من مشروع مارشال .. إلى زعامة ترامب ... هاني حبيب

الأربعاء 16 نوفمبر 2016 09:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
من مشروع مارشال .. إلى زعامة ترامب ... هاني حبيب



 

  ترحيب في روسيا وقلق في أوروبا بعد نجاح دونالد ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض، وهي معادلة قد تبدو عصية على الفهم إذا ما عدنا إلى نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945، فبعد هذه الحرب التي أدت إلى تدمير أوروبا، قامت الولايات المتحدة بإعادة بناء ما دمرته الحرب في القارة العتيقة من خلال "مشروع مارشال"، وقد يعتقد البعض أن هذا المشروع، يهدف إلى مجرد إعادة بناء أوروبا ودعم استنهاض بنيتها التحتية واقتصادها المنعدم، إلاّ أن الهدف الأميركي الأساسي من هذا المشروع، مواجهة الاتحاد السوفياتي والخشية من أن يستفيد اليسار الأوروبي من نتائج الحرب ليقود أوروبا نحو الشيوعية، خاصة بعدما أثبت الشيوعيون خلال مقاومة النازية دوراً مؤثّراً في الانتصار عليها، الوضع المتردي اقتصادياً في أوروبا سيشكل أداة فعالة لقوى وأحزاب اليسار الأوروبي لجرّ القارة نحو الشرق، نحو الاتحاد السوفياتي، وبالتالي فإن انهيار النازية على يد الحلفاء، من شأنه في هذه الحال أن يسجل لصالح الاتحاد السوفياتي واليسار الأوروبي.. 

هذا كان أحد أهم أسباب اندفاع الولايات المتحدة نحو أوروبا ـ لإنقاذها ـ وذلك بعدما تبنّت ما جاء في محاضرة لوزير خارجية الولايات المتحدة جورج مارشال في جامعة هارفرد العام 1947، وهو المشروع الذي بسببه حاز مارشال على جائزة نوبل للسلام العام 1953. نستعيد هذا التاريخ تحت ضغط التداعيات التي أحدثها فوز ترامب بالرئاسة الأميركية حيث يقترب من وريث الاتحاد السوفياتي، الاتحاد الروسي، ويدير ظهره للحليف التقليدي، الاتحاد الأوروبي من خلال خلاف عميق حول خمسة ملفات أساسية من شأنها هدم كل ما بناه مشروع مارشال من أواصر التحالف والتعاون بين أوروبا وأميركا، والذي تجلّى من الناحية العسكرية والدفاعية بإنشاء حلف شمال الأطلسي، إذ إن ترامب وأثناء حملته الانتخابية قد أشار إلى أن الولايات المتحدة لن تمول هذا الحلف لأن الدول الحليفة لا تدفع اثنين بالمئة من ميزانيتها لصالح الحلف وتعتمد على تمويل أميركا للحلف، ما أدى إلى تبني مؤتمر وزراء دفاع وخارجية الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي خطة جديدة لإنشاء قوة أوروبية يمكن لها أن تعمل بمعزل عن الحلف وأميركا.

أما الملف الثاني للخلافات بين أوروبا وأميركا فيتعلق بملف "المناخ" إذ إن ترامب يعتبر التغير المناخي مجرد "خدعة" متعهداً بإلغاء اتفاقية باريس التي تم تبنيها من قبل دول عديدة من بينها الولايات المتحدة العام الماضي، علماً أن الانسحاب من هذه الاتفاقية يستغرق أربعة أعوام، وهي نفس الولاية الأولى للرئاسة الأميركية. وفيما يتشكك بعض قادة أوروبا في مدى جدية إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فإن بعضاً منهم أشاروا إلى أنه لن يلجأ إلى ذلك، ولكن ربما يسعى إلى تعديله، وهو أمر لن يوافق عليه الاتحاد الأوروبي، وربما يسعى إلى استمرار العقوبات الأميركية على إيران من جانب واحد، وهو أمر متاح وما زال قائماً حتى في عهد أوباما، مع ذلك فإن التلاعب بهذا الاتفاق من قبل الرئيس الأميركي المنتخب من شأنه أن يؤثر سلبياً على الاتحاد الأوروبي، إذ إن هذا الاتفاق مكّن أوروبا من التأثير الاقتصادي على إيران وما يعنيه ذلك من عامل ضغط يؤدي إلى استقرار الأمن في منطقة العلاقات الإقليمية والدولية، وإذا كان هذا الملف، وهو الثالث في خريطة القلق الأوروبي من الزعامة الأميركية الجديدة، فإن اجتماع الاتحاد الأوروبي قبل يومين أكد ضرورة التزام مختلف الأطراف بهذا الاتفاق. اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعتبر الملف الرابع الشائك في العلاقات الملتبسة بين واشنطن وبروكسل في حال قام الرئيس ترامب بتنفيذ وعوده أثناء الحملة الانتخابية بعدم إبرام الاتفاقية الخاصة بهذا الشأن، ذلك أنه يعتبرها تضرّ بالعمالة الأميركية وتؤثّر سلباً على قدرة الولايات المتحدة التجارية التنافسية، في حين أن لجوء ترامب إلى عدم إبرامها يعتبر من جهة الاتحاد الأوروبي، سياسة "حمائية" من شأنها أن تؤثر مباشرة على الاقتصاد الدولي، وحتى لجوء ترامب إلى تأجيل المفاوضات بهذا الشأن،

مجرد التأجيل، له عواقب وخيمة على اقتصاديات الاتحاد الأوروبي تحديداً. إلاّ أن الملف الخامس في إطار العلاقات الملتبسة بين الاتحاد الأوروبي والزعامة الأميركية الجديدة، فإنه يتضمن الموقف الأميركي الجديد من التقارب المثير للدهشة مع الاتحاد الروسي، وتأثير هذا التقارب على الساحتين الأوكرانية والسورية، فمن المتوقع في ظل هذا التقارب، أن يتزعزع الموقف الغربي من "الاحتلال الروسي" لشبه جزيرة القرم، بحيث يتجاهل ترامب هذا الأمر، إن لم يتجاوز ذلك إلى تشجيعه وهو ما يهدد الموقف الأوروبي الذي يعتبر أن الأمر يتعلق بالأمن الأوروبي بشكل سافر ومباشر، كما هي الحال والوضع في سورية، فإن التنسيق الأميركي ـ الروسي في عهد ترامب، سيكون لصالح النظام على حساب الحرب على الارهاب، ما من شأنه تعديلات جوهرية في الخارطة السياسية المعدة للمنطقة انطلاقاً من سورية. من مشروع مارشال،