سردت جمعية "چيشاه–مسلك" الإسرائيلية (مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية) اليوم الجمعة، قصة حرمان سلطات الاحتلال الإسرائيلي لفتاة من قطاع غزة تبلغ من العمر ستّة عشر عاماً، من التعلم في مدرسة دوليّة في أوروبا.
وتناولت مديرة العلاقات الخارجية في الجمعية نوعَم رَبينوفتش، قصتها هي الأخرى للالتحاق بالتعليم في الصين، والتي كانت سريعة مقارنة مع قاطني قطاع غزة، وذلك في تقرير حمل عنوان "الحق في حرية التنقّل – أمر قد نعتقد أنه مفهوم ضمنًا". مقدمة عرضا لحرمان موطني قطاع غزة من الخروج من القطاع.
وقالت رَبينوفتش: حين كنت أبلغ من العمر ستّة عشر عاماً، ذهبت لأكمل دراستي الثانوية في إحدى المدارس الدوليّة في هونغ كونغ. كانت هنالك الكثير من الأمور التي تقلقني عشيّة تلك الرّحلة: الاشتياق للأهل، تكوين أصدقاءٍ جدد، التّعامل مع الطعام الصينيّ "بمعنى: الطعام الصينيّ الحقيقي"، لكنني لم أقلق أبدًا بخصوص كيفية وصولي إلى هنالك.
وأضافت: كانت عملية الوصول سهلة. قامت والدتي بإيصالي ذات صباح إلى سفارة هونغ كونغ في تل أبيب لكي أتقدّم بطلبٍ لاستصدار تأشيرة دخول، وبعد بضعة أسابيع عدت لكي أستلم جواز سفري. قمت بحجز تذكرة سفر، وفي يوم السّفر ذاته، ذهبت مع عائلتي إلى مطعم صينيّ (بالطبع)، وفيما بعد انطلقنا إلى المطار.
وتابعت: كانت الصّعوبة الوحيدة التي واجهتني آنذاك هي أزمة سير في الطّريق إلى المطار. لا زلت أذكر أمّي وهي تصرخ عليّ وقد انتابتها حالة من الهيستيريا وهي تقول بأنني على وشك التأخّر عن موعد الطّائرة وبأن عليّ أن أطلب من التلاميذ الآخرين الذين على ظهر الطّائرة ذاتها أن يقوموا بـ"إيقاف إقلاع الطّائرة".
وذكرت نوعَم رَبينوفتش: وصلتُ بالطّبع إلى المطار وكان أمامي الكثير من الوقت. قمتُ بتوديع والدي وأختيّ، وصعدت إلى الطّائرة وأقلعت إلى هونغ كونغ. هذا هو كلّ ما في الأمر، لقد كان الأمر سهلاً جدًا.
وقالت إنّ سهولة عمليّة استصدار تأشيرة الدخول، حجز تذاكر الطّيران، الوصول إلى المطار والسهولة التي اتسمت بها عودتي لزيارة عائلتي أثناء العطل المدرسيّة، أو زيارات عائلتي إلي، كانت، من ناحيتي، أمراً بديهيًا، وقد ظلّت هذه الأشياء في ذهني واقعةً في إطار المفهوم ضمنًا، خلال السّنوات التي مرّت منذ ذلك الحين.
وأشارت إلى أن استمرّ الأمر إلى أن بدأت العمل في جمعيّة "چيشاه-مسلك". عندها فهمت، للمرّة الأولى، بأن التنقل والسّفر ليسا أمران سهلان وبسيطان إلى هذا الحدّ، بالنسبة لقرابة مليوني إنسان الذين يعيشون على بعد ساعة سفرٍ من مكان وجودي، أي في قطاع غزّة.
وأضافت: منذ انضمامي إلى طاقم "چيشاه-مسلك"، بتّ أحاول أن أكون أكثر وعياً بحقيقة أنّ قدرتي على الحركة والتنزّه متى رغبت هي امتياز، كما وبتّ موقنةً بأنّني في كل مّرة أقوم بالأمر، فإنني أقوم بممارسة حقّ أساسي، الحقّ في حريّة التنقّل، وهو حقٌّ يحرم منه ملايين الناس، بشكلٍ مستمر.
وتابعت: لكن، ورغم الوعي المتزايد لهذا الأمر، لم أفهم حقّاً معنى تقييد التنقّل حتى بضعة شهور خلت، حين باشرت جمعيّة "چيشاه-مسلك" بمساعدة "ر". وهي فتاة تبلغ من العمر ستّة عشر عاماً من غزّة، تم قبولها للتعليم في مدرسة دوليّة في أوروبا. هذه المدرسة تابعة لذات المؤسسة التي انتسبت لها مدرستي آنذاك.
