نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية بعضا من أسرار نشاط قائد العمليات الخاصة بإسرائيل، من لحظة سماعه بخبر اغتيال القيادي الفلسطيني أبو جهاد، وقرار دخول الجيش، وحلم اغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وفي مقاله المنشور بالصحيفة، رمز كاتب المقال، بن كاسبيت، للقائد بـ"العقيد أ"، الذي أنهى 28 عاما من الخدمة في الجيش، وتقاعد في سن الـ46.
ونشر كاسبيت جزءا من الحوار مع "العقيد أ":
متلازمة أبو جهاد
لم يكن أ. يفكر في البقاء في الجيش سنين طويلة. فقد أراد أن يكون رياضيا ولاعب كرة قدم. وبعد أن عرضت عليه دورة للانضمام للوحدات الخاصة وافق واكتشف أن الأمر جدي.
لقد حاولت أن تكون رأس صغير والجيش جعل منك رأس كبير؟
“شيء يشبه ذلك. قبل انضمامي الى الجيش بعدة اشهر سمعت في المدرسة أن الجيش اغتال أبو جهاد. فقلت بيني وبين نفسي هذه هي الامور التي اريد القيام بها”.
هل اعتقدت أنك ستفعل امور كهذه بالضبط؟
“نعم. عندها وصلت الى الوحدة الاركانية. لكني فكرت فقط في العمليات وليس بالقيادة. وفي السنوات الاولى اجتزت تجارب تقشعر لها الأبدان. امور لا يمكن التحدث عنها أبدا”.
ما هي التجربة المفصلية الاولى لك؟
“بدون شك عملية تساليم ب. كنت حينها في الـ 22 من عمري وكنت مملوءا بالطاقة، وعلى استعداد لأن أصل الى أي هدف والى أي مكان. وأن لا أنام لاشهر. أو أصل النهار بالليل من اجل تنفيذ المهمة”.
الجيش حول مناسبة كان من المفروض أن يشارك فيها صدام حسين.
هل كنتم تعرفون في هذه المرحلة عن طبيعة العملية، أم أنكم كنتم تعملون بشكل تقني دون معرفة الهدف؟
“في البداية لم نكن نعرف، ولكن في نهاية الاستعدادات كنا نعرف”.
ألم تقولوا لانفسكم أن هذا هو الجنون بعينه؟
“لا. العكس هو الصحيح. فهذا لا يضخ كمية كبيرة من الادرينالين الينا. وأنا أذكر اليوم الذي سمعت ىفيه عن قتل أبو جهاد، وأقول بيني وبين نفسي أنا هنا من اجل ذلك. من اجل عمليات كهذه. وعندها حدث الخلل الفظيع″.
أين كنت عندما تم اطلاق الصاروخ على جنودنا بالخطأ؟
“لقد كنت أراقب من خلال المنظار المتطور فوق التل. وعندما شاهدت الدخان يتصاعد والجنود يسقطون قلت باعجاب إنهم فكروا في كل التفاصيل وهذه الاشياء تشبه الواقع الحقيقي للعملية، الى حين سماعي قائد العملية، دورون كامبل، وهو يقول: لا، لا، أوقفوا كل شيء. فقلت أوقفوا كل شيء، وذهبنا بسرعة الى التل حيث سقط الصاروخ”.
هل كنتم أول من وصل الى موقع الحادثة؟
“نعم، برمشة عين”.
هل تذكر هذه المشاهد؟
“في هذه المرحلة أنت تعمل مثل الروبوت، تقوم بجمع الاشلاء، وأنت تدرك أن العملية سرية جدا. وتقوم بجمع اشلاء اصدقائك. في اليوم التالي سألت نفسي كيف يمكنني النوم بعد حادثة كهذه؟ أين الاحساس؟ وفهمت مع مرور الوقت أن هذا نوع من الحصانة والدفاع الذاتي. ايضا اشارة الى التعب المتطرف الذي كنا نشعر به. هذه هي التجربة العملية المفصلية لي.
“العام 1992 كان عاما سيئا. فالوحدة تغيرت حيث فقدت في العام السابق جنديين بسبب الجفاف. وأنت تسأل نفسك أين هي الحدود. متى يمكن الاستمرار في الدفع ومتى يجب التوقف؟ هذه هي الوحدة الافضل في الجيش الاسرائيلي. واذا حدث هذا عندنا فيجب اشعال الضوء الاحمر”.
