ابوظبي – جمال المجايدة
نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أمسية رمضانية بعنوان "مفهوم الخلافة: جدليَّة النموذج بين الماضي والحاضر.. من رؤى السراب"، ألقاها المستشار الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، المستشار الديني في ديوان ولي عهد أبوظبي، مدير جامعة محمد الخامس أكدال-أبوظبي. وقد عُقِدت الأمسية الرمضانية بحضور الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي،
تحدث المحاضر عن أن اختياره مفهوم "الخلافة" موضوعاً لمحاضرته نابع من تعاظم خطر الفوضى الفكرية التي باتت تهدِّد عالمنا العربي والإسلامي، في ظل المحاولات المستميتة للتيارات المتطرِّفة لتشويه جوهر الإسلام، وتضليل الشعوب الإسلامية، واستغلال الدين لتحقيق أطماعها في السلطة. كما أشار إلى أن اطِّلاعه على كتاب "السراب" لمؤلفه الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، حرَّك لديه العزم على تناول موضوع "الخلافة"؛ لما تضمَّنه الكتاب من طرح دقيق برع في الكشف عن زيف الشعارات التي ترفعها الجماعات الدينية السياسية، وتفنيد أفكارها المغلوطة حول مفهوم "الخلافة".
واستعرض المحاضر التطور التاريخي لمفهوم "الخلافة" منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا؛ منطلقاً من مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية في عهد القيادة النبوية الشريفة، حيث لفت إلى أن رسولنا الكريم محمداً -صلى الله عليه وسلم- أرسى أربعة أسس رئيسية قامت عليها الدولة هي: بسط الأمن، وإقامة العدالة، وإدارة المال، والعلاقات الخارجية مع القبائل والدول والشعوب الأخرى، مؤكداً أن تلك الأسس الأربعة كانت قوام ازدهار الدولة الإسلامية ورقيها في عهد الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم، وتجانس المجتمع النبوي الذي تألَّف من ديانات وأعراق وثقافات مختلفة، وانفتاحه على الآخرين. وشدَّد المحاضر على أن هذه الركائز الأربع، التي وضعها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- كانت وستبقى الأسس التي تقوم عليها كل الدول، والمطلب الذي تنشده جميع الشعوب في أيِّ زمان ومكان.
ثم مضى المحاضر إلى بيان كيف استمد أهل السُّنَّة إلزامية الخلافة من إجماع الصحابة على اختيار خليفة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنهم جعلوها من الفروع لا من الأصول، وربطوها بأفعال المكلَّفين، وهي عندهم من فروض الكفاية، وترجع إلى اختيار أهل الحل والعقد، وذلك بخلاف الشيعة؛ إذ جعلوا الإمامة أصل أصول الإسلام. وركَّز المحاضر في حديثه على الأشكال التي تم فيها تنصيب الخليفة خلال الحكم الراشدي، وكيف أن تعدُّد الأشكال يؤكد أن بنية نظام الخلافة مرتبطة بالمصلحة، مستعرضاً بعد ذلك التحول الذي حدث في توظيف هذا المفهوم لدى الدولتين الأموية والعباسية، حيث سيادة التغلب في الاستيلاء على الدولة، وتوريث الحكم. قبل أن ينتقل المحاضر إلى تناول التحول الذي طرأ على مفهوم الخلافة بعد سقوط الخلافة العثمانية، ووقوع العالم الإسلامي تحت وطأة الاستعمار، الذي حمل معه "الدولة الوطنية الحديثة" بإشكالاتها الجديدة، وهنا هبَّ المسلمون لتلمُّس النموذج الذي ينبثق من دينهم؛ فنزعوا إلى نموذج الخلافة الراشدة، وبعد دراسة ما تركه العلماء في ذلك وُجِد أن مفهوم الخلافة الراشدة يتردَّد في سياق سيرة الخلفاء الراشدين وأخلاقهم فقط، وليس في أسلوب حكمهم، مشدِّداً، في هذا السياق، على أنه لا توجد في الإسلام نصوص قاطعة توجِب التقيُّد بـ"الخلافة" كنظام حكم، وإنما توجد بعض الاجتهادات البشرية لحفظ المصلحة العامة، مشيراً إلى أن معظم الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت هذا الموضوع ركزت على قيم الخلفاء وصفاتهم وشيمهم ومناقبهم، ولم تركز على "الخلافة" كمفهوم مقدَّس.
ثم تطرَّق المحاضر إلى الجدل الدائر حول العلاقة بين الدين والدولة في عالمنا العربي والإسلامي، وبيَّن أنه مع نشوء تيار الحركات الإسلامية المعاصرة، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، التي أسَّسها حسن البنا، وجد هذا الأخير أن فكرة "المهدوية" هي الأكثر تأثيراً وسيطرة على الشيعة، ووجد أن مفهوم الخلافة لا قوام واضحاً له؛ ومن هنا فقد سعى إلى نقل مفهوم الخلافة من مستوى الفقه إلى مستوى العقائد، وأعطى لقيام "الدولة" الصدارة على كل شيء، ووازى بذلك الشيعة الذين جعلوها أصل الأصول. كما رأى البنا أن الهدف هو الوصول إلى "الدولة"، وأن الوسيلة إلى ذلك هي "الجهاد"، وكان هذا تأسيساً لفكرة "الحاكمية"، التي عمَّقها سيد قطب في كتاباته، وأعطاها بُعداً نفسياً وفكرياً، وهي التي طوَّرتها الحركات الجهادية إلى عنف، وصولاً إلى ظهور الحركات المتوحشة كـتنظيم "داعش" الإرهابي، وما على شاكلته؛ ما جعل المسلمين اليوم، سواء كانوا من السُّنة أو الشيعة، يرزحون تحت تيارَين متطرِّفَين: تيار الخلافة الموهومة، وتيار المهدوية الأسطورية.