وقالت رَبينوفتش: سأوفّر عليكم التفاصيل المتعلّقة بالإجراءات الطّويلة والمحبطة لاستصدار التّصاريح اللازمة لكي تتمكّن "ر" من الخروج من غزّة والسّفر إلى الخارج. فقد نجحت في نهاية المطاف بالخروج، بعد شهرين من بدء السنة التعليمية، وفقط بعد قيام جمعية "چيشاه-مسلك" بالتدخل لصالحها، وبعدها، التدخل لصالحها بشكل مكثف أكثر. ما تبقى لدي لأقوله في هذا الشأن هو أن "ر" قد اضطرت للتعامل مع ما هو أكثر من مجرد أزمة سير وأم مصابة بالهستيريا.
وأضافت أن سبب عدم السّماح لـ "ر" بالسّفر كان أنّ إسرائيل قد رأت فيها "تهديدًا أمنيّاً". نعم، صحيح: فتاة تبلغ من العمر ستّة عشر عاماً رغبت بالسّفر إلى الخارج لكي تباشر تعليمها في مدرسة مرموقة هنالك. مدرسةٌ عقدت لواءها على فكرة توحيد البشر من بلدانٍ وثقافاتٍ مختلفةٍ حول قيم السّلام والتسامح، هذا أمرٌ تمّ اعتباره من قبل السلطات الإسرائيليّة خطيراً أكثر مما يجب على سلامة الجمهور.
وذكرت: انا أتذكّر نفسي في ذلك الجيل. صحيح أنه كان يملئني الشعور بأهميتي، غاضبة وأميل إلى المزاجيّة "دفاعاً عن نفسي اذكر بأنني لم أتجاوز حينها السّادسة عشرة"، لكنني لم أكن، ولم يكن بالإمكان أن أكون،– تهديداً أمنيّاً، إلا إن كانت التخيلات، المزدحمة بتعظيم الذات، حول تغيير العالم، تشكل خطرا ما.
وأضافت: إنني، كإسرائيليّة، أرفض هذا الادعاء بأن فتاة تبلغ من العمر ستّة عشر عاماً، تمر عبر الأراضي الإسرائيليّة في طريقها إلى الخارج تشكل خطرا على أمني الشخصي أو أمن أي إنسانة أو إنسان آخر. وبالمقابل، فإنني أؤمن بأن أمني الشخصي يتعرض للتهديد بسبب الرؤيا التي تعتبر الفلسطينيّين خطيرين بطبعهم، وبسبب هذه السهولة التي يتم بها الإضرار بمستقبل فتيان وفتيات فلسطينيّين وفلسطينيّات واعدين ومفعمين بالحماسة، بسبب إجراءات بيروقراطية يومية تفرض تقييدات على حق أولئك بالتنقل، وتشكل مجتمعة الإغلاق المفروض على غزّة. وبالطبع، وفي نهاية المطاف، فقد ثبت بأن "ر" لم تكن تشكل أي تهديد.
وتابعت: حين درست في المدرسة في هونغ كونغ، التقيت بفلسطينيّ للمرة الأولى في حياتي. كانت هذه تجربة غيرت مسار حياتي وأوصلتني إلى هذا المكان، حيث أعمل في مؤسسة حقوق إنسان إسرائيليّة ملتزمة بالدفاع عن، وبتعزيز، حقوق الإنسان الفلسطينيين سكان قطاع غزّة. كان لدي الحظ والقدرة على استغلال هذه الفرصة التي حظيت بها.
وقالت: أما الكثيرين الآخرين في غزّة، فهم ليسوا محظوظين إلى هذا الحد، ليس بسبب النقص في إمكانياتهم هم، ولا في دافعيّاتهم، بل لأنهم غير قادرين على التنقل بحرّية، لا إلى دول الخارج ولا إلى الضفة الغربية، وبسبب النقص في الفرص المتوفّرة لهؤلاء الشباب داخل غزّة.
وأضافت: تنتهي هذه القصة بخاتمةٍ جيدة. فـإن "ر"، بعد شهور من توجهها إلينا بطلب المساعدة، قد نجحت في الوصول إلى مؤسّستها التعليميّة. آمل بأن تجد "ر" هذه التجربة، كما وجدتها أنا، مثيرة، دافعاً لتوسيع الآفاق ولتغيير مسار الحياة. كما آمل بأن يصبح لديها أصدقاء جدد من باقي دول العالم، ولربما أيضاً من إسرائيل، وبأن ترى ما الذي بإمكان العالم أن يقدمه لها خارج قطاع غزّة أيضًا.