ماذا بخصوص فكرة قتل صدام حسين. ألم تطرحوا الاسئلة في ذلك الحين والآن؟
“أنا لا يمكنني الاشارة الى أمر واحد. أو سبب واحد لما حدث. خطأ في الجدول الزمني. كنت ضابطا أخرج من البيت في يوم الاحد وأعود في يوم الجمعة. وكنت أقوم بالنوم في نهاية الاسبوع ومن ثم اعود يوم الاحد. وأنا لا أعتقد أن الحكمة الزائدة هي التي تسببت بالكارثة. لقد قمنا بعمليات جنونية. عملية عنتيبة مثلا كان يمكن أن تنتهي بكارثة. وأنا أعتقد أننا قد انتصرنا في نهاية المطاف. وقد أخذنا من الوحدات البريطانية شعار “الجريء فقط ينتصر”. وأنا أعرف اليوم أن هذا الشعار لا يعني التعرض للخطر، بل العكس: يجب المخاطرة، ولكن بشكل مدروس. العمل كله خطير. هذه ليست علوم دقيقة. ولكن يجب تقليص المخاطر بواسطة التدريب والمعرفة والخبرة وجمع المعلومات.
“في وحدة الاركان لا يوجد سحرة أو ملائكة. ولا بديل عن التدريبات. يوجد هنا اشخاص مخلصون مع الكثير من المعرفة والرغبة والجرأة، يقومون بأمور لا يمكن القيام بها. نحن في حالة تناقض بين الوعي والسلوك طوال الوقت تقريبا. ونحن نعرف أننا مسؤولين عن مشاكل الدولة الأكبر. وما الذي سيحدث اذا لم ننجح. وما هو ثمن الخطأ. ايضا من الناحية الاستخبارية، هذا يجب أن يقلقنا ويجعلنا لا نقوم بالمخاطرة. ومن جهة اخرى الرغبة في عمل المستحيل وتوفير المعلومات المطلوبة للدولة”.
كيف يمكن خلق التوازن بين كل هذه الامور؟ هل هناك ورقة ارشادات تجعلك تقرر الموافقة على عملية ما ورفض عملية اخرى؟
“لا. هذا يأتي مع الوقت والتجربة. وأنا أقول لك إننا نقوم بعمليات تقشعر لها الأبدان طوال الوقت. هذه العمليات هي عبارة عن فن وليس علوم. وأنا اسأل نفسي دائما: هل معادلة المخاطرة والفائدة مبررة؟ ما هي التفاصيل التي تغذي هذه المعادلة؟ الحكمة ليست في كمية المعايير، بل في وزن كل طرف في المعادلة. وأنا أتذكر نقاشات كهذه مع رؤساء اركان ومع وزراء دفاع. فهل الخطر هو الذي يقرر أم قيمنا نحن المنفذين؟.
“سألت نفسي ايضا هذا السؤال عندما قررت اجراء المقابلة معك. وما جعلني أوافق على اجراء المقابلة هو ثقة الجمهور بالجيش الاسرائيلي. وهذه الثقة قوية وضعيفة في نفس الوقت. وهناك ايضا ثقة من يخدمون والتقدير الذي يحظون به. كل تلك الاشياء ليس مفروغا منها ورئيس الاركان يتحدث عنها بشكل مستمر. هذا اللقاء هو اللقاء الاول والاخير مع وسائل الاعلام، وأنا أعبر عن تقديري لمن يخدمون. واذا لم يشعر الجنود أن ما يقدمونه للدولة والشعب ليس حيويا فنحن لن نصل الى أي مكان.
الاشخاص الذين يخدمون في الوحدات الخاصة التكنولوجية مطلوبون جدا خارج هذه الوحدات. لذلك نحن نبين لهم أهمية خدمتهم. نحن نلمس أمن الدولة بأطراف اصابعنا يوميا ونرى نتائج أفعالنا. لهذا نحن ندرك أهميتها.
اليد الخفية
وصلنا الى قصة مصطفى الديراني في العام 1994. أ. قال “لقد تم تشكيل القوة التي تدربت نصف سنة. كنت ارغب في الانضمام اليها لكنني كنت ضمن عمليات اخرى. واليد الخفية التي وجهت سيرتي المهنية تدخلت في هذه المرة. العملية تأجلت. وعندما تم تركيب القوة من جديد كنت فيها”.
كم كان عمرك؟
“24 سنة. وقد تجندت لاشياء مشابهة، لاحضار اشخاص كانوا مسؤولين عن رون أراد في أسره من اجل جمع المعلومات حول هذه القضية”.
