قال مصدر إثيوبي مطلع، إن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، سيصل إلى العاصمة أديس أبابا، مساء الاثنين، في أول زيارة له إلى إثيوبيا منذ تعيينه في منصبه في 27 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأوضح المصدر لوكالة الأناضول، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أن بن عبد الرحمن سيلتقي خلال الزيارة مع الرئيس ملاتو تشومي، ورئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالي، ووزير الخارجية ورقني جبيوه.
وستتناول اللقاءات مع المسؤولين الإثيوبيين أحدث المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وبينها تطورات الأحداث في اليمن والصومال والسودان وجنوب السودان، إضافة إلى العلاقات الثنائية المتطورة بين البلدين، وفق المصدر ذاته.
وتشترك قطر وإثيوبيا بلجنة تعاون مشتركة، عُقد اجتماعها الأول عام 2015 بالدوحة، جاءت على خلفية زيارة أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، إلى إثيوبيا عام 2013، التي شهدت التوقيع على عدد من الاتفاقيات في مجالات عدة؛ منها: التعليم العالي، والبحث العلمي، والاستثمار وحمايته، والتجارة، والعمالة.
وكانت زيارة أمير قطر السابق إلى أديس أبابا الأولى لزعيم قطري إلى إثيوبيا منذ استئناف العلاقات بين البلدين في أكتوبر/تشرين الأول 2012.
واتفقت إثيوبيا وقطر على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة بعد مرور أكثر من أربع سنوات من إقدام حكومة أديس أبابا على قطع علاقاتها مع الدوحة؛ بدعوى أن الأخيرة "تنتهج سياسة معادية" لها، وهو ما اعتبرته الدوحة في حينها "مزاعم وادعاءات ليس لها أساس من الصحة".
وجاء قطع العلاقات على خلفية احتفاظ قطر بعلاقات جيدة مع إريتريا، التي تتهمها الحكومة الإثيوبية بدعم الجماعات المسلحة المناهضة لها.
ولاحقاً، وعلى طريق إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، زار أديس أبابا في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم.
كما زار رئيس وزراء إثيوبيا الدوحة في 2 ديسمبر/كانون الأول 2012، في زيارة هي الأولى إلى قطر بعد استئناف البلدين علاقاتهما.
وكان أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز قد قام بزيارة لسد النهضة الإثيوبي، فيما رأى فيه البعض في مصر تصعيداً من الرياض وقطر في علاقاتهما مع القاهرة.
بقدر الصدمة التي أحدثتها الزيارة بقدر ما خلفت "شرخا" يتسع يوما بعد يوم، على صعيد العلاقة "المتأزمة" بين البلدين.. فالخطوة التي أقدمت عليها المملكة، وبعد فشل محاولة جمع الرئيس السيسي بالعاهل السعودي في "أبوظبي" سوف تزيد من هوة الخلاف، وتفتح الأبواب واسعة على "حرب المكائد" بين البلدين.
الديوان الملكي السعودي حاول التخفيف من وقع الزيارة على الجانب المصري، مبرراً قيام مستشار الملك بتفقد سد النهضة، بأنه تم في سياق تواجده بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، وأن زيارة السد لم تكن مدرجة على جدول لقاءاته بإثيوبيا، فيما اعتبرت الحكومة الاثيوبية أن زيارة مستشار الملك السعودي لإثيوبيا واجتماعه برئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين وعدد من كبار المسؤولين في اثيوبيا، جاء للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة، حيث دعا رئيس الوزراء الإثيوبي المسؤولين السعوديين إلى دعم سد النهضة مادياً، والاستثمار في اثيوبيا، وفوق ذلك الاتفاق على مشاركة المستثمرين السعوديين في مجالات الاستثمار المختلفة في أديس أبابا.
هذه الزيارة وصفت في العاصمة المصرية بـ"المكيدة السياسية" والتي تقوم بها المملكة رداً على الموقف المصري الآخذ في التباعد مع المملكة منذ تصويت مصر لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن بشأن الأوضاع في سوريا في التاسع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، حيث راح التأزم يخيم على مسار العلاقات بين البلدين، والتي بلغت ذروة تلاقيها بالموقف الذي أعلنه الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزبز دعما لثورة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، بعد اسقاط حكم جماعة الإخوان المحظورة في مصر وعزل محمد مرسي.. إلا أن محاولات وجهوداً خليجية وعربية، ومجهودات خاصة بذلها كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وكذلك أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم تفلح في احتواء دائرة الخلاف، التي راحت تتسع يوما بعد يوم.
