برقيات نهنئة .. وفقط ...محمد الوحيدي

الأربعاء 09 نوفمبر 2016 11:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
برقيات نهنئة .. وفقط ...محمد الوحيدي



في أمريكا ، بعد السكرة ، تأتي الفكرة .. 

بعد أن تنتهي الإحتفالات و الفورة في منسوب الأدرنالين لدي المؤيدين و المعارضين ، الفرحانين و المحبطين ، من نتائج الإنتخابات الرئاسية ، سيدخل الرئيس المنتخب ترامب في " المغسلة " .. كما هي العادة ..

حيث يتم غسلة من كل عوالق الشعارات الإنتخابية ، وشوائب الوعود التي قطعها على نفسه و حلف الأيمان و الطلاقات التي أقسم على تنفيذها  فور تسلمه الحكم .. و رويداً رويداً ، يقوم فريق ، بل فرق من أجهزة الدولة بإنزالة عن الشجرة ، و ترويضه مع مراعاة عدم مفاجأته بحقائق صاعقة قد تصيبه بحالة هيستيريا أو خبل أكثر من الحالة التي هو عليها أصلاً .. خاصة سيد الأرض الجديد دونالد ترامب ، الآتي من خارج دوائر الحكم و الدسائس السياسية و الأمنية و المؤسسات و العلاقات الدولية و الأجهزة .. 

عادة تستغرق العملية ثلاثة أشهر ، حتى يتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم .. ولكن و بحسب التقاليد المرعية في الولايات المتحدة الأمريكية ، تبدأ جرعات ( صناعة الرئيس ) بعد 12 ساعة من إعلان النتيجة .. يعني في اليوم التالي فوراً ، و تكون على شكل تقارير من نوع ( سري للغاية ) و نوع ( غاية في الأهمية ) من تلكم التي لا تقدم إلا للرئيس المنتهية ولايته و نسخة منها للرئيس المنتخب .. فيقرأ .. و يجلس معه كبار ضباط المخابرات ، و المستشارين ، و العسكريين ، و السياسيين .. يشرحون و يحللون و يقدمون التقارير عن كل شئ و في كل شئ ، داخلياً و خارجياً ، سياسياً و إقتصادياً و أمنياً و قانونياً و فنياً و كل ما يمكن أن يخطر أو لا يخطر على بال .. 

وهنا  يبدأ الرئيس المنتخب ، بفهم حقائق الحياة ، و يبدأ في إستيعاب  ألوان الطيف بهدوء و روية ، و تبعاً لذلك يبدأ خطابة بالتغير من حيث الشكل و الطعم  .. وربما في بعض الأحيان ، بل في كثير من الأحيان ، تتغير وعوده ، و تتلاشى و إذا ذكره أحدهم بها ، تظاهر بأنه دخل شارع غلط .. أو ربما لا يتكلم اللغة الإنجليزية .. 

طيب ، هذا كلام جيد ، بالنسبة للرئيس الأمريكي ، المشكل هنا هي فيما لدينا  ، من جهابذة الأمة ، و مراقبيها و محللي الأخبار و خبراء السياسة الذين تراهم في كل واد يهيمون ، بعد أن ينتهي أحدهم من تحليل مبارة الزمالك أو ريال مدريد في إحدى القنوات ينطلق إلى قناة ثانية ليفتي في تعويم الجنيه ، ثم إلى ثالثة ليحلل أسباب التغير البيئي و الإحتباس الحراري ومؤتمر فتح السابع ، و نتائج عين السخنة ، و اليمن و العراق و الموصل و داعش ،وهو في الطريق يكتب مقالاً عن ما يعرفه عن ترامب و كيف أنه سيعقد حلفاً مع الدولة الفلانية و سيقوي العلاقات مع مصر أو الباكستان و يقطعها مع كولا لامبور و البرتغال .. مثلاً .. وتجد ، يا سبحان الله ، المحلل يغير رأيه في ذات نفس الموضوع  بتغير المحطة  فما يقال على الجزيرة ، لا يقال على العربية ، و ما يقال على بي بي سي لا يقال على التلفزيون الرسمي ، و ياسلام لو كانت الإستضافة على قناة الحرة .. ستجد نغمة أخرى و مواقفاً ذات بعد سابع .. 

و بجولة سريعة على قنوات العرب ، و وسائل التواصل الإجتماعي ، ستجد أن نتائج فوز ترامب شكلت ردات فعل مختلفة ،  أصحاب الطبول هللوا و إستبشروا و بشروا بعهد جديد ، تتنهي معه القطيعة بين أمريكا و مصر و تتحسن الرؤية و ربما تحل عقدة سورية و يتراجع التأثير في ليبيا إلى حد الإختلاف و الخلاف مع حلف الناتو الذي تقوده أمريكا نفسها .. بل أن منهم من وضع تواريخ و جدول أعمال و خطوات تحدد تحركات ترامب في هذا الإتجاه ، بنوا هذا على ماذا ؟ و الله لا أعرف ، هل هو الحدس أم هي المعلومة تاتيهم من قلب البنتاغون و المخابرات المركزية الأمريكية ، و الله مرة ثانية أنا لا أعرف ، و لكن كل شئ جائز .. بعض المحطات العربية إستخدمت فوز ترامب للمماحكة  و عملت بالمثل القائل ( القرعة بتتحالى بشعر بنت أختها ) .. فإستخدمت مواقف ترامب المتشددة من بعض الأطراف العربية ، و أظهرتها بشكل واضح ، خاصة فيما يتعلق بعدم جواز تقديم ( خدمات ) مجانية .. و أن هذه الدول يجب أن " تدفع " نظير حمايتها و حماية أنظمتها .. بمعنى أن ترامب لا يريد فقط أن تكون لبلاده قواعداً عسكرية و معلوماتية و إقتصادية و غيرها في تلك البلاد ، بل يريد أيضاً إعتبارها منّة و معروفاً يجب أن يُدفع ثمنها ، يعني "  نرجوكم إقبلوا منا ثمن إحتلالكم لنا " .. و اللذيذ في الأمر أن هذه الجهات العربية التي أظهرت هذه المواقف لترامب ، هي نفسها ، ممتلئة بالقواعد .. !! 

أما وسائل التواصل الإجتماعي ، فحدث و لا حرج  كانت مفاتن الاسرة الترامبية ، و خاصة السيدة الأولى ، و صورها هي الأكثر تداولأ ، و التي ركز عليها جيل الأمة العربية الصاعد الواعد  الزاحف نحو القدس و التحرير ، و الإنعتاق و الإستقلال .. ركز عليها بالتعليق و الإعجاب أو الإنتقاد .. و إستنبط ملامح الحكم الجديد ، و شكل العلاقات الخارجية الأمريكية ، بحسب ملامح ميلانيا ترامب و بنات ترامب ، و تعرجات الحركة السياسية نحو الشرق الأوسط ، و الأوسط شرق .. 

في الإجمال ، و على مدى يومين و بمتابعتي لكثير من القنوت العربية و الصحف ووسائل التواصل ، لم أر ، قُدرة ، عند مسئول عربي واحد ، أن يخرج بموقف  فيه "موقف " يمكن أن يصل إلى أذني ترامب ، ليُكتب في الملفات و لو على سبيل الملاحظة التي سيتم عرضها عليه خلال الاشهر الثلاثة القادمة ، لتشكل نقطة " معتبرة" يجب أن تؤخذ بالحساب .. و تأكدت أن كل ما سيعرض عليه من " موقف العالم العربي " إذا ما سال أحد مستشاريه هو " لا شئ مهم ، برقيات تهنئة فقط " ..