بقلم: كوبي ميخائيل وأودي ديكل
وزير الأمن أفيغدور ليبرمان عرض مؤخرًا خطة "العصى والجزرة" كردٍ على موجة الإرهاب في مناطق الضفة الغربية، الخطة تعكس خطوط السياسة الجديدة التي يسعى إلى تطبيقها وتعتمد على أربعة قوائم أساسية: (1) التمييز بين السكان المتورطين في الإرهاب وبين السكان غير المتورطين فيه. (2) مكافأة السكان غير المتورطين من خلال تطوير بنيوي واقتصادي وإعطائهم تصاريح العمل في إسرائيل. (3) فرض عقوبات وقيود على المناطق التي يخرج منها المهاجمون وتجري فيها أحداث عنف. (4) التوجه إلى الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية من وراء السلطة الفلسطينية وليس من خلال فنوات التنسيق القائمة (نظام التنسيق المدني ووزارة الشؤون الاجتماعية في السلطة). كما عرض ليبرمان نيته إجراء حوار مع أكاديميين وفنانين وجهات قوية ونافذة أخرى في مناطق السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى إقامة موقع انترنت خاص لغرض التحدث إلى المجتمع الفلسطيني بمجمله.
المنطق المنظم للمخطط هو ان التمييز بين التجمعات السكنية وخطوت تحسين الاقتصاد الفلسطيني ليس الأصل، يعتمد على سياسة المنظومة الأمنية كما تم تصميمها واستنساخها خلال فترة وزير الأمن السابق موشيه يعلون، يبدو ان الوزير ليبرمان أيضًا قبل بموقف المنظومة الأمنية بشأن الأهمية التي في رفع عدد تصاريح العمل في إسرائيل والكف عن الإضرار بروتين السكان غير المتورطين بالإرهاب والعنف اليومي كعناصر كابحة. رغم ذلك خطة ليبرمان تعتبر مجددة من ناحيتين اثنتين: الاستعداد الإسرائيلي لتخصيص المناطق (C) لغرض التطوير الاقتصادي والبنيوي لصالح الفلسطينيين، وكذلك التصريح بشأن التوجه لتجاوز السلطة الفلسطينية بهدف التحدث مع عناصر أخرى تمتلك القوة والنفوذ في مناطق السلطة، ومن خلال الموقع المخصص لهذا الغرض أيضًا.
استعداد إسرائيل لتخصيص المناطق (C) للتطور الفلسطيني هو بمثابة سابقة مهمة تضع بنية ممكنة أيضًا للتقدم في العملية السياسية أو مواصلة الخطوات الإسرائيلية التي تحافظ على إمكانية حل الدولتين لشعبين عندما تنضج الظروف لذلك. الخطوات التطويرية بإمكانها أن تسهم في التأسيس لديناميكا إقليمية جديدة إذا كان من الممكن ان نضم إليها أيضًا لاعبين من المنطقة العربية والمجتمع الدولي، لكن نتوقع ألا تتعاون الجهات الإقليمية والدولية مع خطوات الحكومة الإسرائيلية التي يراد منها تجاوز السلطة الفلسطينية، والتي تدل على ان إسرائيل تستعد لفترة من الجمود في العملية السياسية.
إضافة إلى ذلك بلورة فكرة التمييز بين مناطق التطوير المختلفة في مناطق (C) القريبة من المناطق (A) هي الأخرى من شأنها ان تساعد السكان الفلسطينيين وتعزز كوابح الإرهاب والعنف، فعلى سبيل المثال يمكن تحديد مناطق التطوير المعدة للسياحة (مثل منطقة أريحا) ومناطق تطوير المشاريع الزراعية ومناطق تطوير بنى المياه التحتية والطاقة (مثل حقول الطاقة الشمسية) وأراضٍ لتطوير المناطق الصناعية، ونحتاج أيضًا إلى التشاور مع السلطة بخصوص مبادراتها الاقتصادية على الأرض. عدا عن ذلك أسلوب نظامي وتخصيص للمناطق (C) للتطوير الفلسطيني بطريقة لا تمس بالمصالح الإسرائيلية من شأنها ان تفسر من قبل المجتمع الدولي كإشارة إيجابية من قبل إسرائيل، وتؤدي إلى زيادة الضغط على الجانبين من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.
من الناحية الأخرى؛ تصريح الوزير ليبرمان العلني بشأن نيته التحدث مع جهات فلسطينية غير محسوبة على السلطة وليس من خلالها هو بمثابة دعوة تحدٍ للسلطة الفلسطينية ورئيسها، هذا التوجه يعبر عن يأس وزير الأمن المطبق من السلطة، وسيما من رئيسها، بل وربما يعبر عن عدم الثقة بفرص بقائها لوقت طويل، وأكثر من ذلك فهذا التوجه يمكن تفسيره بأنه تعبير عن اتهامات سابقة للوزير ليبرمان لرئيس السلطة محمود عباس بأنه عثرة، وأنه جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل.