وبعيدا عن الخلاف الثنائي المصري-السعودي، بدا واضحا أن الرياض، والملك شخصيا، تتجه لمنحى آخر في الابتعاد عن مصر، فكانت زيارته لإمارة قطر قبيل انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية "المنامة" قبل أسبوعين، والحفاوة التي قوبل بها الملك سلمان من أمير قطر تميم بن حمد بمثابة مكيدة سياسية سعودية في وجه مصر، ورسالة واضحة عن ملامح تحول في الموقف السعودي، الذي تجاوز حدود "الأزمة المكتومة" ليصل إلى مرحلة "الأزمة المعلنة"، والتي تطورت بشكل سريع عبر عنها هذا الموقف الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي حين أعلن الأمين العام للمجلس وللمرة الأولي اعتراضه على اتهامات مصرية طالت قطر، حول ضلوعها في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، والذي وقع الأحد الماضي وأسفر عن مصرع 26 شخصا وإصابة العشرات.. الأمر الذي أبدت الخارجية المصرية اعتراضها عليه مطالبة دول مجلس التعاون الخليجي ببحث الأبعاد التي تقف وراء محاولات التحريض على الأمن والاستقرار في مصر.
ثم جاء التطور الأخيرة في حرب "المكائد السياسية" التي تشنها السعودية ضد مصر، من دون رد واضح من العاصمة المصرية، حيث رأت أوساط سياسية في القاهرة، أن زيارة مستشار الملك السعودي لسد النهضة تشكل "سابقة خطيرة" و"مكيدة علنية" للإضرار بمصالح 92 مليون مصري، وتشكل استمرارا لمسلسل الأزمات بين البلدين، ولخطوات التراجع السعودية عن الوقوف إلى جانب مصر، وتنفيذ الالتزامات المتفق عليها بينهما، وفي المقدمة منها توفير الامدادات النفطية السعودية لمصر بموجب الاتفاق الذي تعهدت شركة أرامكو السعودية بمقتضاه بمد مصر بكميات محددة من النفط بشكل شهري، فيما رأى آخرون في العاصمة المصرية أن زيارة المستشار السعودي تأتي استكمالا للطموحات السعودية بالاستثمار في اثيوبيا لمجموعة من المشروعات الزراعية، والتي يرعاها أحد كبار المستثمرين السعوديين، خاصة في منطقة سد النهضة، حيث تتجاوز الاستثمارات السعودية في اثيوبيا نحو 13 مليار دولار، ولفتت المصادر إلى أن السعودية تخطط للاستفادة من سد النهضة في توصيل الكهرباء إلى السودان واليمن في إطار دعمها للدولتين على حساب المصالح المصرية.
هذه المكائد، بحسب مراقبين مصريين، تشكل تحركا خاطئا من المملكة وتربك الساحة العربية المليئة بالنزاعات السياسية والعسكرية، وترسم ملامح آفاق "غير إيجابية" لمستقبل العلاقات بين البلدين، وتفضي إلى تكريس التفرقة بين البلدان العربية، وتمنح الدول المتربصة بالمنطقة قدرة هائلة على اختراق مفهوم الأمن القومي العربي، وترسم بصمات سوداء في تاريخ العلاقة بين القاهرة والرياض.. ويرى هؤلاء أن أي خلافات بين البلدين، يجب ألا تكون انعكاسا لتصرفات فردية وقرارات متسرعة تهدد مصالح الشعبين عبر التلويح بالتعاون مع اثيوبيا، والتي تهدد بشكل مباشر "الأمن المائي" للمصريين، لأن مثل هذه الممارسات سيحصد ثمارها المرة الشعب المصري، وليس النظام الحاكم في مصر، مهما كانت درجة الخلاف بين البلدين.
ويرى آخرون أن رسالة المملكة للقاهرة بعد زيارة مستشار الملك لسد النهضة تعني ان الملك السعودي وأركان حكمه قرروا معاقبة مصر على مواقفها الرافضة للسياسة السعودية في سوريا، باتخاذ مواقف معادية للمصالح المصرية، وتشكل إشارة واضحة إلى أن المملكة قررت الدخول في مرحلة جديدة من أزمة العلاقات بين البلدين، بل رأى البعض في العاصمة المصرية أن هذه الزيارة بملابساتها وما سبقها وعلى ضوء الأزمة الراهنة في العلاقات، تعد بمثابة انتقام سعودي من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتعكس حجم موقفها، والخيبة التي أصيبت بها السياسة السعودية في سوريا، وإن التحركات غير المحسوبة للمملكة تجاه مصر سوف تصيب العلاقات بين البلدين في مقتل.