غزة صالح النعامي على الرغم من أن الجدل الإسرائيلي الداخلي حول تداعيات اختفاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن دائرة الأحداث قد احتدم منذ فترة سابقة، إلا أنه تطور في الآونة الأخيرة ليطاول الثمن الاقتصادي الذي قد تدفعه إسرائيل نتاج هذا التطور. فقد عبّرت أوساط رسمية في تل أبيب عن قلقها البالغ إزاء الكلفة المادية الباهظة الناجمة عن إمكانية تحمّل إسرائيل مسؤولية تقديم الخدمات في مناطق نفوذ السلطة بعد غياب عباس، إذ إن دوائر صنع القرار وأوساط التقدير الاستراتيجي الإسرائيلية تفترض أن مؤسسات السلطة ستنهار بسبب حالة من الفوضى نظراً لاستحالة اتفاق الفلسطينيين على خليفة لعباس، مما قد يفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية في أرجاء الضفة بشكل يجبر إسرائيل على التدخّل للسيطرة على الأوضاع.
ونقلت صحيفة "كالكيليست" الاقتصادية عن أوساط رسمية إسرائيلية تقديرها بأن الاقتصاد الإسرائيلي سيتكبّد بعد عام على غياب عباس خسائر بقيمة 15 مليار شيكل (نحو 4 مليارات دولار). وحذرت "كالكيليست" في تقرير لها أخيراً من أن إسرائيل تقترب "بخطى ثابتة من هزة اقتصادية كبيرة" على اعتبار أن ما تبقّى لعباس في الحكم مدة محدودة. ولم تفصح الصحيفة عما إذا كان توقّعها بقرب رحيل عباس يستند إلى معلومات سرية تتعلق بوضعه الصحي أو نتاج تقدير عام مرتبط بعمره الذي تجاوز 81 عاماً.
وحسب الأوساط التي استندت إليها الصحيفة، فإن ما يزيد من حالة انعدام اليقين حقيقة أن عباس يرفض أن يعيّن نائباً له يمكن أن يخلفه، مما يجعل مسألة الخلافة بحد ذاتها مصدراً لعدم الاستقرار. وتبنّت الصحيفة وجهة النظر القائلة إن عباس "سيكون آخر رئيس للسلطة الفلسطينية بنظامها الحالي"، مشيرة إلى أن النخب السياسية في رام الله تعي أن من سيتولى مقاليد الأمور في الضفة الغربية وسيكون مسؤولاً عن إدارة شؤون مناطق السلطة الفلسطينية هو الجنرال يوآف مردخاي، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، لافتة إلى أن مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، سبق أن أشار إلى أن مردخاي سيتولى عملياً مهام "رئيس السلطة" بعد غياب عباس.
وأوضحت الصحيفة أن ما يعقّد الأمور حقيقة أن عباس يشغل في الوقت ذاته ثلاثة مواقع حساسة، وهي رئاسة السلطة الفلسطينية ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة حركة "فتح"، ما "يعدد من بؤر التنافس الداخلي في أعقاب غيابه". وحسب الصحيفة، فإن غياب عباس سيفضي إلى حالة من الفوضى وسيؤدي إلى اندلاع مواجهات في أرجاء السلطة الفلسطينية، ستزيد من حجم النفقات الأمنية وستؤثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي.
واعتبرت الصحيفة أنه لا مجال لتطبيق بنود القانون الفلسطيني التي تنظّم مسألة مرحلة ما بعد غياب عباس كرئيس للسلطة، إذ إن القانون ينص على أن يتولى رئيس البرلمان المنصب في حال غاب "الرئيس"، فيما أن رئيس البرلمان هو عزيز دويك، القيادي في حركة "حماس"، الذي يقضي جل وقته في سجون إسرائيل المختلفة. ونقلت الصحيفة عن دوائر صنع القرار في تل أبيب قولها إنه لا توجد شخصية فلسطينية قادرة على خلافة عباس، باستثناء الأمين العام السابق لحركة "فتح" مروان البرغوثي الذي يمضي حكماً بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية، ولا يوجد أي أمل بأن توافق حكومة بنيامين نتنياهو على الإفراج عنه.
مخططات لمواجهة هذا السيناريو. ولفتت القناة إلى أن ما يزيد الأمور تعقيداً أن الدول المانحة قلّصت مساعداتها للسلطة الفلسطينية بشكل كبير بفعل الضائقة الاقتصادية في أوروبا وبفعل تعدد بؤر التوتر في المنطقة التي ينظر إليها في العالم على أنها أخطر مما يمكن أن يحدث في الضفة الغربية.
وفي السياق، تبيّن أن خطة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان المعلنة والهادفة إلى إيجاد قيادات بديلة تحل محل قيادة السلطة الفلسطينية، لا تحظى بدعم من القيادات العسكرية الإسرائيلية، في حين أن عدداً قليلاً من الوزراء أيّدها. وجزم الجنرال غادي شماني، القائد السابق لقيادة المنطقة الوسطى المسؤولة من ناحية عسكرية وأمنية عن الضفة الغربية، بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بتنصيب أي خليفة لعباس "لا يكون أكثر تطرفاً منه". وتبنى الجنرال مردخاي التصور نفسه خلال إفادته أمام مؤتمر سفراء إسرائيل الذي نظم أخيراً في القدس المحتلة.