قال الإمام الشافعي رحمه الله : "أرفع الناس قدراً من لا يرى لنفسه قدراً ، وأرفع الناس فضلاً من لا يرى لنفسه فضلاً".
بماذا يتفاضل الناس في الدنيا؟ هل يتفاضلون في اللون ؟ أم في المنصب؟ أم في ماذا ؟ لا شك أن العلم والمعرفة هي أرفع درجات التفاضل في الدنيا ، لكن عند الله عز وجل القاعدة مختلفة تماماً "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" هذه هي القاعدة التي يتفاضل الناس فيها عند ربهم تبارك وتعالى. ولقد جاء في السُنّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".
الإسلام حث على التواضع وأمر به ، وحرّم الكبر ونبذ الكراهية والعنصرية والتفاخر والرياء والبطر.
وما امتدح الله التذلل إلا في موضعين من كتابه العزيز، الموضع الأول: في الآية 54 من سورة المائدة "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" ، والموضع الثاني: في الآية 24 من سورة الإسراء "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ".
الإنسان المؤمن لا يستعلي بعبادته على الناس ، لا يتطاول على أحد ، فالإيمان يُربي النفس ويُهذب الأخلاق ويُنمي فيها المكارم.
وتأملوا قول الحق تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" ، الكلام هنا موجه لرسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فإذا كان الله عز وجل قد حث نبيه على ذلك ، فكيف الحال بنا؟! إذا كان مطلوباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم خفض الجناح، فما المطلوب منا؟!
للأسف الشديد الناظر في علاقاتنا الداخلية يجد العجب العجاب ، يجد التباهي والتفاخر والرياء والاستعلاء والتطاول والكبر ، أمراض أصيب بها المجتمع ، ونحن لا زلنا في قاع الأمم للأسف الشديد .. والله لو أن من يتكبرون قد حققوا شيئاً ملموساً في الحياة أو أنجزوا انجازات مشهودة لكان من الممكن أن نلتمس لهم أعذاراً ، لكن ماذا حققنا ؟
الله عز وجل في كتابه العظيم يحذرنا من هذا النوع من التكبر فيقول تعالى: "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا". في المقابل امتدح الله المؤمنين فقال: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا"
إن الإسلام ينظر إلى الكبر على أنه نوع من أنواع البغي والعدوان ، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد" .
فإذا فهمنا نظرة الإسلام إلى الكبر بأنه بغيٌ وعدوانٌ ، فعلينا أن نقرأ قول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز : " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ". ولقد جاءت هذه الآية الكريمة في سورة القصص في معرض الحديث عن قصة قارون المفتون بماله ، المتعالي على الخلق بسلطانه.
التواضع يشيع بين الناس حالة من الألفة والمودة ، ويؤسس لمجتمع يقوم على التكامل بين أبنائه، أي أن كل فرد في المجتمع يقوم بدور مكمل لدور الآخر ، المجتمع يحتاج إلى الفلاح والمزارع والعامل كما يحتاج إلى العالم والطبيب والمدرس والمهندس .. المهم أن يكون أفراد المجتمع أفرادٌ منتجون ونافعون لأنفسهم ومجتمعاتهم.
التواضع يعني أن يخضع جميع الأفراد وتخضع جميع الجماعات للحق ، وهذه مسألة قد لا ينتبه إليها كثير من الناس خاصة من كلفوا بالمسؤوليات .. إذا نصحتهم لا يقبلون النصيحة ، وإذا عرفوا الحق لا يقفوا عنده .. هذا مرضٌ خطيرٌ وداءٌ ينذرُ بالخراب والعياذ بالله.
والله عز وجل حذر من هذا الداء : "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ".


