البحر والنهر، والثانية فلسطينية تكون مسؤولة عن إدارة التجمعات الفلسطينية بين البحر والنهر.
وقوبل هذا الاقتراح برفض واسع بين الفلسطينيين، بمن فيهم الفلسطينيون في إسرائيل، لأنه يعني عملياً بقاء المستوطنات في الضفة الغربية، ومقايضة المستوطنين بفلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وعددهم مليون ونصف المليون.
ويبدي الكثير من الفلسطينيين قلقهم من أن يجري فرض هذا الحل في المستقبل بسبب غياب البدائل، خصوصاً في ضوء البناء الاستيطاني المتسارع الذي يجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق، ذلك أن إقامة دولة فلسطينية يقتضي حل مشكلة كبرى تتمثل في وجود حوالى 250 مستوطنة يعيش فيها حوالى 800 ألف مستوطن.
وطرح بعض الأوساط اليمينية الإسرائيلية خياراً ثانياً هو الكونفيديرالية الأردنية - الفلسطينية، ويقضي بنقل السيادة على التجمعات السكانية الفلسطينية إلى حكومة مشتركة أردنية - فلسطينية. وطرحت هذه الأوساط هذا الخيار بهدف التغلب على ضيق مساحة التجمعات الفلسطينية المقامة على حوالى نصف الضفة، بعد مصادرة وضم النصف الآخر لمصلحة المستوطنات. لكن الفلسطينيين رفضوا هذا الاقتراح لأنه يلتف على فكرة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات.
ويقترح حزب «إسرائيل بيتنا» حلاً يقوم على مقايضة فلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بالمستوطنين. وينص هذا الاقتراح الذي يقدمه رئيس الحزب أفيغدور ليبرمان في المحافل المختلفة، على نقل منطقة المثلث التي تضم تجمعاً سكانياً فلسطينياً كبيراً في إسرائيل، إلى السلطة الفلسطينية في مقابل ضم المستوطنات إلى إسرائيل.
ويلتقي اقتراح ليبرمان مع اقتراح نتانياهو الذي يدعو إلى بقاء الكيان الفلسطيني تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
وثمة اقتراح آخر يعمل حزب «البيت اليهودي» بقيادة نفتالي بينيت بقوة على ترويجه بين الإسرائيليين، وهو ضم المستوطنات والمنطقة «ج» التي تشكل 60 في المئة من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وإبقاء السلطة الفلسطينية على التجمعات السكانية الفلسطينية التي تشكل 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية.
وثمة اقتراح شبيه قدمه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين ينص على ضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية ومعها السكان الفلسطينيين الواقعين في نطاق هذه الكتل وعددهم 90 ألفاً، ومنحهم الجنسية الإسرائيلية.
ويقترح الفلسطينيون الدولة الواحدة بديلاً لحل الدولتين. وقال الدكتور صائب عريقات في رده على اقتراح مسؤول في إدارة ترامب البحث عن حل بديل لحل الدولتين: «من لا يريد حل الدولتين عليه أن يقبل حل الدولة الواحدة التي يتساوى فيها في الحقوق كل السكان من مسلمين ومسيحيين ويهود». لكن إسرائيل ترفض بشدة هذا الحل وتعتبره بداية انهيار إسرائيل كدولة ذات غالبية يهودية.
ولم تعد الحكومة الإسرائيلية تخفي سعيها لتطبيق حل «دولة ناقص» في الضفة الغربية من دون القدس والأغوار والمستوطنات التي تشكل معاً أكثر من 50 في المئة من الضفة الغربية. ويسعى نتانياهو لتسويق هذا الحل لدى العرب أيضاً، عارضاً هذا المشروع ضمن «ًصفقة» شاملة في المنطقة، تتضمن تحالفاً أميركياً- إسرائيلياً مع الدول العربية السنية في مواجهة ما اسماه «الخطر الإيراني».
ويخشى بعض المراقبين الفلسطينيين أن ينجح نتانياهو في تحقيق هذا الهدف أو شيء قريب منه، مستفيداً من وجود إدارة أميركية متفهمة وداعمة له، ووجود قلق عربي متنام من النفوذ الإيراني، وانقسام وضعف فلسطيني، وانهيار عدد من دول المنطقة جراء الصراع على السلطة.
لكن مراقبين إسرائيليين حذروا من أن الضغط على الفلسطينيين لقبول هذا الحل سيؤدي إلى انفجار جديد على شكل انتفاضة ثالثة.