الوزير ليبرمان تطرق إلى صفحة "فيسبوك" لمنسق العمليات في المناطق كنموذج لتوجه مواطنين فلسطينيين إلى السلطات الإسرائيلية من وراء السلطة، ينبغي التأكيد بأن توجه مواطنين فلسطينيين رفيعين أو وضيعين، وكذلك الشركات الاقتصادية، المباشر إلى الإدارة المدنية هي ظاهرة شائعة جدًا، وسيما في كل ما يقال عن رجال الأعمال ورؤساء البلديات الذين يحتاجون هذا الاتصال بشكل يومي وتتم بعلم السلطة الفلسطينية. إلى ذلك الرئيس عباس ومسؤولون كبار في المعسكر الفلسطيني قلقون من قنوات الحديث السياسية المتجاوزة للسلطة، ولا ينوون السماح بمبادرات شخصية تتجاوز صلاحيتها، وبالتالي فإن مستشاري رئيس السلطة الكبار ردوا على الفور على أقوال الوزير ليبرمان وحذروا من خروج أفراد أو جماعات فلسطينية عن الخط الوطني ومن التنسيق مع إسرائيل خارج نطاق السلطة.
في الخلفية تزداد بالآونة الاخيرة التقارير حول المصاعب التي تواجهها السلطة في فرض السيطرة على المجموعات العنيفة والعصابات الاجرامية، بل وعناصر التنظيم في مراكز المدن وفي المناطق الريفية في الضفة الغربية. في ذات الوقت ازداد نفوذ الحواميل والعائلات الفلسطينية الكبيرة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتصرفات الجاليات المحلية من خلال تقليص الارتباط بالسلطة وتأثيرها في الحياة اليومية؛ هذه التوجهات تضعف السلطة وتقوض الأساس المفترض لإعداد حكم فلسطيني مسؤول ومستقر ويعمل بفاعلية.
من هنا فإن توجه وزير الأمن لإعداد قنوات اتصال متجاوزة للسلطة يعزز التوجه الحالي لتدمير قدرة السلطة على فرض حكمها، وعليه - حتى وإن كان الصواب إقامة وفتح قنوات حديث مع جهات قوية ونافذة في السلطة وليس من خلالها - فمن جهة إسرائيل ليس صحيحًا الاعلان عن ذلك على الملأ، إذ ان الإعلان يلغي الإمكانية الحقيقية للحديث مع جهات نافذة، والتي حكمها فعلًا ان تفسر بأنها تقويض للسلطة.
كما ان إسرائيل من شأنها ان تثير حفيظة المجتمع الدولي ضدها، المجتمع الذي يرى في السلطة العنوان الشرعي الوحيد، والذي يشتبه بعدم وجود نية حقيقية لدى إسرائيل في التوصل إلى حل الدولتين، والذي يرد بالإيجاب أيضًا على جهود تدويل الصراع. بهذا الخصوص دولة إسرائيل نفسها في حال طبقت التوجه المعلن بتجاوز السلطة في كل ما يخص نفوذها لدى السكان الفلسطينيين؛ فإنها ببساطة ستكون لعبة في أيدي من يعملون على نزع شرعيتها.
عدا عن ذلك التصريح بشأن التوجه لتجاوز السلطة الفلسطينية من شأنه ان يقوي الجهات الرافضة والمعارضة في أوساطها بطريقة قد تصعب الأمور أمام تحفيف تطلعات إسرائيل الأخرى في كل ما يخص التطوير الاقتصادي والبنيوي، التصريح بشأن تخصيص المنطقة (C) لغرض التطوير الفلسطيني قد يفسر بأنه مكون آخر في "المخطط الأكبر" الذي يهدف إلى انهيار السلطة، كما انه يستجلب الانتقادات بحق إسرائيل من قبل من يعتبرون تحت قيادتها تواقين إلى خلق وضع يسمح بالإعلان أمام العالم بانه لا يوجد بالفعل شريك فلسطيني، إذ انه من الصعب الافتراض بأن هذا التصريح سيقدم فعلًا التحدث مع جهات خارج السلطة، فهؤلاء سيشعرون بأنهم خونة، وبالطبع سيعتبرون كذلك من وجهة نظر السلطة وغيرها، ولذلك فليس من الواضح أي جدوى وفائدة أراد الوزير ليبرمان ان يحققها في اختياره الإدلاء بهذا التصريح.
عرض مخطط ليبرمان يمكن ان يفسر على انه تعبير عن نية الحكومة الإسرائيلية أو عناصر فيها لأن يتسببوا بانهيار أو تفكيك السلطة الفلسطينية دون ان تتهم إسرائيل بفعل ذلك، أما وقد أدلي بهذا التصريح فإن على الحكومة الإسرائيلية ان توضح - وسيما للشعب الإسرائيلي - هل هي بالفعل تعمل ولو يشكل ملتوٍ على انهيار السلطة أم انها ما تزال تعتبر السلطة هي الشريك الفلسطيني لإنهاء الصراع وادارته أيضًا؟
على أي حال، نوصي بأن تستمر الحكومة الإسرائيلية في تطوير المكونات الأخرى في مخطط "العصى والجزرة" (وهو عنوان إشكالي في حد ذاته) خاصة الوزير ليبرمان بهدف إنفاذ منطقها الاقتصادي البنيوي وترجمته إلى خطة عمل من شأنها أن تقود إلى إحداث تغيير إيجابي على المستوى الاجتماعي أيضًا في الساحة الفلسطينية.
أطلس للدراسات