وماذا عن العملية نفسها؟
“اثناء السير نحو الجبل كانت الحقول مليئة بالكرز وكان المنظر رائع. وقد شارك في العملية ايضا ليئور لوتان وهرتسي هليفي وشاحر ارغمان وعمانوئيل مورانو. وكانت أمامنا جبال لبنان وسوريا في الأفق. وقد كنت من قوة الاقتحام وأول من سيصل الى البوابة. تدربنا شهور طويلة. كان يجب عليك معرفة رقص الباليه من اجل الوصول الى مصطفى الديراني من ثلاثة اتجاهات دون اصابة أحد ودون أن تستيقظ القرية. كل واحد منا عرف موقعه ومهمته. وقد أوجد دورون افيطال، قائد الوحدة، مصطلحا آخر هو “ضبط النفس الى جانب الاستعداد”. في هذه العمليات الخطيرة، كان أحد الاهداف، باستثناء احضار ديراني، عدم التسبب بالضرر للأبرياء، لأن هذه هي قيم الجيش الاسرائيلي. وصلنا الى البقاع في منتصف الليل حتى سريره، أخذناه وخرجنا دون أن نصيب أحد ودون اطلاق أي رصاصة. هذا هو الردع″.
هل هذه عملية استهدفت وعي العدو؟
“نعم. ويقولون بالعربية “مثل الشعرة من العجين”. وقد نجحنا. كان يمكن أن نفشل لو كان شقيق الديراني أخرج رأسه من النافذة. لكنه ابتعد عنه ولم نطلق أي رصاصة. هذا هو ضبط النفس الى جانب الاستعداد.
ألم يعرض ذلك القوة للخطر؟
“لا. كل واحد منا كانت له مهمة. والهدف هو عدم احداث الضجيج وعدم ايقاظ القرية والبقاء هناك أقل وقت ممكن”.
“خلال السيطرة على الديراني لم يتم اطلاق أي رصاصة، أنهينا وخرجنا من البيت. والقوة التي في الخلف التي تخرج في النهاية كانت تتكون من هرتسي هليفي وأنا وشاحر ارغمان. في هذه المرحلة خرج شقيق الديراني مجددا من الشرفة وكنا نبعد عنه 50 متر في الظلام، وكان يحمل السلاح. وقمت باطلاق رصاصتين ورأيته وهو يسقط. وبعد ذلك سرنا بين المباني وأطلقنا عدة رصاصات اخرى وصعدنا الى المروحيات. وبعد انطلاقنا رأينا سيارات المرسيدس. وعندما قمنا بعد اعضاء الوحدة اكتشفنا أن هناك جندي ناقص”.
هل احضرتم الديراني ورتكتم رون اراد جديد في الميدان؟
“بالضبط. إنها ثوان معدودة من الخوف والحياة تمر أمام ناظريك. وفي العد مجددا اتضح أن العدد كامل فتنفسنا الصعداء. وفي اليوم التالي، تبين أن شقيق الديراني لم يصب. نحن لم نقصد قتله واعتقدنا أن انجازنا سيكون أكبر اذا لم يصب أي أحد بدون سبب”.
اسبوع هستيري
كان أ. مشارك ايضا في عملية اطلاق سراح الجندي المخطوف نحشون فاكسمان، التي فشلت. “هذا حدث بعد الديراني ببضعة اشهر”، قال، “كان اسبوعا هستيريا، ذهبنا الى غزة ورجعنا الى بير نبالا في الضفة الغربية، وكانت القوة نفسها هي التي احضرت ديراني. وكان الهدف هو الدخول والسيطرة. وهنا فشلنا ولم ننجح”.
وفقدتم نير بوراز.
“صحيح. كنت أنا وليئور لوتان على البوابة الاولى. فقد كانت هناك بوابتان، الاولى رئيسية مع درج، وبوابة اخرى للدخول الى البيت. كانت البوابة الاولى مغلقة، وكان واضحا أنه لا توجد مفاجآت. وعرفت أن الأمر لن ينجح. كانت المهمة صعبة منذ البداية وأصبحت مستحيلة. ولكن لا يمكن التراجع، تقدمنا نحو النار ونحن ندرك أن الامر قد ينتهي بشكل سيء. وأصبت بقدمي. قمنا بتفجير الباب، وعندما وصلنا كانت معركة في الداخل حيث أصابت رصاصة ركبتي. وبعد ذلك بأربعة اشهر كنت في عملية اخرى”.
كيف تدخلون الى هذا الخطر؟
“لقد نام ديراني في سريره ولم يشتبه بأي شيء. أما هنا عندنا فكان يوجد جندي مخطوف تحتجزه قوة في حالة تأهب وبانتظاركم وفرصة النجاح قليلة جدا.
“هناك مستويات مختلفة للمخاطرة. عندما يقوم رئيس الحكومة أو وزير الدفاع بالحساب، يأخذان امورا اخرى بعين الاعتبار، حيث توجد ابعاد سياسية وما شابه. وأنا لم أعتقد أن نجاح العملية لم يكن معقولا. كانت خطيرة ومعقدة. اثناء تحرير الرهائن نفترض أنه سيسقط اشخاص، لأنها ليست عملية سرية كلاسيكية. وأنا على يقين من أننا نستطيع القيام بأمور كهذه”.