من الواضح أن الله لا يريد من صيامنا الامتناع عن الطعام والشراب، وإلا كان الأمر عقاب وكفارة، الصيام شهر الله وحده وعبادة له دون وسطاء، لها معاني وقيم ومقاصد أرادها الله لعباده الذي أمرهم بعبادته لأنه أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف، فكيف يطلب منهم الامتناع عن الطعام والجوع، إلا لغاية تربيتهم وتصحيح حساباتهم وهم متجردين من قوتهم الجسدية بالصيام في سبيل ابراز قوة الروح لا البدن.
إن الله لا ينظر إلى صورنا بل محط رسالته القلوب ومراده أن تهفو له بالخير والعمل الصالح كمخرج اجتماعي يؤكد صحة الايمان بالله واليوم الآخر، لان العمل الصالح هو التعبير السليم والحقيقي عن جوهر العبادات ومن بينها الصيام.
وفي هذا الاطار: هل يجوز لصائم أن يمتنع عن الطعام والشراب في نهار رمضان وهو يلتهم حقوق الناس بجشع وشراهة؟، هذا أمر مخالف لمقاصد العبادات ومفاعيلها بين الناس الذين لا يحتاج الله لهم ولا لصيامهم.
أكل الحقوق من المفطرات في رمضان معنى لا يمكن الاختلاف عليه، والدفاع عن عكسه هدفه تحويل العبادات لطقوس شكلية دون جوهر وقيم، مهما حاول الخطباء والواعظين ايجاد مخارج، رغم ان ذلك يجب أن يكون رسالتهم ومسار وعظهم حتى لا ينقل الاسلام الى المتحف الكنسي، ويخرج من دوره في حياة الناس بالإحياء والاعمار والهداية.
صور أكل حقوق الناس كثيره ويومية يمارسها رب العمل والعامل بالتقصير المتبادل في الواجبات والحقوق، وأكل الحقوق يكون بين الابن وأبيه وصولا لحق الانتخاب واختيار الحاكم، أكل الحقوق نراه في المشافي عندما يُحضر الطبيب أقاربه وزبائن العيادة الخاصة الى المستشفى العام، ومن أشكاله أن يشتري وكلاء الوزارات سيارات وباقي الموظفين يتسولون أقل من ألف شيكل، ومن أكل الحقوق توزيع المساعدات ومنح الجامعات على المقربون وأبناء الجماعة السياسية دون مستحقيها، ومن أكل الحقوق جمع الضرائب من الفقراء ليتمتع بها الأغنياء رواتب كبيرة وامتيازات ونثريات وسفريات وقود واتصالات، ومن صورها العبث بالميراث وحقوق النساء وخسف الجمعيات لحقوق الأيتام، وتوزيع الأراضي العامة وفق اعتبارات عنصرية مقيتة لا تبصر الا بين قدميها وبأنانية مطلقة لمصلحة جماعة دون عامة الناس ومستقبلهم.
أكل حقوق الناس جهرا ونهارا يخالف جوهر الصيام ومراميه وغاياته، وكل أشكال أكل حقوق الغير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعنوية هي افطار بجح وتحدي لله بإغلاق البلوعم وفتح كل أشكال الاكتناز والبذخ والنهب.
ولذلك كل من بعمل في دائرة صنع القرار وتمريره مساهما في أكل حق عام أو خاص عليه أن يذهب للمطبخ ويرتوي من الماء ويشبع مما شاء فمن يستمري حقوق الناس لا يُصلح قبح قلبه أمام الله مكياج الصيام عن الطعام والشراب، وبذلك يكون لرمضان دور في اصلاح النفوس وللصيام تأثير في اعمار الأرض وسعادة الناس.


