تونس ـ كان من المتوقع أن تعرض قاعة «الكوليزي» في العاصمة التونسية الفيلم الإيراني «محمد رسول الله» للمخرج مجيد مجيدي، والذي كان من المفترض أن يكون حاضرا أيضا صحبة فريق عمله. الفيلم الذي خلق موجة حادة من الاستهجان بين الأوساط الدينية في كل من مصر والسعودية، ولم يتم السماح بعرضه في الوطن العربي إلا في العراق، خلق في تونس أيضا موجة كبيرة من النقاش في الأوساط الفنية والثقافية والدينية أيضا، وأرجع إلى الأذهان الوضعية الصعبة التي عاشتها تونس إثر عرض الفيلم الإيراني أيضا «بيرسيبوليس». من الناحية القانونية فقد تم منع الفيلم من طرف وزارة الثقافة بذريعة عدم حصوله على تصريح عرض، كما جاء في تصريح مديرة الفنون السمعية والبصرية في وزارة الثقافة منيرة بن حليمة لإذاعة «موزاييك» التونسية، والتي أضافت أنه «بغض النظر عن الجانب الفني والإبداعي، فإن الفيلم سيسبب مشاكل كبيرة»، كما أن المشرفين على عرض الفيلم « لم يقوموا بتقديم طلب تصريح عرض ولا أتصور أنه ستتم الموافقة في كل الحالات».وفي السياق نفسه أكد السيد لسعد القوبنطيني، موزع الفيلم وصاحب قاعة العرض، خبر منع عرض الفيلم، حيث أكد «نظرا للجدل الذي أثير حول الفيلم بعد النقاشات التي أثيرت حوله في الشبكات الاجتماعية، ورغم قناعتنا بأن أغلبها متفاعل فقد ارتأينا ان نتجنب الدخول في جدالات عقيمة وعليه لن يتم عرض الفيلم».
سياسيا وفي سياق آخر فقد أثار خبر عرض الفيلم امتعاض العديد من الأحزاب التونسية، حيث طالب حزب تيار المحبة الذي يتزعمه السياسي الهاشمي الحامدي المرشح السابق للرئاسة في تونس، وزارة الثقافة بسحب إذن عرض الفيلم والذي اعتبره في بيان له مستفزا لمشاعر المسلمين.كما طالب مفتي الجمهورية بالتدخل العاجل وإصدار فتوى منع بعد أن اعتبر أنه يمثل خطرا على هوية المجتمع التونسي، ووصل إلى اعتبار أنه سيكون سببا في «عواقب وخيمة». ودعا الحزب أنصاره إلى التظاهر أمام قاعة السينما يوم عرض الفيلم. ولئن لم تصدر حركة النهضة الدينية بيانا رسميا إلا أن القيادي في الحركة عبد اللطيف المكي وفي تدخل له على قناة «التاسعة» التونسية صرح بأنه لا يمكن الحكم على الفيلم من الناحية الفقهية بحكم عدم الاختصاص وضرورة ترك الموضوع للعلماء لقول كلمتهم فيه.وفي المقابل رفض الناطق باسم الحزب الديمقراطي ذو التوجه الليبرالي كريم شهيد قرار منع الفيلم، واعتبره اعتداء على حرية الإبداع والخلق الفني، وأن لكل فرد الحق في التعبير . كما أضاف في لقاء مع القناة السابقة نفسها أن مسألة التجسيد في حد ذاتها ليست اعتداء على حقوق الآخرين.وهو ما اعتبره سعيد الجزيري مدير قناة «الزيتونة» الدينية دعوة إلى تهميش المجتمع وطمس هويته الدينية السنية. كما أضاف» الفيلم يحتوي على رسائل ضمنية خطيرة فيها إساءة كبيرة وهذا ليس غريبا على إيران ولا اعتقد أن فيلما تصل تكاليفه إلى 30 مليون دولار تساهم فيه الدولة لا يحتوي على توجهات طائفية وأغراض مريبة تهدف إلى الإساءة إلى قناعة الشعب التونسي في أن التجسيد لا يجوز مع الصحابة فما بالك في رسول الله».
إعلاميا أشار الإعلامي صلاح الدين الجورشي إلى أن مسألة التجسيد لا تزال محل نقاش وانقسام حتى في صفوف المدارس السنية ذاتها، وأن الوقت قد حان لإنشاء مدارس فقهية في تونس تسعى لحسم هذا النوع من الإشكالات.وفي تدوينته الفيسبوكية أشار الأستاذ الجامعي رؤوف بوريقة أن الفيلم» لا يظهر وجه الرسول الأكرم ومع ذلك تشن الحملات وتحشد لحرب طائفية جديدة «. واضاف « نحن بحاجة إلى فقه جديد لحسن توظيف الأدوات التعبيرية مثل السينما والمسرح لخدمة رسالتنا نحو الأمم الأخرى ولنا في مسلسل «يوسف» خير مثال لمضمون راق في ثوب ممتاز… للأسف هناك مدارس فقهية تعيش خارج العصر وتستحضر الصراع المذهبي والطائفي في كل مواقفها، وتثبت في كل القضايا المستجدة رفضها لكل نفس تجديدي وتقدمي. ومن الناحية السينمائية فقد انتقد المصور والسينمائي يونس بن حجرية كل هذا الاستهجان ضد الفيلم، مذكرا أنه يكاد يكون التونسي الوحيد الذي شاهد الفيلم في قاعة كوروش في كندا وهو «لا يجسد النبي ولا يمس قداسته بل يحث على التسامح والمحبة وليس على القتل وسفك الدماء. أما على المستوى الشعبي فقد أثار الفيلم العديد من المواقف والتي تراوحت بين السخط واتهام إيران بتشويه الدين الإسلامي، ووصل حد اعتبار ذلك حلقة من حلقات التغلغل الشيعي في تونس، بينما يرى شق آخر أن اتهامات باطلة تقف وراءها الحركات الإسلامية السنية… أخيرا ورغم منع عرضه لا يزال الجدال حول الفيلم قائما… ويوحي بأن الأيام المقبلة ستشهد ربما تطورات عديدة حول الفيلم.