بعد بيان احتجاج السلطة الفلسطينية والأردن ضد نية إدارة ترامب نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب للقدس، والقلق الذي أعرب عنه الرئيس المصري السيسي حول الأمر؛ انضم أيضًا ملك المغرب محمد السادس للجهود الفلسطينية ضد نقل السفارة للقدس.
في رسالة نقلها هذا الأسبوع لرئيس السلطة محمود عباس، أعرب عن قلقه من أن نقل السفارة للقدس "قد يهدم جهود إيجاد تسوية سياسية للمشكلة الفلسطينية، ولا داعي للتحدث عن تداعيات الأمر على الوضع الأمني والهدوء في الشرق الأوسط والعالم بأكمله"، وأدان في الرسالة أيضًا استمرار سياسات البناء لإسرائيل في القدس الشرقية، ووعد بفعل كل ما بوسعه من أجل حمايتها وحماية سكانها.
ملك المغرب يقف على رأس "لجنة القدس" لـ "مؤتمر الدول الإسلامية"، ربما رغم القلق الذي أعرب عنه في الرسالة إلا أنه لم يقترح حتى الآن اجتماع اللجنة لمناقشة القضية. العالم العربي والإسلامي أغلبه صامت في ظل نية إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، الأمر الذي يقلق جدًا السلطة الفلسطينية ومن يقف على رأسها، الرسائل التي وصلت من دول عربية للسلطة الفلسطينية كلها تقول أنه يجب الانتظار ريثما نرى ماذا سيحدث في نهاية الأمر، حيث ان الرئيس ترامب متحفظ حتى الآن عن الإعلان عن نقل السفارة للقدس، وينتظر اجتماعه برئيس الحكومة نتنياهو في الـ 15 من فبراير.
حسب مسؤولين بارزين في فتح، فالسلطة الفلسطينية واقعة في فترة سياسية صعبة، نبيل عمرو، أحد قادة فتح البارزين في الضفة، وصف الوضع بجملة واحدة "السلطة الفلسطينية قابعة بين مطرقة نتنياهو وسندان ترامب".
الرئيس الجديد دونالد ترامب لم يصغ بعد سياساته كرئيس فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكن مواقفه في حملته الانتخابية - التي لم يتنازل عنها منذ دخوله البيت الأبيض، وجزء من الإجراءات الأولية التي اتخذها كرئيس - تُقلق جدًا السلطة الفلسطينية.
- الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية للشعب اليهودي.
- الاستيطان لا يعتبر "عائقًا أمام السلام"، الرئيس ترامب يعتقد ان قرار 2334 في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد سياسات الاستيطان غير مبرر.
- يجب تنفيذ صفقة بين إسرائيل والفلسطينيين عن طريق مفاوضات مباشرة بين الجانبين بلا شروط مسبقة، لكن الرئيس ترامب ملتزم بأمن إسرائيل.
- يجب نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب للقدس.
- فتح عهد جديد وجيد في علاقات إسرائيل والولايات المتحدة خلافًا لفترة إدارة أوباما، الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بلا قيود، في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
- تجميد مبلغ يقدر بحوالي 221 مليون دولار، صادق الرئيس أوباما على نقله للسلطة الفلسطينية قبل مغادرته للبيت الأبيض بوقت قصير.
- أولويات الإدارة الجديدة هي التعامل مع المشاكل الداخلية حسب مبدأ "أمريكا أولًا"، محاربة "داعش" والإسلام المتطرف، والتعامل مع الخطر الإيراني، وليست الأولوية لقضية التعامل مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
- فراغ بوزارة الخارجية في أعقاب استقالة وزراء، بعد دخول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، ممّن تعاملوا مع المشكلة الفلسطينية.
ويجب ان نضيف لذلك القلق الكبير في صفوف السلطة الفلسطينية، الذي يعرب عنه مسؤولون في السلطة في غرف مغلقة من أجل أن لا يوصفوا كمتطرفين أو معادين للسامية، هو أن شخصيتين مركزيتين في إدارة أوباما مفترض ان تتعاملا مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني هما من أصل يهودي يدعمان سياسات الاستيطان لحكومة نتنياهو.
خيارات سياسية محدودة
حتى الآن، العلاقة الوحيدة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الجديدة هي بوساطة القنصل العام الأمريكي في القدس دونالد بلوم، مضت الأيام التي يستطيع فيها مسؤولو السلطة الفلسطينية، مثل صائب عريقات، الاتصال بشكل مباشر مع وزيرة الخارجية الأمريكي أو مسؤولي الخارجية الأمريكية من أجل أن يتعاملوا مع مشاكلهم.
رئيس السلطة الفلسطينية، خلافًا لرئيس الحكومة نتنياهو، لم يُدع للبيت الأبيض، والرئيس ترامب لم يرد عليه بعد على الرسالة التي أرسلها إليه حول نقل السفارة للقدس.
