يغرق الوطن العربي، و نحن ضمنه ، منذ بداية رمضان في متناقضات غريبة ، علها بكل تفاصيلها المتنافرة و ألوانها غير المتناسقة ، تعكس حالة أمتنا العربية أمه النصف مليار ..
فبين المسلسلات اللذيذة ، و غزو الراقصات لمعظم الأعمال الدرامية التي تدخل كل بيت خاصة في شهر الذكر و التقرب إلى الله ، شهر الرحمة و المغفرة ، و الصوم عن كل الموبقات !!
يقال أن الفن هو مرآة الشعوب، وهويعكس الحالة الحقيقة للمجتمعات ، كنت اليوم أتابع مسلسل إسمه نيللي وشريهان ، بطولة إيمي و دنيا سمير غانم ، و لا أعرف لماذا شعرت أن هذا المسلسل يمثل بالفعل شريحة واسعة من شباب وشابات لهم نمط حياة و إهتمامات معينة في أمتنا العربية ، و مسلسل آخر يلقي الضوء على الحق الضائع و الطبقة المطحونة التي تضطرها الظروف إلى تجارة السلاح و المخدرات التي يمثلها محمد رمضان ، إلى سلوكيات و تساؤلات بدأت تمخر في فكر مجتمعاتنا العربية و علاقة الثقافة بالدين بالوطن ، و زواج المسلمة من مسيحي في مأمون وشركاه لعادل إمام و غيرها من ثانويات و اسئلة و تساؤلات يتم التركيز عليها و تضخيمها ..
و على صعيدنا الفلسطيني ، لا تجد إختلافاً كبيرا ، فالتركيز على المصالحة من أجل الرواتب ، إنهاء الإنقسام من أجل إنهاء إشكالية تركيا مع إسرائيل و تمكينها من إتمام مشروع الميناء ، و فتح المعابر ، و ترك القدس تتهود ، و تطويع الذهن و الوجدان بكثيف المقالات و الخطب و الدروس و المحاضرات ، أو من ناحية أخرى الزن على الاذن بأحقية اليهود و حقيقة وجود الهيكل تحت الأقصى الشريف ، تماماً كما تمت عملية التطويع و تطبيع الثقافة العربية ، كما يطبع الحصان الجامح ، إلى أن يقر و يهدأ و يقبل أن يسرج و يُمتطى ، و يقبل بحقيقة و حق إسرائيل في الوجود ، و بأن عكا إسرائيلية ، و يافا جزء من تل أبيب و ليس العكس ، و الناصرة قطعة من دولة إسرائيل .. و أن الحق العربي لا يزيد عن الضفة و القطاع ، و ربما أبو ديس و بعض الأفصى ، كما هو بعض الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن ..
إنه الإحتلال اللذيذ .. إنه العربي الجديد ، العربي الكوول ، العربي بالظاد ، على راي دنيا سمير غانم .. إبنة القائد الفذ و المفكر العربي الكبير سمير غانم !!..
و إذا إعتبر بعض منا نحن العرب ، أن هذه الشريحة من الناس و الشباب ، القابلين بالواقع ، العقلانيين الكوول ، هم فئة مارقة لا تمثلنا ، ففي الجانب الآخر ، شباب الجد و الكد ، العابسون الرافضون، أصحاب اللحى و السواك ، و النقاب و فكر اللواط ، و ذبح غير المصلين و حرمة تهنئة المسيحي بالكريسماس و أصحاب الوحيين ، و التراث...
و الغريب أن الفئتين ، أصحاب الكوول و أصحاب الأصول ، الناطقين بالظاد و الناطقين بالضاد .. كلاهما ، أبعد ما يكون عن القدس ، و فلسطين ، إلا اللهم من ذكرها في الأغاني و البيانات ، سواء أغاني من نوعية الإبتهال و النشيد ، أو أغاني الراب و الميتال الجديد ..
بين هؤلاء و هؤلاء ، التائهين في بحور الإستقطاب ، بين طوابير التنظيمات ، و المؤسسات ، و الأحزاب ، و الأفكار ، و المفكرين و التيارات .. تجد القليل من الأحرار ، نعم ، الأحرار حقا .. صغيري السن ، أنقياء الفطرة و السجية ، يطلعون علينا كل فترة ، طلوع الصبح ، ولو فكرنا ولو قليلا ، كيف تم توفير النقود ، و عمل الحسابات ، و الإتصالات ، للحصول على سلاح قديم ، و كم كان ثمن الرصاص ، و كيف وصل ، ثم التخطيط و التنفيذ ، لتعديل ما قامت به فلانه ، أو فلان ، بسكين مطبخ أو حجر أو اي أداة ، فكانت النتيجة موت محقق ، و خراب بيت و دمار ، حزن عليه الناس الناطقين بالظاد ، ثم أكملوا متابعة مقالب رامز يلعب بالنار .. بينما سجد الناطقون بالضاد ، شكراً لله ، و واصلوا الدعاء و التوسل لرب العباد ، أن يمن عليهم بفتح جديد ، و ميناء ونفق مسلح بالاسمنت و الحديد ، أما القدس و فلسطين ، فلها رب يحميها ، و قلة من الشباب ستحارب و تقاتل و تتحول إلى مادة غنية ، يتاجر بها أصحاب الضاد ، و الظاد ..
و قريبا ، سينجح المشروع ، و يصبح ليبرمان أحد أهم اللاعبين ، و سينتهي الإنقسام ، و سينتهي أوسلو ، و سيبدأ عهد جديد ، و ستعود ريما إلى عادتها القديمة ، و الحياة مفاوضات ، فقد فاوضنا بيجين ، و شامير فلماذا لا نفاوض ليبرمان ، و لقد قبلنا بحدود 67 ، فلماذا لا نقبل بحدود 2000 ؟؟!! فالعرب ، سئموا ، و ملوا ، و جنحوا للسلم و العقل ، و الدين تم إختزاله في سواك و جلباب و لحية و نقاب .. و الحضارة أصبحت تعني جينز مقطوع و بورغر ، و الوطنية و المواطنة تعني حق المسلمة بزواج المسيحي ..
السيدات و السادة ، نحن في عصر بدأ بكامب ديفيد و نيللي و شريهان ، و الآن نعيش فوزاير ليبرمان في رمضان .. و السؤال .. هل سيستمر هذا المسلسل ، أم أن قلة من الأحرار من الخليل أو غزة أو القدس، ستغير الحوار ؟


