غزة / سما / لا يتوجه محمد العالم الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع الجنائي صباح كل يوم إلى مكتبه لمزاولة وظيفته، بل إلى مكان عمله في مهنة البناء، في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
يعمل محمد (35 عاما) في إحدى البنايات التي دمرتها إسرائيل صيف 2014، ينقل أكياس الإسمنت ويجهزها مع الرمل والماء لعامل آخر يقوم ببناء الجدران.
وعن سبب اختياره لمهنة البناء دون غيرها، أوضح أنه يريد البناء والمساهمة قدر الإمكان في اعمار ما دمره الاحتلال الاسرائيلي.
وتعرض قطاع غزة لثلاثة حروب اسرائيلية كان أعنفها في صيف 2014، والذي أسفر عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير آلاف الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية.
ويبدأ العالم عمله السابعة صباحا وينتهي عند غروب الشمس مقابل 30 شيقلا لليوم الواحد، مشيرا إلى أنه رغم ذلك لا يحصل على أجره كاملا بل على دفعات، علاوة إلى عدم انتظام العمل بسبب أزمة الاسمنت.
ويقوم العالم الذي كان يرتدي بنطالا من "الجينز" وقميصا أسود اللون بين الحين والآخر بإيصال "الاسمنت المخلوط" الى البنّاء الذي يقف على خشبة مرتفعة لإكمال بناء الجدار.
وقال لـ"وفا": "توجهت الى جميع الوزارات والمؤسسات الخاصة للحصول على فرصة عمل في تخصصي النادر في قطاع غزة دون جدوى".
وبعد أن أوصل بعض الحجارة الى البنّاء أكمل حديثه، قائلا: "تقدمت لوزارة العمل في غزة للحصول على فرصة عمل مؤقتة فكان الرد حرفيا "نأسف لم تنطبق عليك الشروط."
وأضاف: "لم تنطبق عليّ الشروط رغم حصولي على شهادة الدكتوراه وألف ساعة تدريبية وسنوات خبرة"، متسائلا بحسرة: "من تنطبق عليه الشروط؟".
وتحدث العالم عن موقف ظريف حدث معه أثناء مقابلة للحصول على وظيفة في جمعية خيرية في غزة، حيث طُلب منه التعريف عن نفسه وعندما بدأ بذلك طلب منه المسؤول عن المقابلة التوقف وأبلغه أنه حاصل على دبلوم متوسط واعتذر منه وبكى.
وأشار إلى أنه حصل على فرصة عمل في كلية الدراسات المتوسطة في جامعة الأزهر في غزة لمدة فصلين بواقع 60 دينارا أردني للفصل الواحد، ولم تكف له أجرة المواصلات حيث يقطن المحافظة الوسطى.
"باعت أمي تحويشة الحج لتعليمي، قال العالم، مستدركا "حتى اليوم غير قادر على رد جميلها والايفاء بوعدي لها بذهابها للحج بعد حصولي على وظيفة."
وبعد أن أخذ قسطا من الراحة، شرح العالم أهمية تخصصه "علم الاجتماع الجنائي"، مشيرا الى أنه يدرس الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمجرم قبل ارتكابه للجريمة وبعدها.
ورفض قبل قدومه الى القطاع عدة عروض من دول عربية للعمل فيها مفضلا العمل في وطنه لأن تخصصه نادر ومهم.
وأعلن الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، أن معدل البطالة في قطاع غزة وفقا للجهاز المركزي للإحصاء قد بلغ 41.7% في الربع الثاني من عام 2016 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 203 آلاف شخص.
وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا، وارتفعت بين فئة الشباب والخريجين في قطاع غزة لتتجاوز 60%.
ودعا الطباع في تصريح لـ"وفا" الى تعزيز ثقافة التدريب المهني والتقني وتغيير مسار طلبة الثانوية نحو التخصصات المهنية والتقنية، وذلك لتجنب ما يعانيه الخريجون من حملة التخصصات الأكاديمية في فلسطين من صعوبة ومحدودية توفر فرص العمل.
وتشير البيانات الإحصائية حسب الطباع، الى أن مؤسسات التعليم العالي في فلسطين تخرج سنوياً حوالي 30 ألفا يتم ضخهم لسوق العمل المحدود.
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": إن 80% من سكان قطاع غزة (1.9 مليون نسمة) يعتمدون على المساعدات الانسانية.
" وفا "