عمان - كتب د. أحمد جميل عزم- يلخص تقرير لصحيفة "هآرتس" الوضع الإسرائيلي الحالي بالقول: "لا يوجد تقريبا أي ضغط دولي، والمجتمع الفلسطيني منقسم". وفي إشارة بالغة الدلالة، تتوقف الصحيفة عند حقيقة أنّ الإسرائيليين عادوا لسياسات عمرها أربعون عاما، أي لعهد السبعينيات. وهذا ما تجسده خطة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الأخيرة. بكلمات أخرى، فإنّ الإسرائيليين يعتقدون أنّ ما حاولوه قبل أريعين عاما، وسقط على صخرة المقاومة الفلسطينية، بات ممكناً الآن. والواقع أنّ خطة ليبرمان تتجاوز الخطط القديمة؛ من البحث عن قيادة بديلة إلى التعامل مع الأفراد مباشرة.
هناك "بنية تحتية" ومعطيات ملائمة لتنفيذ الخطة. ولن تتمكن السلطة الفلسطينية من مواجهتها، إذا ما وُضعت موضع التنفيذ، إلا بتغيرات جذرية في السياسات والأداء والتفكير.
سمى ليبرمان خطته، التي اقترحها قبل أيام، خطة "العصا والجزرة"، من دون أي اكتراث للإيحاءات المهينة والسلبية في التسمية. فالقرى التي لا يخرج منها مقاومون (إرهابيون بحسب تعبيره)، ستحظى بـ"عقوبات أقل"، ومزايا أكثر، مقارنة بالتي توجد فيها مقاومة. ومن أمثلة ذلك، بناء مستشفى في قرية ما، وستاد كرة قدم في قرية ثانية، ومنطقة صناعية في مكان ثالث. وتعطى كل منطقة تصنيفا وفق لون معين؛ فالمناطق الخضراء حيث لا يوجد مقاومة، والبرتقالية والحمراء حيث يوجد السلاح والمقاومة، وهذه لن تشهد "مكاسب" بل سيجري تكثيف هدم البيوت والاقتحامات والمصادرة هناك.
في الماضي (السبعينيات والثمانينيات)، كان الإسرائيليون يتولون المسؤولية الأمنية والإدارية المباشرة في المناطق المحتلة العام 1967، وكانوا يبحثون عن قيادات بديلة. وحاولوا في البداية إقامة انتخابات بلدية، بهدف إظهار قيادات محلية، تتفاوض مستقبلا مع الإسرائيليين، أو يصبحون قيادة محلية بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، وليحافظوا أيضاًعلى الهدوء لصالح الاحتلال. وفشل هذا المسعى لأنّ أنصار المنظمة فازوا في الانتخابات. ثم جرت محاولة تأسيس روابط قرى، تعين تعيينا، قوامها مخاتير وشخصيات متعاونة. وتمت مواجهة هؤلاء بعنف مسلح من قبل الفصائل، ونُبذوا اجتماعياً. لكن ما يسعى إليه الإسرائيليون الآن، في ظل الواقع الراهن (بوجود السلطة الفلسطينية)، مختلف من ثلاث زوايا. أولاها، أنّ الإسرائيليين لن يقوموا بأي مشاريع بأنفسهم، وبالتالي لن يكون ممكناً رفض المشاريع بل سيجري التعاون مع المانحين الغربيين واليابان وغيرهم لتحديد مكان المشاريع فيما يسمى "أراضي السلطة الفلسطينية". والأمر الثاني أنه سيجري التعامل مع الأفراد مباشرة في قضايا حياتية. وعلى سبيل المثال، يجري الآن الاستعداد لإطلاق موقع على الإنترنت بالعربي، لتبيان الخطة الإسرائيلية للفلسطينيين. وسيجري تعزيز دور رجال أعمال وبعض التجار، وربما بعض العاملين في أجهزة السلطة، وأصحاب مكاتب خدمات عامة متصلة بالتصاريح وغيرها، بشكل غير رسمي (وهو أمر يجري الآن بالفعل)، ليكونوا قناة غير رسمية بين الأفراد الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية، في شؤون الحياة اليومية، وتراخيض السفر، والبناء، والعمل... إلخ. وهؤلاء ناشطون الآن ويتمتعون بعلاقات طيبة مع السلطة الفلسطينية ومسؤوليها في الوقت ذاته.
المتغير الثالث المهم في الوقت الراهن، أنّ البنى الشعبية المنظمة، من فصائل واتحادات ونقابات، إما مهلهلة ومنقسمة، أو منشغلة بمطالب وقضايا معيشية، ولا تشتغل بالسياسة، سوى ما يتعلق بالانقسام والتنافس الداخلي، بل إنّ هناك حالات نقمة واستياء من أداء السلطة الفلسطينية، وصدامات معها، أحياناً، يستغلها الإسرائيليون لتسويق فكرة "العلاقة المباشرة مع الفلسطينيين (الأفراد)". والأهم من هذا أن نهج السلطة الفلسطينية هو التركيز على ما يسمى بقضايا التنمية والبناء، وفق قواعد اللعبة والموافقات الإسرائيلية. لذلك، قد لا تعني خطة ليبرمان الكثير لشرائح من الفلسطينيين، سوى أن مطالبهم اليومية لن تمر عبر "السلطة" إلى الاحتلال، بل تذهب إليه مباشرة.
لإفشال خطة ليبرمان، التي تهدف حقيقة إلى القضاء على الفلسطينيين كشعب له حقوق وطنية، وتحويله لأفراد بمطالب حياتية، هناك متطلبات؛ منها، أولا، صدور قرار حاسم من قبل السلطة الفلسطينية، بمنع الأفراد والتجار ورجال الأعمال والمؤسسات من أي تعامل مباشر مع ما يسمى "الإدارة المدنية" وضباطها، وحصر كل شيء بيد الأجهزة الرسمية الفلسطينية. وثانيا، التفاهم مع المانحين الدوليين لئلا يكون العمل ضمن أجندة الأمن الإسرائيلي، بل ضمن الخطط الفلسطينية الوطنية. وثالثا، تجديد الشارع السياسي وأطر العمل الوطنية الشعبية.
عن الغد الاردنية