السلطة الفلسطينية تعيش اليوم أزمة سياسية، مجال المناورة السياسية الخاص بها تقلص بعد دخول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وهي تدرس طرق عمل مختلفة خصوصًا كرد ممكن على نقل السفارة الأمريكية للقدس. الخطة التي صاغتها السلطة كرد على نقل السفارة للقدس مثل إلغاء اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، إلغاء اتفاق أوسلو، التوجه للأمم المتحدة بطلب قبولها كدولة عضو وغيرها، تظهر رويدًا رويدًا على أنها خطة هدفها تخويف الإدارة الجديدة وردعها.
الخطة نجحت حتى هذا الوقت بوقف الإعلان عن نقل السفارة للقدس، لكن مسؤولون في السلطة يقدرون - بشكل غير رسمي - أن الرئيس عباس لن يجرؤ للخروج في مواجهة كهذه مع إدارة ترامب. مع ذلك، القلق الحقيقي في السلطة الفلسطينية هو من الإجراءات التي قد يتخذها ائتلاف اليمين الإسرائيلي استغلالًا لموقف الرئيس ترامب المتعاطف معهم وقلة خبرته السياسية من أجل فرض حقائق في المنطقة تضر بشكل كبير باحتمال "حل الدولتين".
الخوف الفلسطيني هو من تمرير "قانون التسوية" في الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة، وطلب حزب "البيت اليهودي" ضم "معاليه أدوميم" كمرحلة أولية في خطة ضم كل مناطق (C) في الضفة.
حسب مصادر فلسطينية، فالسلطة الفلسطينية تخطط للتوجه قريبًا للمحكمة الجنائية في لاهاي من أجل التعامل مع قضية الاستيطان، في ظل إعلان حكومة إسرائيل عن استمرار البناء خلف الخط الأخضر. الفلسطينيون أيضًا يفكرون بالتوجه لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بطلب تطبيق قرار 2334 حول الاستيطان، لكنهم يخافون من الفيتو الذي قد تفرضه إدارة ترامب.
بعد شهرين سيُعقد مؤتمر القمة العربية، وفي حال لم يتم أي تغير في سياسات إدارة ترامب في الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي لصالح الفلسطينيين؛ سيكون بإمكان اللجنة استغلال فرصة جيدة لصالح الفلسطينيين لمحاولة حشد العالم العربي، من ناحية معلنة، لدعم القضية الفلسطينية: حل الدولتين، القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ومعارضة استمرار البناء.
حسب مصادر في السلطة الفلسطينية، أحد المشكلات الأساسية التي تقف في وجههم هو موقف مصر الذي قد يعمل على عرقلة قرارات المؤتمر، الرئيس السيسي يريد أن يحافظ على علاقات جيدة مع الرئيس ترامب الذي وعده بالمساعدة في حرب الارهاب ضد "داعش" وحركة الاخوان المسلمين، وبالمساعدة المالية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر حاليًا.
حسب مسؤولين في فتح، بالرغم من الأزمة السياسية الجديدة التي خلقت؛ إلا أن الرئيس عباس غير مستعد للخضوع لما تمليه عليه إدارة ترامب أو إسرائيل، وهو سيستمر في نهجه. عباس سينتظر ليرى لأين تسير الرياح وبعدها سيقرر كيف يتصرف، التقدير في السلطة هو أن الإدارة الجديدة لا تنوي تمامًا نقل السفارة من تل أبيب للقدس، بل بشكل تدريجي، وأن الأمر لن يتحقق قبل الصيف.
حسب قول مسؤولين في السلطة، الرئيس أوباما وقع في شهر ديسمبر 2016 على أمر منع نقل السفارة للقدس طوال نصف عام وغير ممكن نقلها لأي مكان قبل 1 يونيو 2017، السفير الأمريكي بإمكانه العمل من شقته الخاصة في القدس أو من أحد المكاتب في مبنى القنصلية في شارع "اغرون" في القدس. بشكل فعلي ثمة احتمال بأن تتخذ السلطة إجراءات أحادية الجانب. عباس قد يقرر ان يقدم استقالته وعن حل السلطة احتجاجًا على السياسات المؤيدة للإسرائيليين من قبل إدارة ترامب.
هذا ويقدر مسؤولون كبار في السلطة أن عباس سيكشف عن طريقة براغماتية ويحاول ان يسوي الأمر مع الإدارة الجديدة، وسيوافق على استئناف المفاوضات مع إسرائيل بلا شروط مسبقة.
المصلحة الأهم في السياسة الفلسطينية هي السياسة الشخصية، عباس يريد أن يضمن لنفسه تقاعدًا هادئًا من رئاسة السلطة بعد أن يتم تعيين خليفة، وعليه أن يحرص على سلامته وسلامة عائلته وانتقالهم الآمن للعيش في قطر؛ لذلك فهو لن يؤيد انتفاضة جديدة في الضفة، حتى وإن كان من حين لآخر يسمح، بحذر، بمظاهرات وأعمال عنف بشكل خفيف من أجل تهديد إسرائيل وإدارة ترامب، ومن أجل أن يظهر لأبناء شعبه أنه لن يتخلى عن الخطوط الحمراء (الثوابت) للمشكلة الفلسطينية.