“إحدى الكوارث التي تُميّز إسرائيل والإسرائيليين تكمن في ازدرائنا العرب واحتقارهم، واعتقادنا القائل إننّا نتفوّق عليهم أيضًا في المجال التكنولوجيّ والإستراتيجيّ، ولكن نحن على خطأ كبيرٍ. إنّهم لا يقّلون عنّا، ويقومون بابتكار المبادئ ويغرسون الخوف في صفوف أعدائهم”، هذا ما صرحّ به الباحث الإسرائيليّ، د. رون شلايفر، رئيس قسم الدراسات الأمنيّة والإعلاميّة في جامعة أرئيل، خلال حديثٍ أدلى به لموقع (WALLA) الإخباريّ-العبريّ، والذي ناقش مسألة الحرب النفسيّة بين الدولة العبريّة وبين حزب الله وحماس.
وتناول الباحث خطاب السيّد حسن نصر الله خلال العدوان على لبنان عام 2006، والذي أرسى فيه المقولة: ما بعد بعد حيفا. وقال: الجمهور الإسرائيليّ حولّ الخطاب الذكور إلى شعارٍ، ذلك أنّ نصر الله أوصل رسالةً التُقطت بسرعةٍ، وقام الإعلام العبريّ بالسير وراء الجمهور، على حدّ تعبيره.
وكشف د. شلايفر النقاب عن أنّه اليوم يقوم العديد من الإسرائيليين في الجامعات بإعداد وكتابة أبحاثٍ حول الخطاب المذكور وعن تأثيره، كنموذج مثاليّ لقدرة الإقناع، قال الباحث.
وبحسبه، فإنّ نصر الله يعتمد إستراتيجيّةٍ ناجحةٍ جدًا وهي: إذا لم تكُن قادرًا أنْ تؤثّر على البندقيّة، فعليك التأثير على الذي يستخدمها، وفي هذا المجال نصر الله مُبدع وممتاز.
وخلُص د. شلايفر إلى القول إنّ حرب لبنان الثانية كانت مختلفةً عن باقي حروب إسرائيل. وأضاف: اليوم بعد مرور عقدٍ ونيّف عليها أقول إنّه في علم النفس لا ينتصرون، بل في الميدان تُحسم الحرب، ولكن أجزم بأنّه من الخطأ التقليل من أهمية الحرب النفسيّة، بحسب قوله.
من ناحيته قال آفي بنياهو، الناطق العسكريّ الإسرائيليّ السابق للموقع إنّ قادة حزب الله التزموا بالأمانة وبالمصداقية، وعدوا ووفوا: أكّدوا على احتجازهم جنرالاً إسرائيليًا وتبينّ أنّهم كانوا على حقٍّ، هددوا بتوجيه ضرباتٍ مؤلمةٍ لإسرائيل وأخرجوا تهديداتهم إلى حيّز التنفيذ.
وزاد بنياهو قائلاً: نصر الله وعد بضرب ما بعد حيفا، وفعلاً أصاب قيساريا والخضيرة، وعندما تحدّث في الزمن الحقيقيّ عن استهداف السفينة البحريّة الإسرائيليّة، نحن شاهدنا الضربة بعد دقيقتين. وخلُص إلى القول: الجمهور الإسرائيليّ والعالم برمتّه باتا، بفعل ما ذكرته، يؤمنان بمصداقية تهديدات حزب الله، على حدّ قوله.
وكان د. شلايفر، أصدر كتابًا، تحت عنوان “الحرب النفسية ودورها في الصراعات بين الدول والمجتمعات”، قال فيه إنّه ليس سرًّا أن الفلسطينيين وحزب الله تفوقوا علينا في مجال الانترنت، ورأى أنّ مصدر المشكلة في الحرب النفسيّة الإسرائيليّة تمكن في الفهم والوعي، مُشيرًا إلى أنّه وفي نطاق النزاع الإسرائيليّ العربيّ، قام الفلسطينيون وحزب الله بالدمج بين التصميم والحزم والاستعداد والاعتراف الحضاريّ، فمن مبادرات جذابّة وبواسطة وسائل بسيطة نقل مرر الفلسطينيون رسائلهم لإسرائيل والعالم.
وبحسبه فإنّ الفلسطينيين الذين لا يملكون الوسائل العسكريّة والتكنولوجيّة المتطورة، فهموا من خلال خبرتهم السابقة ومن خلال تجربة الآخرين واستغلالها جيدًا لصالحهم، ولم يبق لدينا إلّا أنْ نعترف بالحقيقة وهي أنْ نتعلم من الفلسطينيين، وأنْ نعيد النظر سريعًا في حربٍ محتملةٍ.
وتابع إن الوعي الثقافيّ لحزب الله من قبل رجاله ساعده كثيرًا على نقل الرسالة بصورةٍ ايجابيّةٍ في الإعلام ومن خلال العلاقات الاجتماعية التي أنشئوها، إضافةً إلى وسائل الاتصال المتعددة.
وشدّدّ على أنّ حزب الله، وخلال 34 يومًا من الحرب استهدف الجيش الإسرائيليّ، حيث مزج بين مسار الحرب النفسيّة مع العمل العسكريّ.
أمّا الرسائل الموجّهة إلى إسرائيل، قال المؤلف، فتعلّقت بالتصميم على مواصلة الكفاح والاستعداد اللانهائي للتضحية بالنفس والممتلكات ومثال ذلك خطاب نصر الله والذي سقط ابنه في الحرب ضدّ إسرائيل. ولفت إلى أنّ هذا الرسائل تمّ بثها عن المستنقع اللبنانيّ، وهو تعبير مجازيّ سيطر على الأذهان ومعناه “أخرجوا من لبنان”، ولماذا إطالة عمر المأساة دون فائدة؟. وأوضح د. شلايفر أنّ حزب الله استغلّ موضوع المستنقع اللبنانيّ كرسالةٍ تاريخيّةٍ، ويقصد بذلك أنّ كل مَنْ غزا لبنان واعتدى عليها هُزم، إضافةً إلى أن حزب الله عمل كثيرا على توثيق المعاناة لغير المقاتلين.
وساق قائلاً إنّ إستراتيجيّة حزب الله هي ممارسة الضغوطات على صنّاع القرار من جانب المواطنين في إسرائيل. وشدّدّ على أنّ وقف عملية (عناقيد الغضب) عام 1996 قبل موعدها، هو مثال للعمل العسكريّ الذي توقف نتيجة بثّ صور التعرض للمواطنين المدنيين، والتي نشرت في جميع أنحاء العالم، مؤكّدًا على أنّ هذا الأسلوب الحديث في إدارة المعركة أعطى حزب الله أداة قوية للمواجهة بأشكالها.
يُشار إلى أنّ بحثًا علميًا أجراه البروفيسور الإسرائيليّ يوحنان أيشيل ود. شاروؤل كيمحي، من قسم علوم الاجتماع في كليّة تل حاي في الشمال حول صورة الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ، الشيخ حسن نصر الله، في عيون الإسرائيليين، قبل وبعد حرب لبنان الثانيّة، بيّن أنّ هناك مجموعة كبيرة من الصفات والمزايا الشخصيّة التي يتفوق فيها نصر الله على رئيس الوزراء الإسرائيليّ.
ومن بين هذه المزايا، قدرة القيادة، إذْ قال 76 بالمائة من المشاركين في البحث إنّ نصر الله يتمتّع بقدرة القيادة، وبعد حرب لبنان الثانية، أكّد البحث، أنّ نسبة الإسرائيليين الذين يؤمنون بقدرة نصر الله على القيادة ارتفعت إلى ثمانين بالمائة.